ترامب يواجه البرازيل.. هل يشعل الاقتراب من الصين صداما قريبا؟ - البطريق نيوز

0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

مقدمة المترجم

في هذا المقال المنشور على فورين أفيرز، يُناقش أستاذ العلوم السياسية بجامعة برازيليا، حسين كالوت، الأزمة الدبلوماسية والتجارية المتصاعدة بين الإدارة الأميركية بقيادة ترامب، والبرازيل بقيادة لولا داسيلفا، وكيف تحوّلت البرازيل إلى الشراكة الاقتصادية مع الصين، وما تأثير تلك الشراكة على دور البرازيل واقتصادها؟

كما أن السؤال الذي يطرحه عدد من المحللين والمفكرين هو هل يهدف استخدام ترامب للرسوم الجمركية والعقوبات إلى انتزاع تنازلات في إطار مفاوضات تجارية جوهرية مع البرازيل، أم إلى إحداث تغييرات في النظام الحاكم؟

اقرأ أيضا

list of 2 items end of list

نص الترجمة

في أبريل/نيسان الماضي، عندما أعلن دونالد ترامب فرض رسومه الجمركية على عشرات الدول تحت شعار "يوم التحرير"، نجت البرازيل إلى حد كبير من الأثر المباشر لتلك الرسوم. فقد خضعت الصادرات البرازيلية إلى الولايات المتحدة لرسوم بنسبة 10% فقط، وهو المُعدل الأساسي، مُتجنِّبة الرسوم المُرهِقة التي فُرضت على سلع بعض حلفاء واشنطن.

غير أنه في أواخر يوليو/تموز، أعلن ترامب أن الصادرات البرازيلية ستواجه رسوما جمركية بنسبة 50%، وهي من أعلى المعدلات التي فرضتها الولايات المتحدة على مستوى العالم.

وقد أثار الإعلان احتمال اندلاع حرب تجارية بين واشنطن وأكبر اقتصاد في أميركا اللاتينية، كما كشف عن استعداد ترامب لاستخدام الرسوم الجمركية، ليس فقط لفرض اتفاقات تجارية أكثر فائدة أو لتحقيق توازن في العجز التجاري، بل أيضا كأداة للتأثير في السياسة الداخلية لدولة أجنبية.

عند إعلان المعدل الجديد، صرّح البيت الأبيض بأن "الاضطهاد والمضايقة والترهيب والرقابة والملاحقة السياسية التي يتعرّض لها الرئيس البرازيلي السابق جايير بولسونارو" -وهو حليف لترامب يخضع للمحاكمة بتهمة تدبير تمرّد بعد فشله في الفوز بولاية جديدة عام 2022- ترقى إلى مستوى "الانتهاكات الخطيرة لحقوق الإنسان التي تقوِض سيادة القانون في البرازيل".

إعلان

" frameborder="0">

وقد ألغت الولايات المتحدة تأشيرات 8 من أصل 11 قاضيا في المحكمة الفيدرالية البرازيلية العليا، وفرضت عقوبات اقتصادية بموجب "قانون ماغنيتسكي العالمي" على القاضي ألكسندر دي مورايش الذي يشرف على قضية بولسونارو. (وحُكم عليه بالسجن 26 يومًا في سبتمبر/أيلول)*

وتأتي هذه الإجراءات ردا على الدور المحوري للمحكمة في محاكمة بولسونارو وأنصاره بسبب مشاركتهم في محاولة انقلاب على السلطة بعد الانتخابات، وهي إجراءات تُشكّل هجوما علنيا على شرعية المؤسسات الديمقراطية في البرازيل. وقد رأت الحكومة البرازيلية في هذه الإجراءات، مقترنة بالرسوم الجمركية الجديدة، انتهاكا فاضحا لسيادتها ومحاولة مُتعمَّدة لإضعاف موقع الرئيس لولا داسيلفا -الذي هزم بولسونارو- قبل الانتخابات المقررة في أكتوبر/تشرين الأول 2026.

