أنقرة- يحلّ الرئيس التركي رجب طيب أردوغان ضيفا على نظيره الأميركي دونالد ترامب في البيت الأبيض غدا الخميس، في أول زيارة له منذ عودة ترامب إلى السلطة. ويكتسب الاجتماع أهمية خاصة لكونه الأول منذ نحو 6 سنوات، إذ تعود آخر زيارة ثنائية لأردوغان إلى واشنطن لعام 2019.
ويأتي اللقاء في لحظة حساسة تتقاطع فيها الأزمات الإقليمية مع الملفات الإستراتيجية بين البلدين، في حين يعوّل الطرفان على العلاقة الشخصية بين الرئيسين لإعادة بناء الثقة وتعزيز المصالح المشتركة.

ملفات الدفاع والتسلح
تتصدر صفقات المقاتلات أجندة زيارة أردوغان إلى واشنطن، في ظل مسعى تركيا لإزالة العقبات التي تعترض تحديث قدرات سلاح الجو الخاص بها. إذ أخرجت أنقرة من برنامج المقاتلة الشبحية "إف-35" عام 2019 عقب شرائها منظومة الدفاع الجوي الروسية "إس-400"، وهي الخطوة التي رأت فيها الولايات المتحدة تهديدا لأمن منظومات حلف (الناتو) وإمكانية كشف تكنولوجياته المتقدمة.
ويرى المحلل السياسي علي أسمر أن العقوبات العسكرية الأميركية المفروضة على تركيا لم تكن نتاج توافق بين الإدارات الأميركية المتعاقبة، بل جاءت بضغط مباشر من جماعات نافذة داخل الكونغرس، مرتبطة بدعمها التقليدي لإسرائيل.
ويؤكد أسمر في حديث للجزيرة نت، أن هذه اللوبيات تسعى إلى منع أي تفوق جوي محتمل على إسرائيل، لذلك تضع العراقيل وتقدم ما يصفها بـ"الحجج الواهية". ويرى أن الرهان التركي في المرحلة الراهنة يقوم على العلاقة الشخصية القوية التي تجمع الرئيس التركي بنظيره الأميركي، معوّلا على أن تسهم هذه الصلة المباشرة في تجاوز العراقيل التي فرضتها اللوبيات.
ويشير إلى أن ملف صفقة مقاتلات (إف-16) بات شبه محسوم، ومن المرجّح أن يتم تسليمها إلى أنقرة قريبا، في حين يبقى ملف (إف-35) أكثر تعقيدا نتيجة الضغوط الإسرائيلية الكبيرة. ويضيف "إسرائيل لا ترغب بأن تصل تركيا إلى مستوى تكافؤ في القوة الجوية معها، ولذلك تضغط لتأجيل أو عرقلة هذا المسار، في حين تعتمد واشنطن سياسة التسويف".
إعلان
ويكشف أسمر عما يراه "حلا مثاليا" لهذه المعضلة، سبق أن اقترحه على بعض صناع القرار في أنقرة، ويتمثل في التعاون مع موسكو لنقل منظومة الصواريخ الروسية "إس-400" إلى سوريا وتفعيلها هناك.
فبهذه الخطوة -بحسب رأيه- تنتفي الحجة الأميركية التي استُخدمت ضد تركيا داخل (الناتو)، مما يتيح لها إعادة فتح الباب للحصول على مقاتلات "إف-35″، وفي الوقت نفسه يتم تعزيز الأمن القومي لكل من سوريا وتركيا عبر تشغيل منظومات دفاع جوي ردعية على الأراضي السورية.
التعاون الاقتصادي والتجاري
على المسار الاقتصادي، يسعى الطرفان إلى تعزيز شراكتهما التجارية بما يتناسب مع التحسن في المناخ السياسي. وتشير التوقعات إلى أن القمة قد تشهد إعلانا عن اتفاق ضخم لشراء الخطوط الجوية التركية ما يصل إلى 250 طائرة مدنية من بوينغ، في صفقة تعد من الأكبر في تاريخ الشركة الأميركية، وفق ما أكده رئيس مجلس إدارة الخطوط الجوية أحمد بولاط.
كما أعاد الرئيس ترامب إحياء الهدف الطموح الذي طرحه في ولايته الأولى، والمتمثل في رفع حجم التبادل التجاري بين البلدين إلى 100 مليار دولار سنويا، في حين لا يتجاوز مستواه الحالي 30 مليار دولار.
وفي هذا الإطار، تطمح تركيا إلى زيادة صادراتها إلى السوق الأميركية وجذب المزيد من الاستثمارات، ولا سيما في مجالات الدفاع والتكنولوجيا، إلى جانب الحصول على تسهيلات تمويلية من مؤسسات مثل بنك "إكسيم" الأميركي لدعم مشاريعها الصناعية.

