في إحدى المرات أجبت على اتصال من صديقتي واستمرت المكالمة نصف ساعة، ساعدتها خلالها بكتابة مقال كامل لمحاضرة جامعية... واكتشفت في اليوم التالي أنني فعلت كل ذلك وأنا نائمة تماماً". هذه التجربة الغريبة التي روتها رؤى (اسم مستعار)، هي مثال صارخ على ظاهرة "الكلام أثناء النوم" (Somniloquy)، وهي حالة شائعة ومحيرة تثير العديد من التساؤلات: ما هي أسبابها؟ هل هي مؤشر على مشكلة صحية خطيرة؟ وكيف يمكن التعامل معها؟
"حوارات ليلية في اللاوعي": ما هو الكلام أثناء النوم؟
يُصنف الكلام أثناء النوم علمياً على أنه نوع من "الباراسومنيا" (Parasomnia)، وهي مجموعة من اضطرابات النوم التي تشمل سلوكيات غير طبيعية تحدث أثناء النوم، مثل المشي أو الكوابيس. وهذه الظاهرة لا تحدث بإرادة الشخص، وغالباً لا يتذكر المصاب بها أي شيء مما قاله عند استيقاظه.
ويمكن أن يتراوح الكلام من التمتمة والهمهمة بكلمات غير مفهومة، كما يحدث مع كثيرين، إلى إجراء حوارات كاملة ومنطقية، كما في حالة رؤى، ويعتمد وضوح الكلام على مرحلة النوم التي يحدث فيها.
الأسباب الشائعة: هل السبب هو التوتر أم الجينات؟
يؤكد خبراء طب النوم أنه لا يوجد سبب واحد محدد للكلام أثناء النوم، لكنه غالباً ما يرتبط بمجموعة من العوامل المحفزة، أبرزها:
التوتر والقلق: الضغوط النفسية والإجهاد اليومي هي من أكثر المحفزات شيوعاً.
الحرمان من النوم: عدم الحصول على قسط كافٍ من الراحة يمكن أن يؤدي إلى ظهور سلوكيات نوم غير طبيعية.
الحمى والمرض: ارتفاع درجة حرارة الجسم يمكن أن يسبب هذياناً وكلاماً أثناء النوم.
عوامل وراثية: تميل الظاهرة إلى الانتشار في عائلات معينة، مما يشير إلى وجود استعداد جيني.
الاكتئاب أو اضطرابات نفسية أخرى.
متى يصبح الكلام أثناء النوم مؤشراً خطيراً؟
في الغالبية العظمى من الحالات، يعتبر الكلام أثناء النوم ظاهرة حميدة وغير ضارة، ولا يشير إلى وجود أي مشكلة صحية خطيرة.
لكن، ينصح الأطباء باستشارة مختص في طب النوم في حالات محددة، مثل:
إذا كان الكلام أثناء النوم عنيفاً جداً أو مصحوباً بحركة جسدية عنيفة (قد يكون مؤشراً على اضطراب حركة العين السريعة السلوكي).
إذا كان يترافق مع انقطاع في التنفس أو شخير عالٍ جداً (قد يكون مرتبطاً بانقطاع النفس النومي).
إذا بدأ فجأة في سن متقدمة دون أي تاريخ سابق.
إذا كان يسبب إزعاجاً شديداً للشخص أو لشريكه في الغرفة ويعيق الحصول على نوم مريح.
نصائح الخبراء: "نظافة النوم" هي الحل
لا يوجد علاج دوائي مخصص للكلام أثناء النوم، لأنها ليست مرضاً بحد ذاتها. العلاج يتركز بشكل أساسي على معالجة المسببات وتحسين ما يُعرف بـ "نظافة النوم" (Sleep Hygiene). وتشمل أهم النصائح:
الالتزام بجدول نوم منتظم: الذهاب إلى الفراش والاستيقاظ في نفس الموعد يومياً، حتى في عطلات نهاية الأسبوع.
خلق بيئة نوم مريحة: التأكد من أن غرفة النوم هادئة، مظلمة، وذات درجة حرارة معتدلة.
تجنب المنبهات: الامتناع عن تناول الكافيين والكحول قبل ساعات من موعد النوم.
الاسترخاء قبل النوم: ممارسة طقوس مهدئة مثل القراءة، أخذ حمام دافئ، أو الاستماع إلى موسيقى هادئة.
إدارة التوتر: ممارسة تقنيات إدارة الإجهاد مثل اليوغا، التأمل، أو التمارين الرياضية بانتظام.
ويؤكد الدكتور أيمن رشدي، استشاري طب النوم، أن "المفتاح هو النظر إلى الكلام أثناء النوم كعارض وليس كمرض. من خلال تحسين نظافة النوم وإدارة التوتر، تختفي معظم الحالات من تلقاء نفسها. لكننا نحث أي شخص يعاني من الأعراض المقلقة على عدم التردد في استشارة الطبيب، لاستبعاد أي اضطرابات نوم أخرى قد تكون هي السبب الحقيقي".
0 تعليق