لقد قوّضت واشنطن مصداقيتها بوصفها شريكا موثوقا لشريك حافظت معه على أكثر من قرنين من التعاون الدبلوماسي والاقتصادي. وبدلا من أن تخدم هذه الإجراءات المصالح الأميركية (أو مصالح ترامب)، فإنها أثارت رد فعل عكسيا في البرازيل.

وتشير استطلاعات الرأي العام إلى أن غالبية البرازيليين لا يوافقون على خطوات ترامب، مما ساهم في تقويض الدعم الشعبي لبولسونارو، وإضعاف التماسك الأيديولوجي للكتلة الاقتصادية اليمينية في البرازيل، كما نفّرت شرائح من النخبة الاقتصادية.

ونتيجة لذلك، فإن قطاعات محافظة كانت في السابق متحمسة للتناغم مع واشنطن؛ باتت الآن أكثر ميلا لدعم استراتيجية الحكومة البرازيلية الرامية إلى تنويع الشراكات الاقتصادية وتقليل الاعتماد على واشنطن.

إذ كلما زادت محاولات الولايات المتحدة تقويض سيادة البرازيل وزعزعة مؤسساتها الديمقراطية، بما فيها الترويج الضمني لتغيير النظام، ازدادت المساحة الجيوسياسية التي تتيح للصين توسيع نفوذها الكبير أصلا في البلاد. فقد دأبت بكين على تعميق حضورها في البرازيل عبر استثمارات في مجالات حيوية، مثل الطاقة والزراعة والأمن الغذائي والدفاع والتكنولوجيا المتقدمة وصناعة السيارات والبرنامج الفضائي المشترك والبنية التحتية الاستراتيجية مثل الموانئ.

والأهم من ذلك أن الصين تبني مشروع سكة حديدية عابرة للقارة في البرازيل، لربط المحيط الأطلسي بالمحيط الهادئ. ولا تؤدي هذه التطورات إلى تقويض مكانة واشنطن في البرازيل فحسب، بل تُعيد أيضا تشكيل ميزان القوى الإقليمي على نطاق أوسع.

الرئيس البرازيلي لولا دا سيلفا (يمين) والرئيس الصيني شي جين بينغ يشاركان في مراسم توقيع اتفاقيات ثنائية في برازيليا، البرازيل، 20 نوفمبر/تشرين الأول 2024 (رويترز)

بالنسبة لكثير من صُنّاع القرار في البرازيل، يُعد هذا الوضع مرفوضا لأنه يُبطئ ظهور نظام عالمي مُتعدد الأقطاب، وهو أمر يتطلعون إليه بشدة. إذ وفي الوقت الذي تسعى فيه البرازيل لتقوية روابطها مع ما يُسمى الجنوب العالمي؛ فإنها تجد نفسها مدفوعة إلى خيار ثنائي: إما الاصطفاف الكامل مع واشنطن، أو مع بكين. وأمام التهديدات الأميركية المتزايدة، قد تخلص برازيليا في نهاية المطاف إلى أن خياراتها محدودة أكثر بكثير مما كانت تتوقع.

شراكة زمن خالٍ من الصعاب

على مدى عقود، استندت العلاقة الإيجابية والمنتجة بين البرازيل والولايات المتحدة إلى مصالح مشتركة وثقة متبادلة، مما أسهم في ترسيخ الاستقرار الإقليمي. فمثلا، في أثناء الحرب العالمية الثانية، اصطفّت البرازيل إلى جانب الولايات المتحدة وسمحت لها بإنشاء قواعد جوية في شمال شرق البلاد مقابل مساعدات اقتصادية وتنمية صناعية، مما شكّل لحظة تأسيسية في استراتيجية الدفاع في نصف الكرة الغربي.

