في حوار مع الجزيرة نت خبير فلسطيني يقدم رؤية لإنقاذ مدارس القدس من الأسرلة - البطريق نيوز

0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

يعتبر قطاع التعليم في المدينة الفلسطينية المقدسة أحد أهم ميادين الصراع على الهوية، مع تصاعد استهدافه، ومحاولات اقتلاع المنهاج الفلسطيني بالكامل من كافة المدارس لطمس الهوية الوطنية، وزرع الرواية الصهيونية المشوهة في عقول الجيل الناشئ.

ورغم أن المادة 50 من اتفاقية جنيف الرابعة والمادة 26 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان تكفلان حق الشعوب الواقعة تحت الاحتلال في الحصول على التعليم الذي يتماشى مع معتقداتهم وحماية ثقافتهم وتراثهم من التغيير أو التشويه، فإن الاحتلال الإسرائيلي قطع شوطا كبيرا منذ عام 1967 حتى يومنا هذا في مجال أسرلة التعليم.

اقرأ أيضا

list of 2 items end of list

وأمام الواقع المليء بالتحديات والمستقبل المفتوح على احتمالات الصمود أو التراجع، يقف التعليم في القدس عند مفترق طرق يختبر مدى قدرة الفلسطينيين على الحفاظ على وجودهم وهويتهم من خلال مقاعد الدراسة.

ولقراءة الواقع وسبل مواجهته، تحاور الجزيرة نت رئيس الهيئة المقدسية لمناهضة التهويد ناصر عيسى هدمي الذي أكّد أهمية عدم انجرار أولياء الأمور خلف المغريات التي يقدمها الاحتلال من خلال أذرعه التعليمية، كما طرح رؤيته حول الدعم الذي تحتاجه القدس اليوم من العالمين العربي والإسلامي لضمان بقاء التعليم العربي الفلسطيني فيها.

5-أسيل جندي، مدرسة النظامية، بيت حنينا، القدس، صورة من إحدى الغرف الصفية (الجزيرة نت)
الاحتلال يمضي في أسرلة التعليم في القدس ترغيبا وترهيبا (الجزيرة)

وتاليا نص الحوار كاملا:

كيف تصف واقع التعليم في القدس اليوم مقارنة ببقية المدن الفلسطينية؟

يمر التعليم في مدينة القدس بظروف صعبة ربما تكون الأسوأ منذ تاريخ احتلال هذه المدينة، ويعود ذلك بالدرجة الأولى إلى أن الاحتلال عمل على تفتيت المرجعية الوطنية في القدس ومنها مرجعية التعليم.

واليوم تُصنف المدارس بناء على تعدد المرجعيات، وهي المدارس الخاصة التي تنقسم إلى 3 أقسام، هي تلك التي تتبع للجمعيات الخيرية، وأخرى للمؤسسات الكنسية التبشيرية، بالإضافة للمدارس التي أنشئت على أساس تجاري أو تحولت مع الوقت إلى التوجه التجاري وفقدت رؤيتها التعليمية الأساسية.

إعلان

وبالإضافة للمدارس الخاصة، يوجد في القدس مدارس البلدية التابعة لوزارة المعارف الإسرائيلية، ومدارس الأوقاف الإسلامية والمدارس التابعة للسلطة الفلسطينية، وتلك التي تتبع لوكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا) والتي أغلق الاحتلال أبوابها مؤخرا مع حظر هذه الوكالة الدولية.

إلى أي مدى أسهم تعدد المظلات التعليمية في تعقيد المشهد التعليمي بالقدس؟

المشكلة أننا عندما نتحدث عن المدارس الخاصة بالذات، وهي ربما اليوم صاحبة التأثير الأكبر في القدس بعد مدارس بلدية الاحتلال، فهي تعاني من مشكلة كبيرة بسبب استهدافها بشكل مباشر من أذرع الاحتلال، وللأسف فإن بعضها إما أُجبرت أو برضاها تحولت لمدارس تجارية تبحث عن الربح ولا تهمها الرؤية والرسالة والحفاظ على الهوية الوطنية الفلسطينية.

