Published On 24/9/202524/9/2025
|آخر تحديث: 15:49 (توقيت مكة)آخر تحديث: 15:49 (توقيت مكة)
معاناة حقيقية يعيشها عدد ضخم من الطلبة والمعلمين داخل قاعات الدراسة على مستوى العالم، إذ المعلم يشرح دون استجابة مرجوة، يقف أمام عيون زائغة وطلبة يشعرون بالملل الشديد داخل حصص دراسية تتطلب الواحدة منها قرابة الـ 45 دقيقة من التركيز المتواصل، معاناة صامتة بدأت مع أول أيام موسم الدراسة، لكن هل يمكن أن تنتهي بأمان مع مرور الوقت؟
أدمغة متعفنة وحرمان مفاجئ!
الإجازات الطويلة ليست مشكلة في حد ذاتها، بل على العكس، يمكن أن تكون ذات فائدة كبيرة إذا استُثمرت بشكل صحيح. فالعطلة الصيفية التي تمتد عدة أشهر تمنح الأطفال فرصة للتعرض لأشعة الشمس، وممارسة الرياضة، وتعزيز المزاج الإيجابي، وهي عوامل تساهم لاحقًا في رفع قدرتهم على التعلم، وتنمية مهارات حل المشكلات، والوقاية من التدهور المعرفي على الأمد البعيد. لكن هذه الفوائد سرعان ما تتحول إلى أضرار حين ينحرف الصيف عن غايته الأساسية، ويتحول في كثير من البيوت إلى فراغ طويل يُملأ بساعات مطوّلة أمام الشاشات.
اقرأ أيضا
list of 2 items end of listكشفت إحصاءات حديثة أرقامًا مقلقة عن "وقت الشاشة"، إذ يقضي الأطفال بين 8 و18 عامًا نحو 7 ساعات و38 دقيقة يوميًا أمام الشاشات، سواء عبر الإنترنت أو التلفزيون أو الألعاب الإلكترونية. وبعضهم يستخدم أكثر من وسيط في الوقت نفسه، ليتجاوز المجموع 10 ساعات و45 دقيقة يوميًا مع الوسائط المختلفة. والأخطر أن هذه المعدلات في ارتفاع مستمر، بعدما كان المتوسط 6 ساعات و21 دقيقة فقط عام 2004. وبهذا لم يعد هناك مجال للشعور بالملل الذي يفتح عادةً باب الإبداع والابتكار، بل استُبدل بعزلة رقمية تترك آثارًا ضارة على جيل كامل، خصوصًا المولودين بين 2010 و2024، الذين يواجه كثير منهم مشكلات متعددة جراء الإفراط في استخدام الشاشات.

يشير خبراء التربية والسلوك إلى أن الإفراط في استخدام الشاشات لا يمر دون عواقب خطِرة على الأطفال؛ إذ يؤدي إلى ما يُعرف مجازًا بـ"تعفن الدماغ"، وهو تعبير عن التدهور المعرفي والسلوكي الناتج عن التعرض المفرط. ويظهر ذلك في صورة انخفاض فترات الانتباه وتزايد نوبات الغضب، إلى جانب تحدٍّ متزايد تجاه الشخصيات ذات السلطة كالآباء والمعلمين.
إعلان
كما ينعكس الاستخدام المطوّل على قدرات الطفل الاجتماعية والمعرفية، فيعاني من عزلة وصعوبات تعلم واضحة، وضعف في المعالجة البصرية والسمعية والذاكرة العاملة. وتُظهر الأبحاث أيضًا أن طول وقت الشاشة يرتبط بتراجع ملحوظ في مهارات القراءة والكتابة الناشئة، خصوصًا لدى أطفال ما قبل المدرسة. ومع تراكم هذه التأثيرات، قد يطور الطفل سلوكيات عدوانية عنيفة، لا سيما عند حرمانه من الأجهزة اللوحية، فتكون ردود فعله شديدة وتعكس اعتمادا مرضيا على هذه الوسائط.