إعلان

مؤخرا، شهدت العلاقات البرازيلية الأميركية تعاونا مكثفا في مجال الأمن الإقليمي ومكافحة تجارة المخدرات غير المشروعة، لا سيما عبر آليات مثل اتفاق التعاون الدفاعي الأميركي البرازيلي لعام 2010، الذي عمَّق الروابط المؤسسية بين القوات العسكرية والأمنية في البلدين.

واليوم، يَعكِس حجم التجارة الثنائية عُمق هذه الشراكة وعدم توازنها في الوقت نفسه، إذ يُظهر الفائض التجاري الذي حققته الولايات المتحدة مع البرازيل والبالغ نحو 415 مليار دولار طيلة 15 عاما؛ مدى التفوق البنيوي لواشنطن.

ليس معنى ذلك أن العلاقات خلت من التباينات أو التوتر، خصوصا حين سعت البرازيل إلى انتهاج سياسة خارجية أكثر استقلالية، فقد اصطدم دورها القيادي في إطار الجنوب العالمي بأولويات واشنطن مرارا وتكرارا، وبالأخص أثناء الولاية الأولى للرئيس لولا داسيلفا (2003-2011)، وفي عهد خليفته ديلما روسيف (2011-2016).

وقد رأت الولايات المتحدة آنذاك عددا من التباينات الاستراتيجية: معارضة البرازيل الصريحة لغزو العراق عام 2003، ودورها المركزي في تأسيس مجموعة "بريكس" عام 2009 (تكتل حكومي دولي تعاظم نفوذه عالميا منذ ذلك الحين)، ومبادرتها المشتركة مع تركيا عام 2010 للتوسط في إبرام اتفاق نووي مع إيران، والذي همّشته إدارة أوباما في نهاية المطاف مُفضِّلةً المفاوضات مع الدول الخمس الدائمة في مجلس الأمن إلى جانب ألمانيا.

أما في الآونة الأخيرة، فقد أبدت واشنطن قلقا متزايدا إزاء تعميق علاقات البرازيل مع الصين، وهو مسار تسارع منذ هزيمة بولسونارو.

في القلب من عملية إعادة تعريف السياسة الخارجية البرازيلية الراهنة، يَكمُن اقتناعٌ بأن النظام الدولي الذي قادته الولايات المتحدة منذ الحرب العالمية الثانية يعيش حالة تراجع. فقد باتت برازيليا ترى صعود عالم متعدد الأقطاب بوصفه ضرورة وفرصة في آن واحد، على أن تقود هذا العالمَ متعدد الأقطاب مجموعة من القوى الكبرى مدعومة بتزايد حضور الجنوب العالمي.

وفي إطار هذا التصور، تطمح البرازيل إلى الإسهام في توجيه مسار الحوكمة والتنمية على مستوى العالم، وهذا ما يفسر سعيها إلى بناء شراكات استراتيجية مع دول تقع خارج المدار الأميركي والغربي التقليدي، واهتمامها المتزايد بالتعاون المباشر بين دول الجنوب العالمي.

وتتقدم البرازيل في هذا المجال أساسا عبر تكتل "بريكس"، الذي أصبح عنصرا بنيويا مهمًّا في سياستها الخارجية. حتى المشككون البرازيليون السابقون في جدوى هذا التكتل باتوا ينظرون إليه اليوم بوصفه منصة لا غنى عنها لخدمة المصالح الوطنية.

" frameborder="0">

وقد أتاح إطار "بريكس" للبرازيل، على سبيل المثال، التعاون الأمني المشترك مع الهند، وإنشاء "بنك التنمية الجديد" المُخصّص لتمويل مشاريع البنية التحتية والتنمية في البرازيل والأسواق الناشئة، فضلا عن تنسيق جهود تقليص اعتماد أعضائه على الدولار الأميركي.