فقبل 15 عاما سربت سلطات الاحتلال خبراً مفاده أنه من حق المدارس في القدس الحصول على دعم مادي من بلدية الاحتلال دون شرط أو قيد، وهذا فتح المجال للعديد من المدارس وبالتحديد الخاصة منها للحصول على مصدر دخل جديد.

وبدأت المدارس تعتمد شيئا فشيئا على هذه الأموال "المسمومة" التي تدفعها بلدية الاحتلال ووزارة المعارف حتى أصبحت جزءا مهما وأساسيا من ميزانيتها، ومع الوصول إلى هذه المرحلة بدأ التدخل بكافة التفاصيل وعلى رأسها المناهج الفلسطينية التي يتلقاها الطلبة.

ما أثر مصادرة كتب المنهاج الفلسطيني وتشويه محتواها على الهوية والجيل الناشئ في القدس؟

أحد الأهداف التي كانت تطمح إليها سلطات الاحتلال هي السيطرة على المنهاج الفلسطيني، وتم ذلك عبر طرق عدة، أحدها الدعم المالي المسموم، والابتزاز من سلطات الاحتلال للمدارس الخاصة بالذات ولبقية المدارس بنسب متفاوتة، ولا بد من الإشارة إلى أن بعض المدارس رفضت الدعم فحافظت إلى حد ما على المنهاج.

وأصبحت المدارس الخاصة التجارية مرغمة على تقبل توجيهات سلطات الاحتلال فيما يخص المنهاج الفلسطيني، وهذا بالتالي أدى إلى غياب الهوية الوطنية من المنهاج الذي يدرس على مقاعدها.

والأمر الآخر الخطير هو كي الوعي من خلال تلقين معلومات مغلوطة يريد الاحتلال تمريرها ويقدم نفسه من خلالها على أنه هو صاحب القانون والبلاد، وأن الفلسطينيين في مدينة القدس عبارة عن أقلية تحصل على حقوقها إذا احترمت قانون الدولة التي يعيشون فيها، وهذا أدى إلى فقدان البوصلة باتجاه العمل من أجل تحرر الشعب الفلسطيني والحفاظ على هوية القدس ودرتها المسجد الأقصى.

ما الذي يعنيه فرض المنهاج الإسرائيلي على الطلبة المقدسيين؟

لا شك أن فرض المنهاج الإسرائيلي (البجروت) أمر ذو دلالة ورمزية كبيرة، بمعنى أنه لطالما كان "التوجيهي" (نظام الثانوية العامة الفلسطيني) نقطة تحول بالنسبة للطالب الفلسطيني ينطلق منها للتعلم في الجامعات الفلسطينية لاستكمال بناء الهوية الوطنية والانتماء، من منطلق الواقع الذي يعيشه كإنسان يعاني من المحتل المجرم الذي يسيطر على كافة تفاصيل حياته.

وبالتالي من المهم أن يتعلم الفلسطيني في المدارس الفلسطينية منهاجه الذي يتطرق إلى معاناته وكل ما يؤثر على حياته، وبعد ذلك ينطلق إلى الجامعات الفلسطينية التي يطلع فيها أكثر على تفاصيل لم يدركها وهو يتعلم في المدارس الواقعة داخل مدينته، بدءا من الحواجز العسكرية التي سيضطر لاجتيازها، وتعليق الدوام لأسباب وطنية، بالإضافة لانتخابات مجلس الطلبة والاعتقالات واقتحام الجامعات من سلطات الاحتلال.

إعلان

وهذا كلّه يبني الشخصية والهوية الوطنية، إضافة للعلم الذي يختاره كل طالب. ولذلك حينما تفرض سلطات الاحتلال المنهاج الإسرائيلي الذي ينتهي بـ"البجروت" بدلا من "التوجيهي" فإن الطالب يفقد جزءاً مهما من هويته، وبدراسته في الجامعات الإسرائيلية فإن رحلة كي الوعي تستمر ويستمر معها فقدان الهوية والانتماء للوطن.

وأقول إننا كشعب فلسطيني في القدس لسنا بحاجة الآن إلى خريجي جامعات يمكنهم التعايش مع الاحتلال بقدر ما نحن بحاجة إلى طلبة وخريجين يستطيعون التخلص من الاحتلال والعمل على إنهاء هذا الظلم التاريخي الذي لا يمس فقط أهل مدينة القدس وإنما الفلسطينيين بشكل عام.

