Published On 26/9/202526/9/2025
|آخر تحديث: 10:07 (توقيت مكة)آخر تحديث: 10:07 (توقيت مكة)
الفاشر- تتفاقم يوميا معاناة المدنيين المحاصرين في مدينة الفاشر، عاصمة ولاية شمال دارفور، حيث تتحطم الوعود الدولية المتكررة بإيصال المساعدات الإنسانية على صخرة الحصار العسكري والاشتباكات المستمرة.
ورغم التحذيرات الأممية من حدوث مجاعة، لا تزال أبواب المدينة مغلقة أمام معظم المساعدات، في وقت يعاني أكثر من ربع مليون سوداني من نقص حاد في الغذاء والدواء، وسط انهيار شبه كامل للخدمات الصحية والإنسانية.
وعلى هامش أعمال الجمعية العامة للأمم المتحدة، وبعد اجتماع دول المجموعة الرباعية، جاءت تصريحات مسعد بولس، المستشار الرفيع للرئيس الأميركي دونالد ترامب للشؤون العربية والشرق أوسطية، لتبعث الأمل رغم هشاشته.
فقد أعرب المسؤول الأميركي عن أمله في دخول مساعدات إنسانية "خلال الأيام المقبلة" إلى مدينة الفاشر، التي تحاصرها قوات الدعم السريع منذ أكثر من عام وتشهد تصاعدا في أعمال العنف.
وأضاف "لقد بحثنا مع قوات الدعم السريع واتفقنا على وسيلة تتيح إيصال هذه المساعدات الإنسانية" مؤكداً أهمية إنهاء النزاع في السودان، وإعادة السلام، وتلبية الاحتياجات الإنسانية للشعب السوداني.
مصادر محدودة
تكشف الأرقام عن فجوة صادمة تعكس حجم الكارثة، فبينما تحتاج دارفور إلى آلاف الأطنان من الغذاء والدواء شهريا، لم يتجاوز إجمالي ما وصل إلى الإقليم بأكمله خلال الأشهر الستة الماضية بضعة آلاف من الأطنان، وفقا لمصادر محلية، حيث إن هذه الكميات لا تكاد تذكر مقارنة بالاحتياج الهائل، خاصة مع منع وصولها بشكل كامل إلى الفاشر التي توصف بأنها بؤرة الأزمة.
وفي حديثه للجزيرة نت، قال وزير الموارد البشرية والرعاية الاجتماعية الدكتور معتصم صالح إن "ما يصل إلى دارفور من مساعدات أقل بكثير من الاحتياجات الفعلية، والسبب الرئيسي هو القيود المفروضة على الطرقات، والحصار المشدد من قبل قوات الدعم السريع".
إعلان
وأضاف أن تصريحات المسؤول الأميركي "تعكس ضغوطا دولية مشروعة، لكنها تظل أقرب إلى رسائل سياسية من كونها التزاما عمليا قابلا للتنفيذ في ظل العقبات الأمنية المتعمدة".
وعلى الرغم من تنوع مصادر المساعدات، فإن الكمية التي تصل فعليا إلى المدنيين في دارفور تظل ضئيلة للغاية. وتأتي المساعدات الإنسانية في السودان والمخصصة لإقليم دارفور من 3 مصادر رئيسية:
منظمات الأمم المتحدة، وتُعتبر المزود الأساسي، لكنها تواجه عوائق جسيمة في النقل والتوزيع. مساعدات تأتي من دول مثل السعودية وقطر وتركيا ومصر، لكنها تبقى محدودة وغير منتظمة. مبادرات محلية، تشمل جهودا خيرية فردية أو عبر جمعيات سودانية، لكنها غير قادرة على تلبية الاحتياجات الضخمة.من يعيق وصول المساعدات؟
منذ العاشر من يونيو/حزيران 2024، تفرض قوات الدعم السريع حصارا خانقا على مدينة الفاشر، مستخدمة "سلاح التجويع" ضد المدنيين، في تكتيك يخالف القانون الدولي الإنساني، كما تتعرض المدينة لقصف مدفعي يومي يمنع السكان من الحركة الآمنة ويحول دون وصول المساعدات الإنسانية.