معاناة من ثلاثة أضلاع
المعاناة اليومية التي يعيشها الطالب اليوم لا تتوقف عنده وحده، بل تمتد لتشمل ولي الأمر والمعلم في آن واحد. هذا ما تؤكده دينا عبد الفتاح، موظفة وأم لثلاثة أطفال من مصر، التي تصف أيامها منذ بداية العام الدراسي بأنها "حرب مستمرة". تقول للجزيرة نت: "شكاوى بالجملة من المدرسين، وأغراض مفقودة لا يتذكرون حتى كيف ضاعت، وحالة من التيه بشأن ما تم شرحه في الحصص. أما في البيت، فالمعركة الكبرى مع الفروض المنزلية؛ كثير من التأفف والملل، ومحاولات مستمرة لإقناعهم بمجرد الجلوس نصف ساعة للمذاكرة. وحتى الهاتف، الذي أسمح به لربع ساعة، يتحول إلى ساعات بلا فائدة، وإن منعتهم تبدأ جولة جديدة من الصراخ والاعتراض. لا أعلم حقًا متى ستنتهي هذه الدوامة".
ومن مصر إلى الولايات المتحدة، تتكرر القصة وإن اختلفت التفاصيل. إيما، أم ومعلمة، اختارت أن تشارك تجربتها فتقول: "الطلاب لم يعودوا يحتملون الملل. عيونهم معلقة بالهواتف من لحظة الاستيقاظ حتى النوم. اعتادوا على جرعات سريعة من الدوبامين والمكافآت المتتالية، حتى بدت لهم المدرسة باهتة ومملة. حين يبدأ الدرس أجد نظراتهم خاوية، لا قدرة لديهم على الصبر لفهم الفكرة كاملة، بل يريدون الخلاصة في مقاطع قصيرة ملونة تشبه ما يرونه على هواتفهم. يبدون وكأنهم موجودون بأجسادهم فقط، لكن عقولهم غائبة. الأشد خطورة أنهم أصبحوا لا يبالون بالدرجات ولا حتى بالجامعة، وكأن التعليم فقد قيمته في نظرهم".
هكذا يستعيد طفلك صفاء ذهنه
في دراسة هندية بعنوان "آثار وقت الشاشة المفرط على نمو الطفل"، أوصى الباحثون بضرورة وضع حدود صارمة لاستخدام الشاشات، والاستعانة بأدوات الرقابة الأبوية، إلى جانب زيادة الوقت المخصص للأنشطة البديلة التي تعزز النمو الذهني. كما شددت الدراسة على أهمية قضاء وقت أطول بين الآباء والأبناء ليكون بديلاً صحيًا من الساعات العديدة أمام الأجهزة.
الجانب المشرق أن استعادة تركيز الطفل بعد فترات الإدمان ليست مستحيلة. تؤكد المختصة النفسية دعاء السماني للجزيرة نت، أن "الطفل يمكن أن يستعيد تركيزه خلال أسبوع إلى أسبوعين من التوقف عن متابعة مقاطع الفيديو في إدمان، لكن الأمر يحتاج إلى صبر وتدرج، لأن المنع المفاجئ قد يثير غضبًا أو مقاومة نفسية، فضلًا عن صعوبة التكيف مع الروتين الجديد". وتشدد السماني على ضرورة أن يسبق العودة إلى الدراسة فترة تمهيدية لمراجعة الدروس السابقة، حتى لا يشعر الطفل بصعوبة أو عجز أمام المناهج الجديدة.
إعلان
وتضيف أن معظم الأطفال يتأقلمون مع الروتين الدراسي بعد فترة قصيرة، ويتراجع لديهم الانشغال بالشاشات تدريجيًا، شرط التزام الأهل بالحزم ووضع قواعد واضحة وعدم الاستسلام لإلحاح الأبناء. غير أنها تلفت إلى أن بعض الأطفال قد يواجهون صعوبات أكبر في التكيف رغم مرور الوقت، وهنا يصبح تدخل المختصين النفسيين أمرًا ضروريا.
0 تعليق