بعد أكثر من ثلاثة عقود على اكتشافها مهشمة في الصين، كشفت إعادة تكوين رقمية لجمجمة بشرية عمرها مليون عام عن أسرار قد تقلب نظريات التطور البشري رأساً على عقب. فوفقاً لدراسة حديثة نُشرت في مجلة "Science" المرموقة، تشير الجمجمة إلى أن أسلافنا تباعدوا إلى سلالات مختلفة قبل 400 ألف عام مما كان يُعتقد سابقاً، وأن هذا الفصل الحاسم في قصة البشرية ربما لم يحدث في أفريقيا، بل في آسيا.
خلفية: "يونشيان 2".. جمجمة مهشمة تكشف أسرارها بعد 35 عاماً
عُثر على الجمجمة، التي أُطلق عليها اسم "يونشيان 2"، في مقاطعة يون الصينية عام 1990، وظل يُعتقد لعقود أنها تعود إلى سلف بشري معروف باسم "الإنسان المنتصب" (Homo erectus). لكن بسبب حالتها المهشمة، كان من الصعب دراسة سماتها بشكل كامل.
والآن، استخدم فريق دولي من الباحثين تقنيات متطورة، تشمل التصوير المقطعي المحوسب وإعادة التكوين الافتراضي، لبناء نموذج ثلاثي الأبعاد دقيق وكامل للجمجمة لأول مرة.
مزيج فريد من السمات.. وحل للغز "فوضى المرحلة الوسيطة"
وكشف النموذج الرقمي عن "مزيج مختلف ومفاجئ من السمات". فبينما احتفظت الجمجمة ببعض الخصائص البدائية للإنسان المنتصب (مثل بروز الوجه السفلي)، أظهرت في الوقت ذاته سمات أكثر حداثة، وأهمها سعة دماغ أكبر، مما يجعلها أقرب إلى أنواع لاحقة مثل "الإنسان العاقل" (Homo sapiens).
ويقول عالم الأنثروبولوجيا المشارك في الدراسة، كريس سترينغر، إن "يونشيان 2 قد يساعد في حل ما يسمى "فوضى المرحلة الوسيطة""، وهو مصطلح يصف الغموض الذي يكتنف السجل الأحفوري البشري في الفترة ما بين مليون و300 ألف عام مضت.
هل جاء أسلافنا من آسيا؟.. نظرية "الخروج من أفريقيا" على المحك
ولعل النتيجة الأكثر إثارة للجدل في الدراسة هي أنها تنسف الافتراض الراسخ بأن البشر الأوائل انتشروا انطلاقاً من أفريقيا. فوجود سلف بشري بهذه السمات المتقدمة في الصين قبل مليون عام، يشير إلى أن الانقسام التطوري الذي أدى في النها-ية إلى ظهور الإنسان العاقل ربما حدث في شرق آسيا.
ويعلق مايكل بيتراغليا، مدير المركز الأسترالي لأبحاث التطور البشري (وهو غير مشارك في الدراسة)، لوكالة فرانس برس قائلاً: "من المحتمل أن تنطوي هذه النتائج على تغيير كبير، إذا بات لمنطقة شرق آسيا دور رئيسي في تطور أشباه البشر".
وهكذا، تفتح هذه الجمجمة الصينية القديمة الباب أمام أسئلة جديدة وجريئة حول أصولنا، وتؤكد، كما يقول سترينغر، أنه "لا يزال أمامنا الكثير لنتعلمه عن أصولنا".
0 تعليق