ويقول الدكتور عبد الناصر سلم حامد، مدير برنامج شرق أفريقيا والسودان بمركز "فوكس للأبحاث" في السويد -للجزيرة نت- إن الطابع السياسي للصراع في دارفور حوّل العمل الإنساني إلى رهينة.
وأضاف أن "المساعدات أصبحت أداة تفاوض وضغط بيد الأطراف المتحاربة، بينما يكتفي المجتمع الدولي بإطلاق بيانات قلق لا تغير من واقع الموت البطيء شيئا".
ويؤكد حامد أن "منع وصول الإغاثة يُعدّ جريمة حرب وفق القانون الدولي الإنساني، لأنه يستهدف المدنيين بشكل مباشر ويخرق جوهر اتفاقيات جنيف" ويضيف أن "هذا النموذج يهدد الاستقرار الإقليمي، ويشجع أطرافا أخرى في نزاعات مختلفة على تبني الأسلوب ذاته".
ويشير إلى أن "الحصار المفروض على الفاشر ليس مجرد عزل إنساني، بل هو جزء من خطة عسكرية تهدف إلى الضغط على الجيش السوداني" موضحا أنه بتجويع المدنيين، يسعى الدعم السريع إلى إيجاد ضغط داخلي، وإضعاف المعنويات، وقطع خطوط الإمداد القادمة من شمال كردفان وليبيا وتشاد.
ويستطرد قائلاً إن "هذه التكتيكات تعيد إلى الأذهان حصار سراييفو، وتجويع مضايا، وحصار تعز، كلها نماذج استخدم فيها التجويع كسلاح حرب، ووصفتها الأمم المتحدة بأنها جرائم ضد الإنسانية، إن ما يحدث في الفاشر يسير على النهج ذاته، لكنه يتم في صمت شبه كامل".
ويختم بالقول إن "صمود الفاشر أو سقوطها لن يحدده العامل العسكري وحده، بل أيضاً مدى قدرة المجتمع الدولي على كسر هذا الحصار عبر ممرات إنسانية محمية، فالقضية لم تعد مرتبطة فقط بالأمن الغذائي، بل بمصير مدينة كاملة تتحول تدريجيا إلى اختبار لمشروعية القانون الدولي".

شهادة ميدانية
ومن قلب الفاشر، تنقل أمينة محمد (42 عاما) -للجزيرة نت- صورة القهر اليومي الذي يعيشه السكان، وتقول إن "الوعود تصلنا كالرعد، ولكن المطر لا ينزل، أطفالنا يهزلون أمام أعيننا، والمستشفيات خاوية، نسمع عن مؤتمرات وعن رباعية، لكننا لا نرى سوى القصف والجوع" وتضيف "نعيش على الأمل، لكن الأمل لا يُطعم الجائعين".
إعلان
ويحذر خبراء من أن استمرار الأزمة في الفاشر قد يؤدي إلى تداعيات خطيرة في المنطقة، مع تضاعف أعداد النازحين في المناطق المجاورة ودولة تشاد، حيث تزداد الضغوط على الموارد الشحيحة أصلا، كما أن انتشار الأسلحة الخفيفة على نطاق واسع يشكل تهديدا للأمن الإقليمي برمته.
ويقول الناشط الإغاثي أحمد عبد القادر -للجزيرة نت- إن العمل الإنساني في دارفور بات رهينة للصراع السياسي والعسكري، مشيرا إلى أن فرق الإغاثة تواجه تهديدات مستمرة، وأن المساعدات تُمنع من الوصول إلى المناطق الأكثر تضرراً مثل الفاشر، وأضاف "نحن نعمل في ظروف قاسية، نحاول إنقاذ الأرواح، لكننا نصطدم بجدران من التجاهل والوعود والقيود".
ولم تتمكن الجزيرة نت من الحصول على تعليق فوري من متحدث باسم قوات الدعم السريع للرد على هذه الاتهامات، كما غابت أية تصريحات رسمية من الأمم المتحدة حول آليات محددة لكسر الحصار وإدخال المساعدات، مما يزيد من مخاوف السكان المحاصرين من أن تتحول وعود المساعدات إلى مجرد ذكريات في سجل المعاناة الإنسانية.
0 تعليق