كيف تحولت أفلام الرعب الأميركية من صرخات مفزعة إلى نقد اجتماعي؟ - البطريق نيوز

0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

انقر هنا للمشاركة على وسائل التواصل الاجتماعي

share2

بعد سنوات من سيطرة أفلام الأبطال الخارقين على شباك التذاكر، بدأت نجوميتها في الأفول تدريجيا، في حين تشق أفلام الرعب طريقها بثبات لتعيد رسم ملامح السينما العالمية. ومع تراجع الحماسة تجاه إنتاجات "السوبر هيرو" المتشابهة والمتكررة، يتجه الجمهور إلى الرعب كخيار سينمائي يمنحهم تجربة أكثر تنوعا وعمقا.

ولا يتجلى هذا التحول في الأرقام والإيرادات فقط، بل في طبيعة الأفلام نفسها؛ إذ لم يعد الرعب مجرد صرخات ودماء، بل أصبح وسيلة لطرح قضايا اجتماعية وإنسانية كالعنف الأسري والفوارق الطبقية والاضطرابات النفسية، في إطار رمزي يجعل النقاد يصفونه بـ"السينما الاجتماعية الجديدة" التي تعكس هواجس العصر الحديث.

اقرأ أيضا

list of 2 items end of list

وبعكس ما كان سائدا في العقود الماضية من مشاهد دموية ومجازر بصرية، اتجهت أفلام الرعب مؤخرا نحو مقاربة الحياة اليومية وتقاطعاتها مع الواقع المأزوم، لتكسب زخما جماهيريا جديدا. وقد راهنت أستوديوهات هوليود على هذا المسار، فأسهمت أفلام الرعب في عام 2025 وحده بزيادة إيرادات شباك التذاكر في أميركا الشمالية بنسبة 17%.

يعدّ فيلم "أسلحة" 2025 Weapons للمخرج زاك كريجر من أبرز الأمثلة على تحول الرعب من مجرد صرخات ودماء إلى أداة للنقد الاجتماعي، حيث يجعل من الأطفال أدوات رعب رمزية، ليعكس كيف يمكن أن يتحول الضحايا إلى جناة عندما يعجز المجتمع عن احتوائهم، بداية من الإهمال والعنف الأسري، مرورا بالأزمات النفسية وانهيار الثقة بالمؤسسات الرسمية، ليتحول الطفل المهدد المحروم من الشعور بالأمان إلى قوة تدميرية بسبب سنوات من القهر، ليصبح الفيلم مثالا على أفلام الرعب التي أصبحت وسيلة لفهم الواقع الاجتماعي وتفكيكه.

المصدر: حساب IMDB على إنستغرام فيلم Weapons
الملصق الدعائي لفيلم "أسلحة" (حساب آي إم دي بي على إنستغرام)

 

ومن أبرز الأمثلة على تحوّل أفلام الرعب نحو النقد الاجتماعي فيلم "اخرج" (Get Out) عام 2017 للمخرج جوردن بيل، الذي عُدّ نقلة من الرعب السطحي إلى معالجة مجتمعية عميقة. تدور أحداثه حول شاب أسود يزور منزل خطيبته البيضاء للمرة الأولى، ليكتشف تدريجيا أن ما يبدو طبيعيا يخفي وراءه أسرارا مخيفة، تكشف عن عنصرية واستغلال نفسي يهددان حياته.

إعلان

ولا يعتمد الفيلم على الدماء أو الوحوش لإثارة الرعب، بل يستمد قوته من الأفكار والهواجس النفسية التي تظهر في مواقف يغلب عليها الود في ظاهرها، لكنها تنطوي على خداع وفخاخ نفسية. ومن خلال ذلك، يقدّم العمل رعبا أكثر واقعية والتصاقا بقضايا المجتمع المعاصر، وفي مقدمتها العنصرية التي تشكّل جوهر حبكته.

يُعد فيلم "معا" (Together 2025) للمخرج مايكل شانكس من أبرز نماذج الرعب الاجتماعي المعاصر. تدور أحداثه حول زوجين يشربان مياها ملوثة داخل كهف، فيجدان نفسيهما داخل تجربة حسية مرعبة تنتهي باندماج أجسادهما في تشوّه جسدي مخيف. هذا التحول لا يُقدَّم كأداة للرعب البصري التقليدي، بل كرمز خفي يعكس الاعتمادية النفسية المرضية وتلاشي الفرد داخل العلاقات السامة، حين يتحول الحب إلى حصار نفسي وجسدي.

يوظف الفيلم مشاهد خانقة تكشف التوتر القائم بين الرغبة في البقاء والخوف من الذوبان في الآخر، ليقدّم نقدا عميقا للعلاقات التي تقوم على السيطرة والخوف من الانفصال. وبهذا يضع نفسه في طليعة أفلام الرعب التي تُجسّد قضايا اجتماعية معاصرة واسعة الانتشار في مختلف المجتمعات.

وبالنظر إلى هذا العمل وغيره من الأفلام الحديثة، يتضح أن سينما الرعب تجاوزت حدود الترفيه، لتصبح مرآة تعكس اضطرابات الفرد والجماعة، وتضيء مناطق اجتماعية ونفسية شديدة التعقيد طالما جرى تجنبها في الوعي الجمعي.

0 تعليق