عاجل

ما حقيقة تغيير الأسر العراقية أولوياتها بعيدا عن تأمين الغذاء؟ - البطريق نيوز

0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

على مدى عقود، شكلت الأزمات الأمنية والاقتصادية في العراق تحديا كبيرا للعائلات، حيث كان تأمين الغذاء أولوية قصوى تستهلك جزءا كبيرا من دخلها.

كان الخوف من المستقبل يدفع الأسر إلى تخزين المواد الغذائية، مما يحد من قدرتهم على الإنفاق على الاحتياجات الأساسية الأخرى مثل الصحة والتعليم والسكن.

لكن المشهد اليوم قد تغير. ففي تحول اقتصادي واجتماعي لافت، أعلنت وزارة التخطيط العراقية عن تراجع ملحوظ في نسبة إنفاق الأسر على الغذاء، حيث انخفضت من أكثر من 60% إلى ما يقارب 30-32%.

هذا الانخفاض لا يعكس ارتفاعا في تكاليف المعيشة، بل يشير إلى حالة من الاطمئنان الاستهلاكي وثقة متزايدة بتوفر الغذاء بأسعار معقولة، بحسب المتحدث الرسمي باسم الوزارة عبد الزهرة الهنداوي.

وقال الهنداوي للجزيرة نت إن العقود الماضية شهدت اضطرار العائلات العراقية لتوجيه نسبة كبيرة من إنفاقها نحو تخزين الغذاء بسبب الأوضاع الأمنية المتقلبة، والتحديات الاقتصادية، وأخيرا جائحة كورونا. هذه الظروف دفعت الأسر إلى إعطاء الأولوية القصوى لتأمين متطلبات السلة الغذائية على حساب الاحتياجات الأخرى.

وأضاف أن المشهد قد تغير تماما الآن. فالأسرة العراقية لم تعد قلقة بشأن توفر الغذاء، بفضل السياسات الحكومية التي تضمن استمرار توفير المواد الغذائية عبر السلة التموينية، بالإضافة إلى وفرتها الدائمة في الأسواق بأسعار معقولة.

وأشار الهنداوي إلى أن هذا الاستقرار قد سمح للعائلات بتوجيه إنفاقها نحو متطلبات أخرى أصبحت أساسية، مثل الصحة والتعليم والسكن وحتى الترفيه، وهذا التحول يعكس تحسنا ملموسا في المستوى المعيشي.

وفي معرض حديثه عن الإجراءات الحكومية لضمان استمرارية هذا التحول الإيجابي، أكد الهنداوي أن الحكومة تعمل على جملة من السياسات الرامية إلى تأمين متطلبات الحياة بشكل مستمر، في مقدمتها ملف السكن، حيث تم وضع سياسات واسعة لفتح آفاق الاستثمار في هذا القطاع وإنشاء مدن سكنية متكاملة.

إعلان

كما أشار إلى دور الحكومة الفعال في مواجهة الأزمات العالمية والإقليمية، مثل التغيرات المناخية، وأزمة كورونا، والتحديات الاقتصادية، من خلال سياسات الحماية الاجتماعية، ودعم البطاقة التموينية، والإجراءات في قطاعي الصحة والتعليم، التي ساهمت بشكل كبير في حماية المجتمع من الآثار الحادة لهذه الأزمات.

احد اسواق العاصمة بغداد
على مدى عقود، شكلت الأزمات الأمنية والاقتصادية في العراق تحديا كبيرا للعائلات على صعيد تأمين الغذاء (الجزيرة)

 ارتفاع تكاليف المعيشة بالعراق

بالمقابل اعتبر الخبير في الشأن الاقتصادي، مصطفى أكرم حنتوش، أن تحول اهتمام وإنفاق الأسر العراقية من قطاع الغذاء إلى قطاعات أخرى، هو مؤشر سلبي يعكس ارتفاع التكاليف المعيشية وتأثيرها على الحركة الشرائية في الأسواق.

وقال حنتوش للجزيرة نت إن هذا التغير في نمط الإنفاق يدل على أن الأسر أصبحت مجبرة على تخصيص جزء أكبر من دخلها لتغطية تكاليف أساسية أخرى كانت في السابق أقل تكلفة أو مجانية ومن بينها:

ارتفاع أسعار السكن وأقساطه تزايد رسوم التعليم، خاصة في الكليات الأهلية والخاصة ارتفاع تكاليف فواتير الكهرباء والمولدات الأهلية.

