غزة- يتهدد الخطر المستشفيات العاملة في جنوب قطاع غزة، بما فيها الميدانية، في ظل موجة نزوح كبيرة من مدينة غزة وشمالي القطاع، من شأنها أن تزيد حجم الضغوط على هذه المستشفيات "شبه المنهارة"، نتيجة القيود الإسرائيلية على الإمدادات الطبية.
ويواجه مستشفى الكويت التخصصي "شفاء فلسطين" أزمة حادة، اضطرته -الخميس الماضي- إلى وقف كافة العمليات الجراحية المجدولة، والاكتفاء بإجراء عمليات إنقاذ الحياة فقط.
ويأتي ذلك نتيجة النقص الحاد والمتواصل في الأدوية والمستهلكات الطبية، فضلا عن الأجهزة والمعدات التي تهالكت على مدى العامين الماضيين، إضافة إلى العجز الكبير في المستلزمات الطبية الأساسية، التي تشمل أدوية التخدير والمحاليل الطبية ومواد ومستلزمات التعقيم والأدوات الجراحية الضرورية.
ويقول رئيس مجلس إدارة المستشفى الدكتور صهيب الهمص إن المستشفيات الحكومية والميدانية جنوبي القطاع تعاني بالأساس من عدم القدرة على استيعاب الأعداد الهائلة من السكان والنازحين، وسيزداد عليها الضغط مع إجبار الاحتلال سكان مدينة غزة والنازحين فيها على النزوح جنوبا.
ورد الهمص في حديثه للجزيرة نت على المزاعم الإسرائيلية بشأن المناطق الآمنة في جنوب القطاع، مشددا على أن "لا مساحات إنسانية أو آمنة، وكلها مكتظة وخطرة، ولا تتوفر فيها مرافق ولا خدمات، والمستشفيات المتبقية تعمل في ظروف بالغة التعقيد ومهددة بالخروج عن الخدمة".

أزمة عمليات جراحية
ويأتي الإجراء القسري لمستشفى الكويت التخصصي، بوقف العمليات الجراحية المجدولة، في ظل اشتداد وتيرة الحرب التي توشك على دخول عامها الثالث على التوالي في الـ7 من أكتوبر/تشرين الأول المقبل، وتزامنا مع حصار مشدد وإغلاق للمعابر وقيود إسرائيلية على إدخال الإمدادات الإنسانية والطبية.
إعلان
وبحسب الهمص فإن المستشفى لم يتلق أي مساعدات طبية كافية لتلبية الاحتياجات المتزايدة، منذ استئناف الحرب في 18 مارس/آذار الماضي.
وللتغلب على ذلك، اضطرت إدارة المستشفى لشراء المتوفر من مستلزمات ومواد طبية من السوق المحلية بقيمة تزيد على مليون دولار، وبحسب الهمص فإن السوق حاليا فارغة تماما ولا يتوفر فيها ما تستكمل به النواقص الهائلة التي يحتاجها المستشفى، وما تبقى من مستشفيات عاملة في القطاع.
ويمس قرار مستشفى الكويت المتضمن وقف العمليات الجراحية المجدولة بالحالة الصحية لآلاف المرضى، ويوضح الهمص أن المستشفى كان يجري يوميا 40 عملية جراحية مجدولة، وفي مختلف التخصصات، مشيرا إلى أن قائمة الانتظار لمرضى يحتاجون لعمليات جراحية مغلقة لـ6 شهور مقبلة.
ويحرم القرار آلاف المرضى والجرحى من تلقي الخدمات الطبية النوعية التي يقدمها المستشفى طوال فترة الحرب، وهذا يفاقم المأساة الصحية والإنسانية جنوبي القطاع، ويهدد بانهيار شامل للمنظومة الصحية، لا سيما في ظل تكدس النازحين وارتفاع نسب الإصابات المعقّدة.
حصار خانق
ويعتبر مستشفى الكويت التخصصي، أكبر المستشفيات الميدانية العاملة على مستوى القطاع من حيث المساحة وتنوع الخدمات الطبية.
وقبل 3 أسابيع اضطرت إدارته إلى وقف خدمة الغيار على الجروح، ويبرر الهمص ذلك بعدم توفر الشاش الطبي والمواد المطهرة، وجراء ذلك ارتفعت نسبة التهابات ما بعد العمليات الجراحية.
وباستهجان شديد يتحدث الهمص عن مواد بسيطة كالشاش والمطهرات لا تتوفر في المستشفيات وتجبرها على وقف خدمات أساسية، ويقول إنه اتصل بمستشفيات ميدانية تتبع لمؤسسات دولية طلبا للمساعدة، وفوجئ بأنها تعاني من الأزمة ذاتها.
وحذر من أنه في غضون أسبوع إلى 10 أيام ستضطر إدارة المستشفى إلى إغلاق عيادات، وهذا مؤشر خطير نحو الخروج التدريجي عن العمل، والاكتفاء فقط بالعمل كمستشفى طوارئ.
ويهدد الوصول لهذه النتيجة الكارثية حياة آلاف الجرحى والمرضى، خاصة مع الكثافة الهائلة في جنوب القطاع، جراء حركة النزوح القسرية لمئات الآلاف من سكان مدينة غزة وشمالي القطاع، مما يشكل ضغطا إضافيا على المستشفيات والمرافق الصحية المتداعية، والتي تكابد من أجل استمرارية عملها.
ويوجد في جنوبي القطاع مستشفيان حكوميان هما مجمع ناصر الطبي في مدينة خان يونس، ومستشفى شهداء الأقصى في مدينة دير البلح، إضافة لعدد من المستشفيات الميدانية التابعة لهيئات محلية ودولية، يؤكد الهمص أنها تواجه أزمات خانقة تمس بقدرتها على تقديم الخدمات الطبية للجرحى والمرضى.