هل ترى أن هناك خطورة حقيقية من تراجع تدريس المنهاج الفلسطيني في القدس؟

بالتأكيد هناك خطورة حقيقية من تراجع تدريس المنهاج الفلسطيني في القدس، وأثّر هذا بشكل مباشر على منظومة القيم، إضافة لما ذكرته سابقا من تأثير على الهوية الوطنية والانتماء وعلى القدرة على التخلص من الاحتلال.

وأصبحنا ننتج طلبة -سواء مَن أكملوا الدراسة في الجامعات أو اكتفوا بالتعليم المدرسي- هدفهم هو التوجه لسوق العمل الإسرائيلي كعمال، رغم أنهم يعانون من العنصرية والاضطهاد وتدني رواتبهم كونهم فلسطينيين.

كيف تؤثر الظروف الاقتصادية والمعيشية الصعبة على قدرة العائلات على متابعة تعليم أبنائها؟

ساهمت الظروف الاقتصادية الصعبة أيضا في تردي حال التعليم في القدس، وهذا أدى إلى عزوف الكثير من الأهالي عن إرسال أبنائهم إلى المدارس الجيدة واضطروا إلى التوجه إلى مدارس أقل جودة ولا تهتم كثيرا بموضوع التربية والتعليم، وهذا أحدث إشكالية كبيرة مسّت بشكل مباشر منظومة القيم والأخلاق.

برأيك، ما المطلوب لحماية التعليم المقدسي من محاولات الأسرلة؟

يجب أن يعود التعليم إلى الأساس الذي كان عليه، وهنا نذكر عام 1967 حينما تم احتلال الشطر الشرقي من القدس، وكيف نهضت حينها كوكبة من مدرسي ومديري المدارس للوقوف في وجه سياسة سلطات الاحتلال الرامية للسيطرة على التعليم، وحينها أغرت بلدية الاحتلال ووزارة المعارف الإسرائيلية المعلمين والمديرين بالرواتب العالية، إلا أن الرد كان بأن الوطن أغلى وأن التدريس رسالة وليس مشروعا تجاريا.

والمطلوب الآن هو الاعتماد على قدراتنا الخاصة كمدارس تخدم الشعب الفلسطيني لا على ما تقدمه بلدية الاحتلال، وعلينا أيضا إغلاق باب الابتزاز ومنع أي تدخل بالمنهاج الفلسطيني.

ولتُغلق مدارسنا شهرا وشهرين وحتى عاما دراسيا كاملا فهذه ليست مشكلة، والأهم أن نفرض على الاحتلال أن يبتعد عن تعليمنا ومناهجنا وأن نحافظ على هويتنا، وهذا يتطلب التضحية.

ما نوع الدعم الذي تحتاجه القدس اليوم من العالمين العربي والإسلامي لضمان بقاء التعليم العربي الفلسطيني فيها؟

بالتأكيد القدس تحتاج أموالا كثيرة، وأحد المقترحات التي قُدمت وتطرح في أيامنا هذه أن تقوم الدول العربية والإسلامية بإنشاء مدارس توأمة لمدارس في دولها، تماما كما أُنشئت سابقا المدارس الكنسية التابعة لدول معينة، ولدينا في فلسطين العديد من المدارس التابعة لدول أجنبية.

ونستطيع تأسيس مدارس تقدم التعليم لأهل مدينة القدس لسدّ النقص في الغرف الصفيّة، لإجبار الاحتلال على التراجع عن تدخلاته في هذا القطاع.

إعلان

ونحتاج من العالمين العربي والإسلامي الحفاظ على الهوية الوطنية ومنظومة القيم والأخلاق في المجتمع المقدسي بشكل خاص، وهذا لا يقل أهمية عن الحفاظ على الأرض والمقدسات وأهلنا في غزة.

وأخيراً أقول إننا إذا أحسنّا بناء الإنسان فسنُحسن الحفاظ على المقدسات وبنائها وإبقائها آمنة.

0 تعليق