روسيا وتركيا على بوابة أمن أوروبا - البطريق نيوز

0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

انقر هنا للمشاركة على وسائل التواصل الاجتماعي

share2

خلال العصور الوسطى، كانت حركة التجارة بين البحر الأسود وشواطئ شرق البحر المتوسط مزدهرة إلى درجة أن البحارة كانوا يرون بين البحرين ارتباطا عضويا.

أما اليوم، وبعد اندلاع الحرب الروسية الأوكرانية، فقد بات هذا الارتباط يعكس ترابطا جيوسياسيا واضحا؛ إذ إن أمن الغذاء لشرق المتوسط يعتمد على شحنات القمح القادمة من روسيا وأوكرانيا، في حين تعتمد الدول المشاطئة للبحر الأسود على سلع حيوية تصلها من شرق المتوسط.

غير أن الحرب الأخيرة في أوكرانيا كشفت عن سياسات روسية طموحة تهدف إلى توسيع نطاق الهيمنة لتشمل غرب البلقان، وجنوب القوقاز، وشرق البحر المتوسط. وإذا تحقق ذلك، فإنه سيشكّل انتهاكا صارخا لمفهوم الأمن الجماعي للاتحاد الأوروبي.

ويظهر ما سبق التغيرات العميقة في مفهوم الأمن الإقليمي، الذي كان يقتصر على الجوار الجغرافي، ليتحول إلى مفهوم أوسع يعكس الترابط بين أقاليم متجاورة، لدرجة اندمج فيها البحر الأسود مع شرق البحر المتوسط في فضاء جيوسياسي واحد، حيث تتصارع القوى الإقليمية والقوى العظمى، مما يجعل تركيا، الواقعة بين المنطقتين، لاعبا أساسيا يوظف هذه الصراعات لمصالحه السياسية.

وهذا ما يفسر سعيها لدعم الحكم في سوريا حاليا، فضلا عن ترحيب أوروبا والولايات المتحدة بإزالة حكم الأسد، وبالتالي النفوذ الروسي اللامحدود في سوريا.

روسيا والبحر الأسود

يُعد البحر الأسود مجالا حيويا وإستراتيجيا لروسيا، فهو بوابتها إلى المياه الدافئة، ورئتها التجارية مع العديد من دول العالم. لذا، فهي تسعى إلى إضعاف جوارها الجغرافي وصولا إلى الهيمنة عليه، أو الاستحواذ عليه عسكريا.

فقد سيطرت روسيا على الساحل الجورجي بعد حرب عام 2008، كما احتلت أبخازيا، وضمت شبه جزيرة القرم ومناطق أوكرانية، ودعمت منطقة ترانسنيستريا الانفصالية في مولدوفا للضغط على حكومتها.

إعلان

روسيا، الجار القوي، أثارت بلا أدنى شك حفيظة جيرانها، وهو ما دفعهم إلى الانضمام إلى حلف شمال الأطلسي والاتحاد الأوروبي. فثلاث من الدول الخمس المطلة على بحر قزوين أعضاء في حلف الأطلسي: (تركيا- منذ 1952- بلغاريا ورومانيا)، كما أن طموح كل من جورجيا وأوكرانيا للانضمام يعوقه الخوف الأوروبي من غضب روسيا الجارف.

إن الدور الحقيقي في ترشيد الصراع في البحر الأسود يعود إلى قوة تركيا، التي يهمها أمن وسلامة الحركة التجارية في هذا البحر، فقد رفضت تواجد سفن الناتو في البحر الأسود، كما أنشأت مجموعة عمل مع بعض الدول المشاطئة لمكافحة الألغام البحرية.

لكنها، على الجانب الآخر، لم تستطع لعب نفس الدور في شرق البحر المتوسط مع الطموح الروسي لإيجاد موطئ قدم فيه، فروسيا التي خسرت نفوذها في سوريا وليبيا، تسعى لعلاقات وطيدة مع الشرق الليبي، ومصر، في الوقت الذي توثق فيه تركيا علاقاتها مع الجار الروسي القوي؛ لترشيد طموحه الجارف، وهذا ما نجحت فيه نسبيا.

إن شعور روسيا بالاختناق البحري ناتج عن هيمنة حلف الأطلسي على بحر البلطيق، خاصة بعد انضمام السويد للحلف. لكن ما يهدد مستقبل أمن البحر الأسود وشرق المتوسط، هو عدم قدرة حلف الناتو على ضبط الصراع والحد من طموحات روسيا.

فالنزاع الغربي حول غاز شرق المتوسط، إلى جانب طموحات إسرائيل اللامحدودة في المجال العسكري وأطماعها في موارد الطاقة، قد يؤدي ذلك إلى تفجر مواجهة واسعة النطاق في المنطقة. كما أن عدم ترسيم الحدود البحرية بشكل عادل وواضح يضع الإقليم بأكمله على حافة توتر لا يمكن التنبؤ بعواقبه.

وتزيد أطماع الشركات الغربية في هذا الغاز من تعقيد المشهد، إذ تولّد خلافات محتدمة بين الدول الغربية ذات المصالح المتشابكة، ما يحول التنافس إلى صدام محتمل بين شركاء إستراتيجيين.

وفي ظل هذا المشهد المزدحم بالمصالح المتضاربة، تترقب الصين وروسيا الفرصة للظفر بحصة من هذه الموارد. وتبقى القدرات التركية في الحفر والتنقيب عاملا لم يكن في حسبان القوى الأوروبية والأميركية، فضلا عن أن تركيا تمتلك نفوذا وطموحا واضحا للحصول على نصيب من هذه الكعكة، حتى خارج حدودها البحرية.

في الوقت الذي باتت فيه السلامة البحرية في البحر الأسود موضع تساؤل، فإن أوروبا عليها التساؤل عن مستقبل الاستقرار في شرق المتوسط وفي البحر الأسود.

فاستقرار ليبيا وسوريا صار ضرورة حتمية، لأن أي اضطرابات بهما أو صراع على النفوذ فيهما يبدأ من الوجود الروسي في البحر الأسود ويمتد حتى الممرات البحرية التجارية إلى قناة السويس، وأيضا إلى غرب المتوسط. وهو ما يهدد سلاسل الإمداد التجارية الرئيسية.

من هنا، فإن المستقبل يحتم ضرورة أن تجلس دول البحر الأسود ودول شرق المتوسط على مائدة واحدة للاتفاق على ترتيبات المستقبل التي تتيح الحفاظ على مصالحها.

الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.

0 تعليق