ومع ذلك، لا تنوي البرازيل إدارة ظهرها للولايات المتحدة، فقد وضعت الدولتان تاريخيا الأولويات نفسها في العديد من الملفات، بما فيها استقرار المنطقة. ولا يزال لولا داسيلفا، الزعيم السياسي الأبرز في أميركا اللاتينية، منفتحا على استئناف المفاوضات التجارية مع واشنطن.

غير أن أسلوب ترامب قد يَحول دون التقاء الطرفين على أرضية مشتركة، فالرئيس لولا -البراغماتي الدبلوماسي- أظهر تاريخيا استعدادا لتقديم تنازلات إذا جرت المباحثات بروح حسن النية وعلى أساس الاحترام المتبادل. أما الإكراه والدبلوماسية التبادلية الضيقة أو الإملاءات الأحادية، وهي سمات مميزة لسياسة ترامب الخارجية، فقد كان أقل تجاوبا معها.

تصبح مسائل السيادة أكثر حِدة عندما ترفض البرازيل التوافق مع أولويات واشنطن الاستراتيجية، سواء في ملف الهجرة، أو الدبلوماسية المناخية أو التجارة الزراعية أو الشؤون التجارية أو إصلاحات الحوكمة الدولية. بالنسبة للبرازيل، فإن إظهار هوية دولية مستقلة أمر أساسي لطموحها في القيادة ضمن العالم الجنوبي.

إعلان

ومع ذلك، فإن هذا الطموح يتعرّض لاختبارات متزايدة بفعل واقع النظام متعدد الأقطاب: فمع تنافس المزيد من القوى الكبرى على النفوذ، يتعيّن على البرازيل التنقّل ضمن مساحة ضيقة بين الحفاظ على استقلاليتها، واستمرار التعاون مع الولايات المتحدة، وتجنُّب الاعتماد المفرط على أي شريك وحيد، سواء كان الصين أو غيرها. إن السيولة التي يتميز بها النظام الناشئ تجعل من تحقيق هذا التوازن أكثر إلحاحا وصعوبة في آنٍ واحد.

انزلاق سريع نحو الصدام

يبدو الآن أن الولايات المتحدة حريصة على استعراض قوتها غير المتماثلة مع شركائها. والسؤال المركزي هو: هل يهدف استخدام ترامب للرسوم الجمركية والعقوبات إلى انتزاع تنازلات في إطار مفاوضات تجارية جوهرية مع البرازيل، أم – ببساطة- إلى إحداث تغييرات في النظام الحاكم؟ وتشي الإشارات القادمة من البيت الأبيض إلى الاحتمال الأخير، وكذلك الواقع المتعلق بالفائض التجاري للولايات المتحدة مع البرازيل، الذي يُفترض أن يكون قد أعفى البرازيل من هذه الرسوم الجمركية القاسية.

تنظر الدائرة المقربة من ترامب إلى البرازيل على أنها تشكل تهديدا للهيمنة الأميركية في أميركا اللاتينية بسبب توسيع شراكتها مع الصين، وتزداد تلك النظرة يوما بعد يوم.

Brazil's President Luiz Inacio Lula da Silva smiles during a ceremony to announce the start of payments under the Income Transfer Program for farmers and fishermen, in Linhares, Espirito Santo state, Brazil July 11, 2025. Ricardo Stuckert/Brazilian Presidency/Handout via REUTERS THIS IMAGE HAS BEEN SUPPLIED BY A THIRD PARTY. MANDATORY CREDIT. NO RESALES. NO ARCHIVES
بالنسبة لترامب، يمثل لولا داسيلفا شريكا غير موثوق، فهو مستقل أكثر من اللازم، ومدفوع بجدية نحو التعاون مع دول الجنوب العالمي (رويترز)

ويعتقد الكثيرون في برازيليا -وحتى أقرب الدوائر المحيطة بالرئيس لولا- أن الضغوط الأميركية تهدف إلى إمالة التوازن السياسي الداخلي في البرازيل لصالح المعارضة، على أمل أن تُعيد أي حكومة محافظة مستقبلية توجيه البرازيل بِحزمٍ نحو جدول أعمال الولايات المتحدة بشأن الصين والأمن الإقليمي والتجارة.