خطر الانهيار
ويقدم مستشفى الكويت التخصصي خدماته الطبية المتنوعة من خلال 21 عيادة تخصصية، ويضم قسما للعمليات يحتوي على 3 غرف، وقسما لمناظير الجهاز الهضمي، وقسما للأشعة التداخلية، وقسم طوارئ فيه 30 سريرا، إضافة لقسم العناية المركزة المتوقف حاليا عن العمل.
ويقول الهمص إن "المستشفى يستقبل يوميا 5 آلاف مراجع، منهم 1500 مراجع لقسم الطوارئ، وألف مراجع للعيادات التخصصية، وبقية المراجعين يتلقون خدمات طبية متنوعة، لافتا إلى أن مستشفى الرعاية الأولية الملحق بالمستشفى يستقبل يوميا نحو ألف مراجع، رغم أنه لم يتلق منذ افتتاحه قبل نحو 3 أسابيع أي حبة دواء.
إعلان
وتكبد مستشفى الكويت خسائر بشرية ومادية جسيمة منذ اندلاع الحرب الإسرائيلية على القطاع عقب عملية "طوفان الأقصى" في الـ7 من أكتوبر/تشرين الأول عام 2023، وفقد 4 شهداء من كادره، وأصيب عشرات آخرون سواء بتعرضهم للاستهداف الإسرائيلي أثناء العمل أو خارجه.
ويقول الهمص إن "الاحتلال دمر كليا المقر الرئيسي للمستشفى في مدينة رفح، ومستشفى الطوارئ الملحق به، بما فيهما من محتويات وأجهزة طبية ومعدات، عقب اجتياح المدينة في الـ6 من مايو/أيار من العام 2024.

عبء كبير
ومنذ اضطرار إدارة المستشفى للنزوح من مدينة رفح، وإقامة مستشفى ميداني في منطقة المواصي غربي مدينة خان يونس جنوبي القطاع، يتحمل عبئا كبيرا أنهك كوادره وأجهزته الطبية، ووفقا للهمص فإن الأجهزة باتت متهالكة وقد تنهار وتخرج عن الخدمة في أي لحظة، في حين أن 7 سيارات إسعاف من أصل 17 سيارة تعمل في ظروف قاهرة، إذ لا يتوفر البنزين للتشغيل وقطع الغيار للصيانة.
ولمقاومة لحظة الانهيار، يوضح الهمص أن المستشفى يعمل بنظام طوارئ وترشيد استهلاك، وتقتصر العمليات الجراحية على إنقاذ حياة وإنقاذ عضو من الجسد، ويضطر الأطباء للتخدير النصفي، إذ إن أدوية التخدير المتوفرة حاليا تكفي لـ120 عملية فقط.
وناشد الهمص كافة الجهات المعنية والمنظمات الدولية، التدخل الفوري لفتح الممرات الإنسانية وتأمين وصول الأدوية والمستلزمات الطبية اللازمة، والمساعدة في تغطية التكلفة التشغيلية للمستشفى، لضمان استمرارية العمل.
0 تعليق