موسكو- تواصل روسيا إجراء تعديلات على تشريعاتها المتعلقة بالهجرة وإدخال قوانين جديدة تهدف إلى تشديد الرقابة على إقامة المهاجرين وأنشطتهم.
وشهدت سياسة الهجرة في البلاد تغييرات خلال الأشهر الأخيرة، ولا سيما بعد إقرار مجلس الدوما (البرلمان) عدة مشاريع قوانين تهدف إلى مكافحة الهجرة غير النظامية وتحسين ظروف المهاجرين النظاميين.
وتقول السلطات الروسية إن هذه الإجراءات تعكس ضرورة ضمان الأمن وتبسيط إجراءات الهجرة في البلاد.

عقوبات مشددة
وتنص القوانين الجديدة على عقوبات أشدّ لمكافحة الهجرة غير النظامية وارتكاب الجرائم من قِبل الأفراد المقيمين بشكل غير نظامي في البلاد.
ومن ضمنها، مشروع قانون على سبيل المثال، ينصّ على أن منظّمي الهجرة غير النظامية قد يواجهون عقوبة السجن لمدة تتراوح بين 8 و15 عاما، بالإضافة إلى دفع غرامات كبيرة تصل إلى 5 ملايين روبل (أكثر من 60 ألف دولار)، وذلك تأكيدا على جدّية السلطات في مكافحة الجرائم المتعلقة بالهجرة غير النظامية.
وعلاوة على ذلك، يجري تشديد العقوبات على التسجيل الوهمي (سجلات الهجرة) وتزوير الوثائق، وتقترح مشاريع القوانين غرامات على الكيانات القانونية تصل إلى 10 ملايين روبل (نحو 121 ألف دولار).
وفي حالة تكرار المخالفات، يمكن أن تصل الغرامات إلى 60 مليون روبل مما يضع قيودا صارمة على تصرفات كل من الكيانات الخاصة والتجارية التي تُقدّم خدمات غير نظامية للمهاجرين.
وتُحظر مشاريع القوانين الجديدة تقديم خدمات الاتصالات للمواطنين الأجانب الذين لم يُثبتوا هويتهم بيومتريا (إلكترونيا) في مراكز الاتصالات.
رقمنة البيانات
وعُدِّلت إجراءات دخول الأجانب المعفيين من التأشيرة، بحيث بات يطلب منهم تقديم طلب عبر تطبيق خاص قبل 72 ساعة من رحلتهم، ويطلب من خلاله صورا للوثائق وعينة صوتية وتحديد هدف الزيارة.
إعلان
وبدأت السلطات المختصة العمل على إحلال الملفات الشخصية الرقمية محل الوثائق الورقية، مما يُبسِّط مراقبة وضع المهاجرين في البلاد، وفقا لها.
وفي وقت سابق، حدّثت الحكومة الروسية إجراءات الأجانب الذين يتقدمون لامتحانات اللغة الروسية كلغة أجنبية، والتاريخ الروسي وأساسيات التشريع الروسي.
وابتداء من مطلع العام القادم ستُجرى الاختبارات حصريا باستخدام تكنولوجيا الحاسوب، مما يسمح بتسجيل نتائج الامتحانات بموضوعية.
لكن سياسة الهجرة الجديدة في روسيا لقيت ردود فعل متباينة بين المختصين في مجالات القانون وعلم الاجتماع والاقتصاد.