بالنسبة لترامب، يمثل لولا شريكا غير موثوق، فهو مستقل أكثر من اللازم، ومدفوع بجدية نحو التعاون مع دول الجنوب العالمي، ومتردد جدا في الالتزام بالأولويات الاستراتيجية الأميركية. أما بولسونارو، الذي يبدو مستعدا تماما لتقديم تنازلات غير محدودة للبيت الأبيض، فيُنظَر إليه كبديل مثالي.

لكن من المرجح أن تأتي استراتيجية ترامب بنتيجة عكسية، إذ تشير استطلاعات الرأي حتى الآن إلى أن لولا استفاد من تأثير "الاصطفاف حول الوطن" الذي يُلاحظ عادة في الدول التي تُفرض عليها عقوبات خارجية.

علاوة على ذلك، من غير المرجح أن تقوم أي حكومة يمينية مستقبلية في البرازيل بتحويل السياسة الخارجية للبلاد جذريا نحو الولايات المتحدة، فقد أصبحت العلاقة الاقتصادية للبرازيل مع الصين الآن هيكلية، وحتى دوائر الأعمال الزراعية في قلب البرازيل، التي كانت منذ زمن طويل معقل بولسونارو، تدرك أن البرازيل لا يمكنها ببساطة الانفصال عن الصين.

لذلك فقد أخطأ ترامب في قراءة المشهد السياسي البرازيلي بافتراض أن الضغوط الخارجية ستُضعِف لولا، متجاهلا مدى اعتماد البرازيل الاقتصادي على الصين، وواقعية الناخبين التي تُقيّد أي إعادة توجيه حادة للسياسة الخارجية لصالح واشنطن.

من الممكن أن يتلاشى تأثير الاصطفاف الوطني مع مرور الوقت، لكن بالنظر إلى أن البرازيل أصبحت أقل اعتمادا على الولايات المتحدة اليوم مما كانت عليه قبل 30 عاما، فقد تتمكن الحكومة من تخفيف أثر حملة الضغط التي تمارسها واشنطن والوصول إلى انتخابات أكتوبر 2026 باقتصاد قوي نسبيا، وهو نتيجة تكاد تضمن إعادة انتخاب لولا.

ولكي تدفع الولايات المتحدة البرازيل حقا إلى الخضوع، سيكون عليها فرض عقوبات صارمة على النظام المالي البرازيلي. ومع ذلك، فإن مثل هذه الإجراءات ستؤدي -على الأرجح- إلى زيادة الدعم السياسي للرئيس لولا. يبدو إذن أن ترامب، فيما يخص البرازيل، قد وقع في فخ صنعه بنفسه.

لقد كانت العقوبات المفروضة في يوليو/تموز الماضي على أعضاء المحكمة الفيدرالية العليا في البلاد مثيرة للجدل. فباستثناء أنصار بولسونارو الأساسيين وقلة من حُكام المحافظات، انتقدت كل القوى السياسية الكبرى في البرازيل هذه الخطوة بشدة.

وتعتبر هذه الفئات أن العقوبات والرسوم الجمركية أدوات قانونية أسيء استغلالها لأغراض جيوسياسية، وتراها إساءة مباشرة لنزاهة الديمقراطية البرازيلية، كما أن محاولة ترامب إعادة تأهيل بولسونارو تتعارض أيضا مع المشاعر السياسية السائدة في البرازيل.

لقد صُنِّف بولسونارو وابنه إدواردو، الذي نشط في الضغط على بلاده في واشنطن، على أنهما خائنان من قِبل أنصار لولا. وحتى بعض الأحزاب اليمينية ابتعدت بحذر عن الرئيس السابق سيئ السمعة الآن.

