مراسلو الجزيرة نت
Published On 18/9/202518/9/2025
|آخر تحديث: 20:19 (توقيت مكة)آخر تحديث: 20:19 (توقيت مكة)
دمشق ـ مع الإعلان عن توقيع خارطة طريق لمعالجة الأزمة في الجنوب السوري، عاد الجدل حول قدرة هذه المبادرة على احتواء التوتر في محافظة السويداء التي تحولت مؤخرا إلى ساحة تجاذب داخلي وإقليمي، وسط محاولات لإيجاد توازن دقيق بين مصالح دمشق ومطالب القوى المحلية، وضغوط إقليمية ودولية متشابكة.
فقد اعتبر محللون تحدثوا للجزيرة نت أن الخارطة تحمل أبعادا تتجاوز الداخل السوري، إذ تعكس مسعى لقطع الطريق أمام أي تدخل إسرائيلي مباشر في الجنوب، وفي الوقت نفسه تستجيب لمخاوف الأردن الأمنية، بينما توفر للولايات المتحدة فرصة لتثبيت نفوذها عبر التنسيق مع شركاء إقليميين، من دون الانخراط في مواجهة مفتوحة.

حل إقليمي معقد
يرى الدكتور أحمد الكناني، الباحث السياسي والمحاضر في كلية الإعلام بجامعة دمشق، أن الخارطة تمثل في جوهرها "حلا إقليميا" لأزمة الجنوب السوري، خصوصا في السويداء، بعد محاولات بعض القوى المحلية الدفع نحو تدويل القضية والتعويل على تدخل إسرائيلي مباشر.
وأوضح الكناني، في حديث للجزيرة نت، أن دمشق تتحرك في هذه المرحلة بالتعاون مع الأردن الذي يمتلك نفوذا عشائريا واضحا في كل من السويداء ودرعا، بما يجعله وسيطا مقبولا، بينما تسعى الولايات المتحدة إلى لعب دور موازن لكبح الاندفاع الإسرائيلي.
وأضاف الكناني أن أحد أبرز أهداف الخارطة هو قطع الطريق أمام أي مطالب انفصالية في الجنوب، وتقليص الدور الإسرائيلي الذي سبق أن استهدف مواقع سيادية داخل دمشق، ومنها رئاسة الأركان. لكنه أشار إلى أن رفض اللجنة القانونية العليا في السويداء لمخرجات الخارطة يعكس وجود طرف إسرائيلي معطل يسعى لإفشال أي تسوية.
ورغم اعتقاده أن التوصل إلى نتائج ملموسة يبدو صعبا في المرحلة الحالية، فإن الكناني يرى أن مجرد طرح الخارطة يشير إلى رغبة إقليمية في احتواء الأزمة، وإن كانت المواقف المتصلبة داخل السويداء والتدخلات الخارجية تشكل عقبات أساسية أمام هذا الهدف.

خطوات لبناء الثقة
من جهته، أكد الكاتب والباحث في العلاقات الدولية فراس علاوي أن الإجراءات المتخذة في السويداء تدخل ضمن خطوات متدرجة لبناء الثقة بين الحكومة السورية والمجتمع المحلي.
إعلان
وأشار علاوي في حديث للجزيرة نت، إلى أن هذه الخطوات تشمل سحب السلاح الثقيل من المنطقة، وإشراك عناصر محلية موالية للحكومة في المنظومة الأمنية، إضافة إلى تسليم بعض المسؤوليات الأمنية لقيادات محلية، وإعادة تفعيل المؤسسات المدنية وفتح قنوات الدعم الاقتصادي والإغاثي.
وأوضح علاوي أن الهدف من هذه التدابير هو تمهيد الطريق لعودة تدريجية لمؤسسات الدولة، لكن نجاحها يظل مرهونا بالتوازنات السياسية والدعم الخارجي، فإتمام عملية نزع السلاح بشكل كامل على سبيل المثال قد يضعف بعض القوى المحلية ويعزز نفوذ دمشق، خاصة مع الدعم الأردني والأميركي المتوقع لهذه العملية.
وحذر من أن رفض بعض الفصائل المرتبطة بالمجلس العسكري وجماعة الهجري، إلى جانب الانتشار الواسع للسلاح بين المدنيين، قد يفتح الباب أمام عمليات إرهابية تزيد الوضع توترا.
ولفت إلى أن أي توافق سياسي لا يكفي وحده، بل يحتاج إلى دعم اقتصادي وخطة أمنية واضحة، مشيرا إلى أن إعادة تأهيل الجيش السوري وقوات الأمن على أسس قانونية وحقوقية ستكون ضرورية للتعامل مع خصوصية السويداء.
كما استبعد علاوي تحول المحافظة إلى ساحة صراع إقليمي مباشر، مرجعا ذلك إلى أن الوضع الداخلي في سوريا لا يحتمل مواجهات كبرى، رغم وجود دعم خارجي محدود لبعض الفصائل المحلية.
" frameborder="0">
مصالح متباينة
بدوره، أوضح الدكتور زكريا ملاحفجي، الأمين العام للحركة الوطنية السورية، أن خارطة الطريق الثلاثية تمثل محاولة لتنسيق جهود إقليمية ودولية لمعالجة أزمة الجنوب، خاصة في السويداء، لكنها لا تعكس إجماعا دوليا شاملا بقدر ما تعبر عن تفاهمات بين أطراف ذات مصالح متباينة.
وأشار إلى أن الأردن يسعى عبر هذه الخارطة إلى تأمين حدوده الجنوبية، بينما تحاول دمشق استعادة السيطرة بأقل الخسائر، في حين يقتصر الدور الأميركي على خطوة تكتيكية تهدف إلى احتواء التوترات وتأمين الأردن، دون أن تشكل تغييرا جذريا في سياسة واشنطن تجاه الملف السوري.
وأضاف ملاحفجي في حديث للجزيرة نت، أن مدى التزام دمشق بتنفيذ الخارطة سيعتمد على الظروف والمصالح الداخلية والخارجية، فهي قد تلتزم إذا وجدت أن الاتفاق يعزز سيطرتها ويخفف عنها الضغوط، خاصة مع وجود ضمانات أردنية وأميركية.
وأكد ملاحفجي أن خصوصية السويداء الديمغرافية والطائفية تمنحها أهمية سياسية استثنائية، مما قد يجعل الاتفاق خطوة نحو الاستقرار أو سببا في تعزيز نفوذ محلي مدعوم إقليميا، وفي كلتا الحالتين، يمكن أن تتحول السويداء إلى نموذج لتسويات مشابهة في مناطق أخرى إذا نجحت التجربة.
0 تعليق