Published On 30/9/202530/9/2025
|آخر تحديث: 22:08 (توقيت مكة)آخر تحديث: 22:08 (توقيت مكة)
بآلاته التي تُحدِث هديرا يصمّ الآذان، يضرب وليام سميث قماش الكتان لإضفاء لمسة نهائية لامعة عليه، وهو آخر شخص في العالم لا يزال يُجيد هذه التقنية الأيرلندية التراثية.
وفي معمله الواقع في أبرلاندز، وهي قرية تبعد 70 كيلومترا غرب بلفاست عاصمة أيرلندا الشمالية، يعبّر هذا الحرفي البالغ 59 عاما عن فخره بأداء "العمل اليدوي نفسه" الذي كان ينجزه أسلافه، والمتمثل في شد خيوط الكتان لزيادة سماكة القماش ومنحه ملمسا حريريا.
وعلى مدار أكثر من قرن "لم يجد أحد حلّا يُسهّل المهمة، أو يؤدي إلى الحصول على هذه اللمسة النهائية" حسب ما يوضح سميث لوكالة الأنباء الفرنسية بصوت مرتفع يعلو على ضجيج الورشة.
ولجعل القماش أقوى ومنحه لمعانا براقا، يتطلّب الأمر ما يصل إلى 140 ساعة من المعالجة على آلة قديمة تُعدّ من بقايا قطاع تصنيع الكتّان الأيرلندي الذي كان مزدهرا في السابق.

وتدق نحو 40 مطرقة خشبية عملاقة تُشبه المطارق اليدوية -بلا توقف- على لفائف الكتان المنسوجة والرطبة والمنقوعة في النشا، وهي تدور ببطء على الآلة.
وفي الماضي، كانت "معامل الكتان منتشرة على طول الأنهر في مختلف أنحاء إيرلندا، لكنّ معمل سميث هو الأخير "لإنتاج هذا النوع من الكتان" حسب قول أندرو ويلسون مدير شركة زراعية والذي استثمر بالشركة الأم للمعمل وهي "وليام كلارك وأبناؤه" للنسيج.
وقد تأسست الشركة عام 1736، ووُضعت تحت الإدارة القضائية نهاية عام 2024، وكان "شِبه مؤكد أنّ خبرة وليام (سميث) على وشك الزوال" وفق ويلسون.
ومع ذلك، أبدت دور أزياء فاخرة -بالإضافة إلى مصممين شباب- اهتماما متجدّدا بهذا النوع من المواد في السنوات الأخيرة، نظرا لاعتباره أكثر استدامة.
وزُوّدت دار ألكسندر ماكوين والمصممة الأيرلندية الشمالية آمي أندرسون من "كيندرد أوف إيرلند" بالنسيج المُنتج في المبنى الحجري الواقع على ضفاف نهر هادئ.

عاصمة الكتان
تعمل 3 آلات حاليا، ويحرص سميث على "ألا ينزلق" القماش وألا تتكوّن عليه أي طيّات خلال دورانه على البكرات.
إعلان
وقد تولى هذا الحرفي -الذي يعمل في مجال الكتّان منذ 40 عاما- مسؤولية المعمل قبل 5 سنوات، ويُعدّ اليوم آخر "ضارب" يُتقن هذا الفن التقليدي.
ومع بزوغ الفجر، يبدأ بتحميل الأقمشة وتفريغها على الآلات، وهي مهمة متكررة ومنفردة، لكنها تُثير حماسته لأنه يحب "رؤية القماش يتغيّر ويتحول إلى قطعة كتان جميلة".
وبعد انتهاء عملية الضرب، يقوم الحرفي بفرد لفائف القماش على عوارض سقف المصنع، حيث تُترك لتجفّ لمدة شهر تقريبا. وبعدها، تمرّر على الآلة لتسوية النسيج وتنعيم الطيات.
وقد ازدهرت صناعة الكتان التي نشأت في أيرلندا خلال القرن الثـ18، بسرعة لدرجة أنّ مدينة بلفاست لُقبت بـ"لينينوبوليس" في القرن التالي، وصدّرت مفارش وقمصانا ومناديل إلى مختلف أنحاء العالم.

وفي المناطق الريفية والقرى مثل أبرلاندز، كان المزارعون ينتجون هذا النبات الذي كانت أليافه تُنسج وتُبيّض وتُصبغ بالقرب من مصانع على ضفاف الأنهار.
ولكن هذه الصناعة تراجعت في القرن العشرين عندما استُعيض عن إنتاج هذا النسيج الطبيعي -الذي يتطلب جهدا كثيفا- بألياف صناعية أرخص.
ونجحت شركة "وليام كلارك وأبناؤها" في الاستمرار بفضل حفنة من الزبائن الأوفياء، من بينهم خياطون من سافيل رو في لندن ومشترون من اليابان، بحسب مديرها الإداري كيفن ديفلين.
ويُستخدم الكتّان الذي تُنتجه الشركة خصوصا في بطانة البذلات الفاخرة. ويؤكد ديفلين للوكالة الفرنسية "إذا كنتم تريدون لأكمام البذلة أن تدوم طويلا، فهذه هي المادة المثالية".
ويقول ديفلين "نأمل أن يُقدّر عدد إضافي من المصممين لمسته النهائية والجانب التراثي له" مع أنه أغلى من الكتان العادي.
ويتمثل الهدف النهائي في توظيف متدرب لمساعدة سميث الذي يقارب الستين من عمره.
ويقول "علينا إيجاد الشخص المناسب، الذي يمتلك شغفا بهذه الطريقة التقليدية، ولا يثنيه العمل اليدوي الشاق أو هدير الآلات".
0 تعليق