وثّقت ممرضة أمريكية لحظات انهيار أحد المستشفيات في مدينة غزة، بينما كان محاصرًا من قبل القوات الإسرائيلية في مشهد صادم يعكس تصاعد الكارثة الإنسانية في القطاع.
وذكرت صحيفة واشنطن بوست الأمريكية في سياق تقرير إخباري إن مقطع الفيديو الذي سجلته الممرضة من داخل المستشفى يظهر حالة من الفوضى والذعر بين الطواقم الطبية والمرضى وسط أصوات القصف وانقطاع التيار الكهربائي في وقت كانت فيه محاولات الإخلاء شبه مستحيلة حيث تسلط هذه اللقطات النادرة الضوء على الظروف القاسية التي تواجهها المنشآت الصحية في غزة تحت الحصار والقصف.
وأوضحت الصحيفة أنه مع تصاعد عمليات الجيش الإسرائيلي يتعرض نظام الرعاية الصحية في مدينة غزة لهجوم ويقترب من الانهيار، مشيرة إلى أنه بعد مرور ما يقارب أسبوعين على بدء العملية البرية الإسرائيلية في أكبر مدن غزة، حيث دمرت غارات جوية مركزين طبيين، وأُغلقت إثنان من المستشفيات بعد تعرضهما للضرر، بينما تعمل المستشفيات الأخرى بصعوبة بالغة مع نقص حاد في الأدوية والمعدات والغذاء والوقود.
وأُجبر العديد من المرضى والموظفين على الفرار من المستشفيات تاركين وراءهم عددًا قليلاً من الأطباء والممرضين لرعاية الأطفال في الحاضنات أو المرضى الذين لا يستطيعون التحرك كما يؤثر القصف على جدران المستشفيات، وتطير الطائرات المسيّرة الإسرائيلية في الأجواء، وتطلق النار أحيانًا بالقرب من المستشفيات، مما يجعل التنقل خطيرًا، بحسب العاملين في المجال الطبي.
وأخلت مستشفى القدس، الواقعة في الطرف الجنوبي لمدينة غزة، معظم مرضاها هذا الأسبوع مع اقتراب القوات الإسرائيلية كما ترك أحد الأطباء مريضا مصابا بحروق في 40% من جسده أمام أنقاض مبنى، وأمره بالتوجه إلى عيادة قريبة لتلقي العلاج، بحسب أندي فوجان، الممرضة الأمريكية التي كانت من بين الطاقم الطبي.
وقالت فوجان في مقابلة أجريت يوم إخلاءها: "هذا جنون. هذا هو وضع نظام الرعاية الصحية"، مشيرة إلى أن إسرائيل تهدف إلى تدميره عمدًا.
ووثقت فوجان من سياتل وتعمل تطوعيًا مع الجمعية الطبية الأسترالية الفلسطينية النيوزيلندية منذ يوليو الماضي، رحلتها في مستشفى القدس عبر مقاطع فيديو، ونشرتها على مواقع التواصل الاجتماعي.. وشاركها عشرات الفيديوهات مع وكالة أسوشيتد برس التي تأكدت من صحتها خاصة بعدما أصبح المتطوعون في غزة، مثل فوجان، مصدرًا مهمًا للمعلومات، نظرًا لحظر إسرائيل وسائل الإعلام الأجنبية.
كما في المستشفيات الأخرى، يعاني مستشفى القدس من نقص في المياه والكهرباء والأكسجين. وقد تعرض قسم الأكسجين في المستشفى لإطلاق نار إسرائيلي.. وقبل الهجوم الأخير على مدينة غزة، بدأ العاملون في مستشفى القدس في إخراج المرضى غير الحرجة حالياً، خشية على سلامتهم، كما تقول فوجان، كما قاموا بتغيير مسار حركة المرور بعيدًا عن المستشفى بعد أن قصفت الطائرات المسيّرة الإسرائيلية المباني المحيطة، بحسب قولها.
وفي أحد المشاهد، تهتز غرفتها، ويغطي دخان كثيف نافذتها وفي مشهد آخر، من أحد طوابق المستشفى، يتوقف طفل يحمل زجاجة ماء كبيرة أثناء انفجار يهز جدران المستشفى.
في ليلة السبت، تعرضت قافلة كانت تقترب من المستشفى لإطلاق نار، ما أدى إلى إصابة مراهق بجرح سطحي في الرأس وربما كان هذا آخر مريض دخل مستشفى القدس، بحسب فوجان.
وفي اليوم التالي، رافقت فوجان الممرضات في وحدة رعاية حديثي الولادة حيث احتضنت إحدى الرضع - التي لم تبلغ من العمر 13 يومًا - لمحاولة تهدئتها بينما انخفض نبضها بشكل خطير مع استمرار الانفجارات القريبة، كما تقول فوجان.
ووثقت فوجان طابقًا فارغًا من المستشفى بعد إخلاءه حيث قالت فوجان في الفيديو الذي تم تصويره يوم الاثنين الماضي: "كانت الممرات في الطابق ممتلئة بالمصابين، أما الآن فقد أصبح المكان خالياً تماماً لأن جميع الموجودين اضطروا إلى الفرار".
وبهدف ضمان سلامتها، انتقلت فوجان إلى الطابق السفلي من المستشفى في ذلك اليوم، وفي اليوم التالي، بعد وقت قصير من مغادرة فوجان، أبلغها زملائها أن مركبات عسكرية إسرائيلية اقتربت من البوابة الجنوبية للمستشفى.
ويوم الخميس الماضي، صرّحت نبال فرسخ المتحدثة باسم جمعية الهلال الأحمر الفلسطيني التي تدير مستشفى القدس، بأن المركبات الإسرائيلية حاصرت المستشفى، مما "قيد حركة الموظفين والمرضى بشكل كامل" بينما قصفت الطائرات المسيرة المستشفى والمنشآت المجاورة.
ويقول خبراء دوليون إن مدينة غزة تعاني من المجاعة حيث أغلقت إسرائيل معبر الحدود مع شمال غزة منذ 12 سبتمبر الجاري، ما منع وصول شحنات المساعدات إلى المدينة.
وتسعى منظمات الإغاثة لإيصال الإمدادات من الجنوب، عبر طرق خطرة، مع قيام إسرائيل بتقييد حركتها بشكل متزايد، وفقًا للأمم المتحدة.
وخلال الأسبوع الماضي، دمرت الغارات الإسرائيلية ما لا يقل عن عيادتين في أطراف مدينة غزة، وأجبرت اثنتين أخريين على الإغلاق، بما في ذلك مستشفى للأطفال ومركز متخصص لأمراض العيون، وفقًا للأمم المتحدة.
وقالت الأمم المتحدة إن 27 مركزًا طبيًا ومركزًا للرعاية الصحية الأولية في غزة، وبعضها مهم في علاج سوء التغذية، اضطروا إلى تعليق أو إيقاف خدماتهم في سبتمبر الجاري.
وفر ما يقارب 100 مريض من مستشفى الشفاء الرئيسي في غزة يومي الأربعاء والخميس مع اقتراب الدبابات الإسرائيلية. ومن خوفهم من الوقوع في غارة، امتنع العديد من الموظفين عن الذهاب إلى العمل.
وقالت الأمم المتحدة وبعض منظمات حقوق الإنسان إن إسرائيل تستهدف المستشفيات بشكل ممنهج، من خلال القصف المباشر وحصارها والاعتداء عليها.
0 تعليق