مخاوف اجتماعية
ويؤيد الباحث بمعهد اللغويات والاتصالات الدولية بجامعة الأورال، ألكسندر شاماشنيكوف، السياسات الجديدة للسلطات تجاه المهاجرين، ويرى بأنها تمنع تشكل اقتصاد الظل وغيرها من العواقب السلبية على الاقتصاد والمجتمع.
وقال للجزيرة نت، إنه مع تزايد عدد المهاجرين، تتزايد الأخطار الاجتماعية والاقتصادية، كتطور القطاع غير الرسمي، موضحا بأن بعض أصحاب العمل يسعون إلى توفير الأموال والمصاريف، فيوظفون أجانب بدون تصاريح عمل أو بوثائق منتهية الصلاحية، مما يؤدي إلى التهرب الضريبي وخلق منافسة غير سوقية.
وحسب رأيه، فإن هذا لا ينتهك القانون فحسب، بل يقلل أيضا من جودة ظروف العمل، مما يخلق ظروفا للاستغلال والنزاعات، كما أن العواقب السلبية تشمل أيضا تدفق الأموال من البلاد، حيث يُرسل المهاجرون جزءا كبيرا من أرباحهم إلى بلدانهم، دون المشاركة في اقتصاد المنطقة المضيفة.
ويرى المتحدث أنه من الناحية الموضوعية، لا تحتاج البلاد إلى عائلات المهاجرين وليست ملزمة بتعليم أطفالهم، مؤكدا أن الإجراءات الجديدة تمنع نشوء "التخصصات العرقية"، حيث تصبح بعض المهن أو المجالات مرتبطة حصريا بأشخاص من بلدان محددة، مما يحد من المنافسة.
ويقول بأن الأهم من ذلك كله هو زيادة التوتر الاجتماعي، حيث ينظر بعض السكان المحليين إلى المهاجرين على أنهم تهديد لوظائفهم وأسلوب حياتهم التقليدي، فضلا عن خطر الانعزال، إذ أنه في بعض المناطق ذات التركيز العالي للمهاجرين، قد تنشأ مجتمعات منغلقة ذات اندماج ضعيف في المجتمع.

بين الاستيعاب والتعددية الثقافية
من ناحيتها، تعتبر الناشطة في حقوق الإنسان لاورا دافيدوفا، أنه لا يوجد دعم منهجي يُذكر للمهاجرين في روسيا، فالحكومة والمنظمات لا تُوليهم اهتماما كافيا، ولا توجد دورات لغة روسية مُيسّرة، ولا برامج تكيّف، ولا إرشادات حياتية مُبسّطة.
وحسب ما تقول للجزيرة نت، فإن الإجراءات المتخذة مؤخرا غير مسبوقة وتفتقر إلى المبررات الاقتصادية وغالبا ما تتعارض مع المنطق السليم، وبعضها يمسّ حقوق الإنسان.
وتضيف بأن التشديد الحاد الأخير في سياسة الهجرة في روسيا لم يكن نتيجة للهجوم "الإرهابي" على مجمع كروكس، بل استخدم كذريعة، بالنظر إلى الظروف المسبقة لتصاعد الخطاب المعادي للهجرة والتي كانت جلية.
إعلان
وأشارت إلى أنه بعد 6 أشهر فقط من الهجوم، لم تعد المبادرات الجديدة لتشديد سياسة الهجرة تربط بالهجوم حتى خطابيا، مضيفة أن الحكومة تحاول تحويل انتباه المجتمع الذي يعاني من ضغوط مختلفة بسبب الصعوبات الاقتصادية، ولطالما كان المهاجرون هدفا مناسبا لهذا الغرض.
وتشير في السياق إلى أن السلبيات لا تقتصر -على سبيل المثال- على منع الأطفال غير الناطقين بالروسية من الالتحاق بالمدارس، بل تشمل أيضا الحظر الفعلي على لمّ شمل الأسرة بين الأزواج الأجانب والمواطنين الروس.
وحسب قولها، فإن هذا يعني أنه في حالات الزواج بين المهاجرين والمواطنين، فيجب أن يكون قد مضى على الزواج 3 سنوات أو أن يكون لديه طفل بالفعل للحصول على تصريح إقامة مؤقتة.
وتختم بأن هذا الإجراء يتعارض مع المادة (38) من الدستور، التي تنص على أن الأسرة تحت حماية الدولة، وهذا يترك الزواج بين الروس والأجانب وحقهم في العيش معا دون حماية.
0 تعليق