هل تستجيب تركيا لدعوة ترامب وقف شراء الطاقة من روسيا؟ - البطريق نيوز

0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

تركيا في لقاء جمع الرئيس الأميركي دونالد ترامب بنظيره التركي رجب طيب أردوغان في البيت الأبيض قبل أيام، وجّه ترامب دعوة مباشرة لأنقرة لوقف استيراد النفط والغاز من روسيا، معتبرا أن ذلك سيكون "أفضل ما يمكنها فعله" للضغط على موسكو وإنهاء حربها في أوكرانيا.

وربط ترامب هذه الدعوة بإمكانية رفع العقوبات المفروضة على تركيا وإعادة فتح الباب أمام حصولها على مقاتلات "إف-35″، مؤكدا ثقته بأن أنقرة ستستجيب للطلب، وأوضح أن استمرار تدفق أموال الطاقة إلى روسيا يمول عملياتها العسكرية، داعيا حلفاء واشنطن إلى اتخاذ خطوات مماثلة.

موسكو تتمسك بشراكتها مع أنقرة

وجاء الرد الروسي سريعا على تصريحات ترامب، إذ شدّد المتحدث باسم الكرملين ديمتري بيسكوف على أن تركيا "دولة ذات سيادة" تحدد بنفسها شركاءها في مجالات التعاون الاقتصادي، مؤكدا أن أنقرة ستواصل تجارتها مع موسكو متى رأت في ذلك فائدة لمصالحها.

وأضاف أن خطّي أنابيب الغاز "ترك ستريم" و"بلو ستريم" يواصلان العمل بكامل طاقتهما دون انقطاع، في رسالة واضحة بأن تدفق الغاز الروسي إلى تركيا مستمر كما هو.

هذه المواقف التي صدرت بعد ساعات قليلة من لقاء أردوغان وترامب عكست إصرار موسكو على تثبيت موقعها شريكا موثوقا لتركيا، مشيرة إلى ما وصفه بيسكوف بالعلاقات البناءة التي تربط الرئيسين فلاديمير بوتين ورجب طيب أردوغان.

وفي السياق ذاته، رأت المتحدثة باسم الخارجية الروسية ماريا زاخاروفا أن لهجة ترامب الحادة تجاه روسيا تندرج ضمن "تكتيك تفاوضي" يهدف إلى ممارسة ضغوط سياسية.

افتتاح خط أنابيب "ترك ستريم" الذي يرسخ اعتماد أنقرة على الغاز الروسي (الفرنسية)

أنقرة بين الضغط والحاجة

واختارت أنقرة التزام الحذر عقب لقاء البيت الأبيض، إذ لم تُعلن عن أي تغيير في سياستها تجاه واردات الطاقة الروسية. ونقلت وسائل إعلام عن مصدر دبلوماسي تركي تأكيده أن سياسة بلاده حيال النفط الروسي ما زالت على حالها، وأنه لم يُتخذ أي قرار جديد بهذا الخصوص.

إعلان

ورغم عضويتها في حلف شمال الأطلسي، امتنعت أنقرة عن الانضمام إلى العقوبات الغربية على موسكو منذ اندلاع الحرب الأوكرانية عام 2022، مبررة ذلك باعتمادها الكبير على الطاقة الروسية، فضلا عن أهمية السياحة والاستثمارات الروسية في اقتصادها.

وفي هذا السياق، يرى المحلل السياسي مراد تورال أن دعوة ترامب لأنقرة بوقف استيراد الطاقة من روسيا تحمل في جوهرها رسالة ضغط أكثر من كونها مقترحا عمليا، مشيرا إلى أن واشنطن تسعى لإعادة إدماج تركيا في سياستها تجاه موسكو عبر إغراءات مثل صفقة مقاتلات "إف-35" وتخفيف العقوبات. لكنه يعتقد أن الاستجابة الكاملة ستضع أنقرة تحت رحمة بدائل غربية قد لا تضمن أسعارا مستقرة أو إمدادات كافية.

ويؤكد تورال في حديث للجزيرة نت أن أي خفض ملموس في الواردات الروسية سيفسر في موسكو على أنه انحياز إستراتيجي لواشنطن، ما قد يهز الثقة التي بناها أردوغان وبوتين في ملفات حيوية كالتعاون النووي، رغم إدراك روسيا لمدى حاجة تركيا إلى طاقتها.

وبحسب رأيه، ستسعى أنقرة إلى استخدام الضغوط الأميركية كورقة تفاوضية بدلا من الاستجابة المباشرة، عبر إظهار انفتاحها على تقليص الاعتماد على روسيا مقابل مكاسب اقتصادية ودفاعية، مع الحرص في الوقت نفسه على طمأنة موسكو بعدم المساس بالشراكة الإستراتيجية.

اعتماد تركي واسع

وتواجه تركيا صعوبة بالغة في تقليص اعتمادها على النفط والغاز الروسيين، إذ تشير الأرقام إلى أن أي انفصال سريع عن موسكو غير ممكن عمليا دون تكلفة باهظة.