وأضاف أن هذا الوضع أدى إلى انخفاض الإنفاق على السلع الغذائية والمطاعم والحلويات، مما تسبب في ضعف حركة الأسواق في قطاع الغذاء وتراجع إيراداته ومبيعاته، مشددا على أن هذه الحالة لا تُعتبر إيجابية بالنسبة للسوق، بل هي سلبية وتؤثر بشكل مباشر على ديناميكيته، خاصة أن هذه التكاليف الإضافية جاءت على عاتق المواطن دون أن يقابلها ارتفاع موازٍ في الدخل الشهري.

وأشار حنتوش إلى أن هذه الظاهرة تؤثر بشكل خاص على الأسر متوسطة الدخل، مما ينعكس سلبا على جميع جوانب حياتها اليومية، مؤكدا على أن معالجة هذا الخلل تتطلب زيادة إيرادات ودخل المواطن لتحقيق التوازن بين مختلف متطلبات الحياة اليومية للأسرة العراقية.

تحول أولويات الأسر العراقية

يقول إياد الجبوري (أبو أحمد)، وهو رجل في الخمسينيات من عمره، للجزيرة نت إن همهم الأكبر في الماضي كان تأمين قوت يومهم، خاصة في فترة الحصار الاقتصادي. حيث كانوا يدخرون الطعام خوفا من الأزمات، ولم تكن الكماليات تشغل بالهم.

وتابع: أما اليوم، فقد أصبح الطعام متوفرا وبأسعار معقولة، وتحول التركيز نحو أمور أكثر أهمية مثل تكاليف تعليم أبنائه الجامعي، وعلاج ابنته، وصيانة منزله.

ويوضح أبو أحمد أنه لم يعد يشتري الطعام بإسراف أو يرتاد المطاعم بشكل متكرر، ليس بخلا، بل لتوفير المال لتغطية هذه الاحتياجات الأساسية.

تحول في أولويات الأسر العراقية من تأمين الغذاء إلى الاستثمار في المستقبل
حسب عراقيين، أصبح الطعام متوفرا في العراق مما جعل الناس يوجهون إنفاقهم نحو أولويات أخرى (الجزيرة)

من جانبها، تقول أم علاء، وهي في الأربعينيات من عمرها، إن تقليل ميزانية الطعام لا يعني المساس بصحة الأسرة، موضحة أن السر يكمن في التخطيط.

وتذكر أنهم يشترون الأساسيات بكميات كبيرة عند توفر العروض، ويوجهون الأموال التي يوفرونها لتعليم أبنائهم وعلاجهم وصيانة منازلهم، مؤكدة على أهمية تحقيق التوازن والاستثمار في مستقبل العائلة.

تلبية الاحتياجات المتغيرة

أما الشاب خالد محمد، وهو في العشرينيات من عمره، فيرى أن السيارة لم تعد ترفا، بل ضرورة للتنقل إلى العمل وإنجاز المهام. ولتحقيق هدفه المتمثل في شراء سيارة، فإنه يتنازل أحيانا عن الوجبات خارج المنزل أو يبحث عن العروض الخاصة للملابس أو الطعام لتوفير المال.

إعلان

في حين ترى الموظفة هيفاء محمد أنها تساهم في مصاريف منزل عائلتها، لكنها في الوقت نفسه لا تبخل على نفسها وتشتري ما تحتاجه من ملابس وإكسسوارات، لأن ذلك يمنحها شعورا بالثقة والسعادة. وتؤكد أن تحقيق التوازن بين دعم العائلة وتلبية احتياجاتها الشخصية هو الأمر الصحيح.

من جهته، يلاحظ مرتضى حميد، وهو صاحب محل لبيع المواد الغذائية، خلال حديثه للجزيرة نت أن أغلب العائلات تبحث عن العروض والأسعار المخفضة، مما يدل على وعي كبير في الإنفاق وإدارة الأموال.

ويضيف أن المجتمع متنوع في مستويات الدخل، وكل شخص ينفق بحسب أولوياته وقدراته المالية، مما يفسر وجود زبائن يشترون الأطعمة الفاخرة والمستوردة.

0 تعليق