من بروكسل إلى برلين.. كيف فضح اختراق المطارات هشاشة البنى التحتية الأوروبية؟ - البطريق نيوز

0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

انقر هنا للمشاركة على وسائل التواصل الاجتماعي

share2

لم يكن صباح السبت عاديا في مطارات أوروبية كبرى، مثل بروكسل وبرلين وهيثرو، إذ استهدف هجوم سيبراني مزود خدمة لأنظمة تسجيل الركاب والصعود للطائرات، مما أدى إلى تأخير وإلغاء عشرات الرحلات، وكشف مجددا عن هشاشة الأنظمة الرقمية التي باتت شريانا حيويا لحركة الملاحة العالمية.

ورغم أن المطارات نفسها لم تُستهدف مباشرة، فإن الهجوم على مزود الخدمة انعكس بشكل غير مباشر على آلاف المسافرين. وهذا النوع من الهجمات يوضح كيف يمكن لضربة واحدة موجهة إلى طرف ثالث أن تشل منظومة كاملة.

الدرس الأعمق: الهجوم على "سلسلة التوريد الرقمية"

وفقا لتقارير الأمن السيبراني، فإن استهداف مزود خدمة أو شريك تقني يُعرف باسم "هجمات سلسلة التوريد". وهذا النمط من الهجمات أصبح من أكثر الأساليب شيوعا وخطورة في السنوات الأخيرة، إذ لا يحتاج المهاجمون لاختراق المطار أو الشركة النهائية مباشرة، بل يكفيهم ضرب الحلقة الوسيطة لإحداث فوضى واسعة.

هجوم المطارات الأوروبية يعكس بوضوح هذا التوجه، ويشبه في منهجيته هجمات شهيرة، مثل سولار ويندز (SolarWinds) عام 2020، التي ضربت وكالات حكومية أميركية وشركات كبرى عبر تحديث برمجي مخترق.

كيف يُدار هذا النوع من الهجمات؟

الهجمات التي تستهدف سلسلة التوريد الرقمية لا تعتمد على اختراق مباشر للأنظمة النهائية، بل تقوم على استهداف الحلقة الأضعف في الشبكة، وغالبا ما يكون مزود خدمة أو شريكا تقنيا. ولفهم خطورتها، يمكن تبسيطها في 4 آليات رئيسية:

أولا: استغلال الثغرات البرمجية
يبحث المهاجمون عن ثغرات في أنظمة التحديث أو الخوادم التي تنقل البرمجيات. فإذا نجحوا في التسلل إلى هذه القنوات، يمكنهم إدخال شيفرة خبيثة إلى تحديث رسمي. وعند تثبيت التحديث، يدخل آلاف العملاء البرمجية الضارة إلى أجهزتهم من دون أن يدروا، كما حدث في هجوم سولار ويندز الشهير.

ثانيا: زرع برمجيات خبيثة داخل الأدوات
في بعض الحالات يتم تعديل نسخة البرنامج أو الأداة نفسها قبل توزيعها على المستخدمين. وقد تبقى البرمجية الخبيثة خاملة لأسابيع، قبل أن تبدأ في جمع البيانات أو تعطيل الأنظمة. هذا يعني أن النسخة الأصلية الموثوقة تتحول إلى حصان طروادة يخدم المهاجمين في الوقت الذي يثق به الضحية بالبرنامج.

إعلان

ثالثا: الهندسة الاجتماعية
لا يعتمد كل شيء على الأكواد. في كثير من الأحيان، يتم خداع الموظفين برسائل بريد إلكتروني أو روابط مزيفة تبدو رسمية. وبمجرد أن ينقر الموظف على الرابط أو يفتح الملف المرفق، يمنح المهاجمين وصولا مباشرا إلى النظام. هذا النوع من الهجمات خطير لأن الموظف يمتلك صلاحيات داخلية يصعب اختراقها من الخارج.

رابعا: تضاعف الضرر وصعوبة التتبع
الميزة الأكثر خطورة لهذه الهجمات أنها تضرب شبكة واسعة في وقت واحد. فاختراق مزود خدمة واحد قد يفتح الطريق للتأثير على عشرات أو مئات العملاء المرتبطين به، كما حدث في أزمة المطارات الأوروبية الأخيرة. والأسوأ أن تتبع مصدر الاختراق معقد جدا، إذ غالبا ما تُصمم البرمجيات الخبيثة لتخفي نفسها وتترك "أبوابا خلفية" يمكن استغلالها لاحقا.

وبصياغة مبسطة، فإن المهاجم لا يحاول كسر باب كل بيت على حدة، بل يتوجه إلى حارس العمارة الذي يملك مفاتيح جميع الشقق. فإذا حصل على نسخة من مفاتيحه، يصبح قادرا على الدخول إلى كل الشقق دفعة واحدة.

الأثر الإستراتيجي: الأمن السيبراني أمن وطني

لم يعد الأمن السيبراني شأنا تقنيا بحتا، بل أصبح جزءا من الأمن الوطني وأمن الطيران تحديدا. أي تعطيل في قطاع النقل، أو الطاقة، أو الصحة قد يقود إلى تداعيات اقتصادية وأمنية هائلة.

المطارات الأوروبية تعلمت درسا قاسيا، وهو "لا يكفي حماية أنظمتها الداخلية فقط، بل يجب فرض معايير صارمة على كل مزود خدمة أو شريك تقني في سلسلة التوريد".

ما العمل؟

يوصي خبراء الأمن السيبراني بعدة خطوات أساسية:

تقييم أمني دوري لموردي الخدمات التقنية. اعتماد حلول مراقبة متقدمة لرصد أي نشاط غير طبيعي في الشبكة. تنويع مزودي الخدمة لتقليل الاعتماد على طرف واحد. خطط طوارئ محاكاة تضمن استمرارية العمل حتى في حال شلل الأنظمة الآلية.

حادثة مطارات أوروبا هي إنذار جديد بأن الهجمات السيبرانية لم تعد تستهدف الأفراد أو الشركات فقط، بل تهدد البنى التحتية الحيوية التي يعتمد عليها الملايين يوميا. الرسالة واضحة: الأمن السيبراني لم يعد رفاهية تقنية، بل ضرورة إستراتيجية لضمان انسيابية العالم الرقمي والواقعي معا.

0 تعليق