فقد حافظت روسيا خلال عام 2024 على موقعها كمصدر رئيسي للطاقة بالنسبة لأنقرة، حيث شكلت نحو 65% من إجمالي واردات تركيا النفطية خلال الـ11 شهرا الأولى من العام، لتكرّس موقعها كأكبر مزود للنفط الخام إلى السوق التركية.

كما باتت أنقرة في السنوات الأخيرة أكبر مشترٍ للوقود الروسي في أوروبا، مستفيدة من أسعار الخام المخفضة بعد استبعاده من الأسواق الغربية.

أما في قطاع الغاز، فتشكل الإمدادات الروسية نحو 40% من إجمالي الواردات التركية بحسب هيئة تنظيم سوق الطاقة التركية لعام 2023.

ويصل هذا الغاز عبر خطي "السيل الأزرق" و"ترك ستريم" الممتدين تحت البحر الأسود بطاقة تتجاوز 30 مليار متر مكعب سنويا، إلى جانب ارتباط أنقرة بمشاريع إستراتيجية مع موسكو أبرزها محطة "أكويو" النووية التي تنفذها شركة "روساتوم" بتكلفة تصل إلى 20 مليار دولار.

A worker carries out a routine check in a natural gas control centre of Turkey's Petroleum and Pipeline Corporation, 35 km (22 miles) west of Ankara, January 5, 2009. The European Union on Monday scheduled talks with Russia to press for a speedy resolution of a dispute with Ukraine that has hit gas supplies to countries in eastern and southern Europe facing freezing temperatures. Turkey has increased gas delivered direct from Russia via the Blue-Stream pipeline under the Black Sea to compensate for a slight decline in supplies coming via Ukraine, an official said. REUTERS/Umit Bektas (TURKEY)
عامل يجري فحصًا روتينيًا في مركز تحكم الغاز التابع لمؤسسة أنابيب البترول التركية قرب أنقرة في وقت يعكس اعتماد أنقرة على خط "بلو ستريم" لتعويض تراجع إمدادات الغاز الروسي عبر أوكرانيا (رويترز)

بدائل محدودة

وأمام اعتمادها الكبير على روسيا، تسعى أنقرة إلى تنويع مصادر الطاقة، غير أن البدائل المتاحة لا تبدو ذات أثر ملموس على المدى القصير. ففي مجال النفط، يعد العراق أبرز الخيارات الإقليمية، إذ أُعيد تشغيل خط الأنابيب بين كردستان العراق وميناء جيهان بعد توقف طويل ليستأنف تصدير مئات الآلاف من البراميل يوميا، وإن ظل دون طاقته السابقة وبحاجة إلى تنسيق مستمر مع بغداد.

كما تبحث تركيا عن بدائل إضافية من إيران ومنتجي الخليج وأفريقيا، إلا أن هذه الخيارات تحتاج إلى وقت واستثمارات لتفعيلها.

إعلان

وفي قطاع الغاز، تعمل أنقرة على توسيع بنيتها التحتية لاستقبال الغاز المسال، إذ وقعت عقودا طويلة الأمد مع شركات أميركية وأسترالية، إلى جانب تعزيز وارداتها الفورية من الولايات المتحدة وقطر والجزائر ونيجيريا، التي لبّت نحو ربع احتياجاتها العام الماضي. ومع ذلك، تبقى هذه الجهود محدودة أمام الاعتماد الكبير على الغاز الروسي الذي لا يزال ركيزة أساسية في مزيج الطاقة التركي.

" frameborder="0">

اعتماد معقد

من جانبه، يرى المحلل الاقتصادي عمر أكوتش أن تقليص اعتماد تركيا على الطاقة الروسية في المدى القريب أمر غير واقعي، نظرا لكون هذا الارتباط تراكم عبر عقود طويلة وشبكة واسعة من البنى التحتية المهيأة تخصيصا لاستيعاب الإمدادات الروسية.

ويشير إلى أن أي محاولة للفكاك السريع ستواجه عقبات فنية ولوجستية تجعلها بالغة الصعوبة.

وبحسب حديثه للجزيرة نت، فإن البدائل المتاحة رغم أهميتها، لا تكفي لتعويض النقص المحتمل، فضلا عن كونها أكثر كلفة وتتطلب استثمارات إضافية، وهو ما قد يضع أعباء مالية مباشرة على الاقتصاد التركي.

ويعتقد أكوتش أن الاستجابة الفورية للمطلب الأميركي ستؤدي إلى ارتفاع أسعار الطاقة داخليا بشكل ملحوظ، بما يفاقم الضغوط التضخمية ويزيد تكاليف الإنتاج، إلى جانب فقدان أنقرة لميزة إعادة تصدير المنتجات النفطية المكررة إلى الأسواق الأوروبية.

0 تعليق