خلف المشهد اليومي المؤلم لأطفال يتسولون عند إشارات المرور وفي الشوارع المزدحمة في مصر، تتخفى حقيقة أكثر قتامة ورعباً: شبكات إجرامية منظمة حولت هؤلاء الأطفال من ضحايا للفقر إلى أدوات في عالم الجريمة، تستغل براءتهم في التسول، بل وتورطهم في ترويج المخدرات. وقد كشفت حملات أمنية مكثفة شنتها وزارة الداخلية المصرية مؤخراً عن حجم هذه الظاهرة، وأماطت اللثام عن أساليب هذه العصابات في استغلال الفئة الأكثر ضعفاً في المجتمع.
"إيواء" تحت الكباري مقابل استغلال قاسٍ
كشفت التحقيقات مع أفراد العصابات التي تم ضبطها عن أسلوب عمل ممنهج ومقلق. تبدأ القصة باستهداف الأطفال المشردين أو الهاربين من أسرهم، حيث تقوم العصابات بتقديم "مأوى" لهم في أماكن مهجورة أو أسفل الكباري، وتوفر لهم حداً أدنى من الطعام.
لكن هذا "الإيواء" له ثمن باهظ. فمقابل ذلك، يتم إجبار هؤلاء الأطفال على العمل لساعات طويلة في التسول في المناطق الحيوية، وتسليم الحصيلة اليومية لزعماء العصابة. وأكد عدد من الأطفال الذين تم إنقاذهم خلال الحملات أنهم تعرضوا للضرب والإكراه بشكل مستمر لضمان عدم هروبهم أو إبلاغهم للسلطات.
والأخطر من ذلك، هو استغلال بعض هؤلاء الأطفال في ترويج المواد المخدرة أو نقلها، مستغلين عدم قدرتهم على إدراك حقيقة ما يحملونه.
حملة أمنية تطيح بـ 50 عصابة في شهر واحد
رداً على تزايد الشكاوى من المواطنين، وبتكليف مباشر من وزارة الداخلية، انطلقت حملات أمنية مكثفة استهدفت بؤر تجمع هذه العصابات.
وأسفرت هذه الجهود، خلال شهر واحد فقط، عن ضبط نحو خمسين عصابة تورطت في استغلال الأطفال في أعمال التسول والأنشطة غير المشروعة. وقد أقر المتهمون الذين تم القبض عليهم باستغلالهم للأطفال كوسيلة للكسب السريع وغير المشروع.
قانون صارم.. وعقوبات تصل للسجن 5 سنوات
وتتعامل السلطات المصرية مع هذه الجرائم بحزم شديد. حيث تنص المادة 291 من قانون العقوبات المصري على أن استغلال الأطفال في التسول أو استخدامهم في أنشطة غير مشروعة، هي جريمة يُعاقب عليها بالحبس مدة لا تقل عن خمس سنوات، وغرامة تصل إلى مائتي ألف جنيه.
ما بعد الإنقاذ: تحدي إعادة التأهيل
وأكدت الجهات المختصة أن الحملات الأمنية ستستمر، بالتوازي مع التنسيق مع الجهات الاجتماعية لرعاية الأطفال الذين يتم إنقاذهم. ويتم إلحاق هؤلاء الأطفال بدور الرعاية المتخصصة، حيث يتلقون الدعم النفسي والاجتماعي اللازم لإعادة تأهيلهم ودمجهم بشكل آمن في المجتمع، في تحدٍ كبير يتطلب تضافر جهود الدولة والمجتمع المدني لحماية مستقبل هؤلاء الضحايا.
0 تعليق