الملف السوري
يرى المحلل السياسي محمود علوش أن الملف السوري يشكل اليوم أحد المحاور الأساسية في العلاقات التركية الأميركية، خصوصا في مرحلة ما بعد التحول السوري. ويوضح في حديث للجزيرة نت، أن هناك 3 قضايا رئيسية مرتبطة بسوريا ستكون مطروحة على طاولة البحث بين الرئيسين أردوغان وترامب:
أولا: ملف قوات سوريا الديمقراطية (قسد)ويسعى أردوغان -وفق علوش- إلى صفقة مع واشنطن بشأن هذه القوات، ويعول على ضغط أميركي لإلزامها باتفاق الاندماج مع الدولة السورية قبل نهاية العام. وفي حال تعثر الاتفاق، قد تبحث سيناريوهات بديلة، بينها الخيار العسكري، وسط مؤشرات على تنسيق تركي سوري محتمل للتحرك ميدانيا.
ثانيا: دعم حكومة الرئيس أحمد الشرع وملف العقوباتيشير علوش إلى أن تركيا -إلى جانب السعودية- لعبت دورا محوريا في تعويم (إظهار) الرئيس أحمد الشرع، مما ساهم في انفتاح غربي وأميركي متزايد تجاهه، خاصة بعد رفع جزء من العقوبات عن سوريا. لكن عقوبات "قانون قيصر" تبقى العائق الأبرز، إذ يتطلب إلغاؤها تشريعا من الكونغرس، في حين تأمل أنقرة أن يستخدم ترامب نفوذه لدفع هذا المسار.
ثالثا: العلاقات التركية الإسرائيلية في الساحة السوريةيؤكد علوش أن واشنطن أدارت منذ نيسان/أبريل الماضي الخلاف بين أنقرة وتل أبيب داخل الساحة السورية، مما ساعد على خفض التصعيد وفتح قنوات استخباراتية وعسكرية.
لكنه يحذر من أن قرب توقيع اتفاقية أمنية بين سوريا وإسرائيل برعاية أميركية سيترك تداعيات مباشرة على تركيا، التي تراهن على نفوذ ترامب للضغط على تل أبيب ومنع أي خطوات تفاقم التوتر معها.
الحرب في غزة
يتوقع أن يكون ملف الحرب على قطاع غزة من أكثر القضايا سخونة على طاولة مباحثات أردوغان وترامب، مع استمرار التصعيد الدموي في القطاع منذ أكتوبر/تشرين الأول 2023.
إعلان
واتخذت أنقرة موقفا حادا ضد إسرائيل، حيث وصف الرئيس أردوغان العمليات العسكرية هناك بأنها تصل إلى حد "الإبادة الجماعية" بحق الفلسطينيين، مؤكدا مرارا دعوته إلى وقف فوري لإطلاق النار وفتح ممرات إنسانية لإغاثة المدنيين.
وفي خطابه الأخير أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة، شدد أردوغان على ضرورة اعتراف المجتمع الدولي بدولة فلسطين كمدخل لإنهاء المأساة، مذكرا بأن أكثر من 150 دولة بادرت بالفعل إلى هذا الاعتراف، ومعلنا أن أي تحسن في العلاقات مع إسرائيل سيظل مرهونا بتحقيق تقدم ملموس نحو حل الدولتين وإنهاء معاناة الشعب الفلسطيني.
تركيا والناتو
تحتل تركيا موقعا محوريا في الحسابات الإستراتيجية للولايات المتحدة، مما يجعل حضورها داخل حلف شمال الأطلسي بندا أساسيا على جدول القمة المرتقبة. فواشنطن تسعى إلى ضمان بقاء أنقرة في الصف الغربي كحليف موثوق به، بما يحول دون تنامي النفوذ الروسي في الشرق الأوسط والبحر الأسود.
وفي هذا السياق، شدد الرئيس ترامب مرارا على قيمة تركيا كشريك ينبغي استقطابه لا إقصاؤه، معتبرا أن تقارب أنقرة مع الغرب يعزز الموقف الأميركي في مواجهة كل من موسكو وبكين، ويمنع انجرارها إلى محاور منافسة.
في المقابل، تحرص أنقرة على التأكيد أن عضويتها في الناتو لا تعني التنازل عن استقلالية قرارها، بل تسعى إلى ترسيخ دورها كقوة إقليمية تمتلك شبكة علاقات متوازنة مع جميع الأطراف.
0 تعليق