إعلان

علاوة على ذلك، أصبحت القطاعات الرئيسية التي كانت تُشكّل يوما ما العمود الفقري للتحالف المحافظ في البرازيل، بما يشمل قطاع الأعمال الزراعية والطاقة والصناعات العسكرية والتصنيع؛ أكثر استياء من تدخل ترامب في السياسة الداخلية للبلاد ومن سياساته التجارية الحمائية، التي أضعفت تنافسية صادراتهم ووصولهم إلى سلاسل الإمداد.

رغم بقاء مجالات مُحتملة للتعاون بين برازيليا وواشنطن، فإن الأجندات السياسية للولا داسيلفا وترامب متعارضة جوهريا، وأي تقارب من المُرجّح ألا يتحقق قبل انتخابات البرازيل لعام 2026.

ولدى لولا دوافع قليلة للامتثال للضغوط الاقتصادية والقانونية من واشنطن. أما التراجع عن موقفه فيُقوّض روايته في الدفاع عن السيادة الوطنية ويُكلفه رأس مال سياسي، لا سيما بين الدوائر التقدمية والقومية التي تشكل قاعدة دعمه الأساسية.

في الواقع، تسمح مقاومة الضغوط الأميركية للولا بمواصلة تعزيز شعبيته الداخلية وترسيخ دور البرازيل القيادي في العالم الجنوبي. وحتى إذا قدمت البرازيل تنازلات استراتيجية، مثل منح الولايات المتحدة اتفاقيات الوصول إلى المعادن النادرة، فهناك أدلة قليلة على أن واشنطن ستتراجع.

" frameborder="0">

من جهتها، أطلقت البرازيل عملية رد فعل رسمية تستند إلى قانون المعاملة الاقتصادية بالمثل، وهو قانون جديد أقرّته مؤخرا. وقد فوَض لولا سلطة التجارة في البلاد "كامكس" (CAMEX)، لتقييم الإجراءات الأميركية، وبعد ذلك ستنظر الحكومة في فرض رسوم جمركية متبادلة من جانب واحد، ولدى "كامكس" وقت حتى أواخر سبتمبر/أيلول لتقديم نتائج تقييمها.

بالإضافة إلى ذلك، تتخذ البرازيل خطوات للتخفيف من تأثير حملة الضغط التي يمارسها ترامب -مثلا- بشراء السلع المحلية المستهدفة بالرسوم الأميركية مثل الأساي، وماء جوز الهند، والعسل، لاستخدامها في برامج الغذاء أو الاحتياطيات الوطنية.

في الوقت نفسه، أشار وزير المالية فرناندو حداد، الذي انتقد تسييس التجارة عبر استخدام الدولار الأميركي، إلى أن البرازيل قد تطعن في هذه الرسوم الجمركية عبر المحاكم الأميركية، كما سعت إلى تعزيز شراكاتها التجارية الأخرى.

ومؤخرا، أعلن وزير التجارة الكندي في زيارة رسمية إلى برازيليا أن بلاده تُخطِّط لتوقيع اتفاق ثنائي مع "ميركوسور"، كتلة التجارة في أميركا الجنوبية التي تُعد البرازيل عضوا فيها.

برازيليا.. صلات جديدة

يُقوّض نهج ترامب النفوذ الناعم والشرعية العالمية للولايات المتحدة، بينما يمنح خصومها -بمن فيهم الصين- قوة أكبر عبر إضعاف الهياكل التي كانت تدعم هيمنة الولايات المتحدة سابقا.

بعبارة أخرى، يُسرِّع ترامب من صعود النظام متعدد الأقطاب الذي ترغب البرازيل في المساعدة على تسيير دفّته. وعندما تشهد النخبة الدبلوماسية البرازيلية الموقف العدائي لترامب تجاه حلفاء الولايات المتحدة التقليديين الآخرين -بمن فيهم أستراليا وكندا واليابان وأوروبا- فإن ذلك يُعزّز الانطباع بأن واشنطن لا تستطيع تقديم شراكة قابلة للاستمرار للبرازيل على المدى المتوسط.

