تحليل سياسي: كيف خسرت الولايات المتحدة نفوذها في الشرق الأوسط بسبب وعودها الجوفاء؟ - البطريق نيوز

0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف
تحليل "فورين أفيرز": كيف حوّلت واشنطن وعودها "الجوفاء" إلى أكاذيب وأفقدتها نفوذها بالشرق الأوسط؟

في تقرير نقدي عميق، رأت مجلة "فورين أفيرز" الأمريكية أن الولايات المتحدة كرّست على مدى عقود خطابًا دبلوماسيًا "أجوفًا" بشأن قدرتها على إحلال السلام والاستقرار في الشرق الأوسط، لكنها فشلت بشكل منهجي في تحقيق أي نتائج ملموسة، مما حوّل وعودها المتكررة إلى "أكاذيب مقصودة" أفقدتها مصداقيتها ونفوذها في المنطقة.


التقرير، الذي شارك في كتابته روبرت مالي، المسؤول الأمريكي السابق، وحسين آغا، يكشف عن أزمة مؤسسية عميقة في السياسة الخارجية الأمريكية، حيث أصبحت الفجوة بين التصريحات والأفعال هي السمة المميزة لتعامل واشنطن مع قضايا المنطقة.

من الأوهام المتكررة إلى الأكاذيب المقصودة

بحسب التقرير، لطالما أعلن المسؤولون الأمريكيون، وبشكل متكرر، عن قرب التوصل إلى وقف لإطلاق النار في غزة، وعن حرص واشنطن على حماية المدنيين الفلسطينيين، وإمكانية إبرام اتفاقات تاريخية.

إلا أن هذه التصريحات بقيت مجرد حبر على ورق، والأخطر من ذلك، وفقًا لمصادر مطلعة نقلت عنها المجلة، هو أن "المسؤولين الأمريكيين استمروا في تكرار وعودهم رغم علمهم بفشلها، وهو ما حوّل الأوهام المتكررة إلى أكاذيب مقصودة".

ويضرب التقرير مثالًا بإدارة الرئيس السابق جو بايدن التي أعلنت مرارًا التزامها بحل الدولتين ووقف العنف، رغم معرفتها المسبقة باستحالة تحقيق أي تقدم يُذكر.

هذه "الأكاذيب"، كما تصفها المجلة، لم تكن مجرد تفاؤل في غير محله، بل جزءًا من استراتيجية مستمرة لتغطية الفشل، لكنها أسهمت بشكل مباشر في انهيار مصداقية واشنطن.

سلسلة من الإخفاقات الاستخباراتية والسياسية

يؤكد التقرير أن الإدارات الأمريكية امتلكت المعلومات اللازمة لفهم الواقع المعقد في الشرق الأوسط، لكنها إما أخفقت في تفسيرها أو تعاملت معها بطريقة مغلوطة.

هذا النمط من الفشل تكرر بشكل لافت دون أي محاسبة حقيقية، بدءًا من:

تقديرات استخباراتية خاطئة حول مفاوضات كامب ديفيد عام 2000.

تجاهل تام لعلامات صعود حركة حماس وفوزها المفاجئ في الانتخابات الفلسطينية عام 2006.

المفاجآت المتتالية في أفغانستان وسوريا.

هذه السلسلة من الإخفاقات تُظهر عجزًا هيكليًا في فهم الديناميكيات المحلية والتعامل معها بفعالية.

تضارب السياسات الذي أضعف المصداقية

لا تقتصر الأزمة على الوعود الفارغة، بل تمتد إلى التناقض الصارخ في السياسات الأمريكية نفسها.

فالولايات المتحدة تبنّت مواقف متضاربة أضعفت موقفها الأخلاقي والسياسي، ومنها:

دعم الاحتلال عسكريًا دون أي شروط، وفي الوقت ذاته الإعلان عن الحرص على حماية المدنيين الفلسطينيين.

دعم عمليات المعارضة المسلحة في بعض الدول، بينما تدعم الأنظمة المستبدة في دول أخرى.

هذا التضارب، بحسب الخبراء الذين استند إليهم التقرير، جعل الأطراف الإقليمية تتصرف وفق مصالحها الخاصة، متجاهلةً تمامًا التصريحات والمواقف الأمريكية المتقلبة.

النتيجة: تآكل النفوذ الأمريكي

يوضح التقرير أن النتيجة الحتمية لهذه السياسات كانت تآكلًا خطيرًا في النفوذ الأمريكي.

فالقوى الإقليمية، سواء كانت حكومات أو فصائل مسلحة، لم تعد تأخذ التصريحات الأمريكية على محمل الجد.

وبدلًا من ذلك، بدأت تتصرف وفق حساباتها ومصالحها المباشرة، مدركة أن الضغوط والالتزامات الأمريكية لا تترجم إلى تغيير حقيقي على الأرض.

في النهاية، يخلص تقرير "فورين أفيرز" إلى أن مشكلة الولايات المتحدة في الشرق الأوسط ليست مجرد أخطاء فردية أو سوء تقدير عابر، بل هي أزمة مؤسسية عميقة، حيث أصبحت التصريحات الرسمية مجرد كلام لا يغير الواقع، مما يضع واشنطن في موقف هشّ وعاجز أمام تحديات المنطقة المتصاعدة.

0 تعليق