في الواقع، هناك توافق متزايد داخل الدوائر الدبلوماسية في البلاد على أن الولايات المتحدة قد تظل شريكا غير موثوق حتى بعد انتهاء فترة ترامب عام 2029، بل وربما حتى العقد التالي أو أبعد من ذلك.

نتيجة لذلك، من المؤكد تقريبا أن علاقة البرازيل مع الصين ستزداد قوة، إذ تسعى الحكومة البرازيلية بنشاط إلى تنويع أسواق تصدير البلاد. وردا على الرسوم الجمركية الأميركية على البضائع البرازيلية، أعلنت الصين نيتها توسيع وارداتها من السلع البرازيلية الأساسية مثل القهوة واللحوم والحبوب، بما يشير إلى إعادة ترتيب استراتيجية في العلاقات التجارية.

وترى شريحة متزايدة من القيادة اليمينية في البرازيل الآن أن الصين شريك اقتصادي طويل الأمد أكثر استقرارا وبراغماتية من الولايات المتحدة. ويشاركهم في هذا التصور القطاع الخاص البرازيلي الذي يمارس ضغوطا متزايدة على الحكومة لمنح الشركات الصينية وصولا أكبر إلى السوق البرازيلية.

الأهم من ذلك، أن السياسة الخارجية للبرازيل تجنَّبت باستمرار تبني موقف صريح معادٍ للولايات المتحدة أو للغرب، بل فضّلت نهجا دبلوماسيا مُتعدد الاتجاهات، يرتكز على مبادئ الاستقلالية والبراغماتية والانخراط البنّاء مع مجموعة متنوعة من الفاعلين العالميين.

بالنسبة لبرازيليا، تُعد بكين شريكا استراتيجيا لا غنى عنه، لكن واشنطن -حتى بعد عدوانيتها الأخيرة- تبقى قوة عالمية لا يمكن الاستغناء عنها. لهذا، لم تجد البرازيل فكرة الاختيار بين بكين وواشنطن عملية أو مرغوبة. ولكن موقف المواجهة والإكراه الذي تبنته إدارة ترامب بشكل متزايد هزّ حسابات البرازيل الدبلوماسية وسرَّع ميلها الجيوسياسي نحو بكين.

لو أصبح هذا التحالف دائما، ستكون آثاره بعيدة المدى. فاقتصاديًّا، سيُرسِّخ تعميق الروابط التجارية والاستثمارية مكانة الصين بوصفها شريكا خارجيًّا رئيسيًّا للبرازيل، ويُدمج الشركات الصينية بقوة في القطاعات الاستراتيجية.

وجيوسياسيًّا، سيجعل من الصعب على البرازيل أن تكون جسرا بين دول الجنوب العالمي والدول الغربية، مما يحدّ من طموحاتها في عالم متعدد الأقطاب ويضيق من مرونتها الدبلوماسية.

وقد أصبحت هذه السيناريوهات جزءا من النقاشات السياسية قبيل انتخابات 2026، حيث يحذر المعارضون من "الاعتماد المفرط" على الصين، بينما يبرز حلفاء الحكومة التنويع على أنه ضروري للدفاع عن السيادة الوطنية في عصر التنافس بين القوى الكبرى.

ومع ذلك، قد يصبح تنفيذ هذا التنويع أكثر صعوبة، إذ إن العدوان المستمر من ترامب قد يضع صانعي السياسات البرازيليين في موقف لا يُحسَدون عليه، ويشعرون فيه بأنهم مجبرون على الاختيار.

 

_______________________
هذا المقال مترجم عن فورين أفيرز ولا يعبر بالضرورة عن موقف شبكة الجزيرة التحريري

0 تعليق