كتبت بديعة زيدان:
استضاف معرض عمان الدولي للكتاب، مساء أول من أمس، ندوة ثقافية بعنوان "المرجعي والتخيلي في الرواية التاريخية"، جمعت نخبة من الروائيين العرب لمناقشة العلاقة المعقدة بين الوثيقة التاريخية والخيال الإبداعي في كتابة الرواية.
شارك في الندوة كل من الروائية الأردنية سميحة خريس، والروائية التونسية د. أميرة غنيم، والروائي المصري أحمد المرسي، فيما أدار الحوار الكاتب والصحافي الأردني إبراهيم العامري.
تناولت الندوة المحاور الأساسية التي تشكل تحدياً ومتعة في آن واحد لكاتب الرواية التاريخية، حيث سار الحوار على خيط رفيع بين ضرورة الأمانة للحدث التاريخي وحرية الكاتب في ملء الفراغات وتخيل ما لم تسجله كتب التاريخ.
افتتحت د. أميرة غنيم الحديث بالتأكيد على أن الكتابة الروائية التي تستند إلى وقائع وشخصيات تاريخية هي "مسيرة على حبل مشدود"، موضحة أن الكاتب يواجه خطرين رئيسين: إما أن يميل كليّاً نحو المرجع التاريخي فيقع في فخ "التوثيق" الذي يعيد كتابة التاريخ، أو يميل كليّاً نحو الخيال فيتهم بـ "التزييف".
ووجدت غنيم أن الوثيقة التاريخية يجب أن تكون سنداً للكاتب لا قيداً عليه، مشيرة إلى تجربتها في رواياتها "نازلة دار الأكابر"، التي استلهمت شخصيات تاريخية تونسية، حيث أكدت أنها قرأت كل ما يمكن الوصول إليه حول الشخصية، لكنها اختارت أن تكتب في المساحات التي سكت عنها التاريخ، قائلة: "الوثيقة لا تقول كل شيء، هناك ثقوب في قطعة الجبن، والروائي يشتغل داخل تلك الثقوب".
من جانبها، أكدت الروائية سميحة خريس أن الكاتب لا يعود إلى التاريخ لإعادة سرده، بل لأن هناك "ما استفزه في الحكاية التاريخية"، موضحة أن دور الروائي تقديم قراءة مختلفة للأحداث، وإعطاء صوت للشخصيات التي لم يكتب عنها أحد.
واستشهدت بتجربتها في رواية "الفردوس" التي تناولت مرحلة النهضة العربية الكبرى، حيث وجدت أن كل الأطراف السياسية والعسكرية كتبت روايتها، لكن صوت "المحارب البسيط" الذي كان وقود هذه الثورة غاب تماماً.
وشدّدت: "أردت أن أكتب قراءتي لما حدث، وأن أكون صوت الناس الذين لم يكتب عنهم أحد"، مضيفة إن الوثيقة تستخدم لدعم النص دون أن تطغى عليه، معتبرة أن "رواية الروائي أصدق من رواية المؤرخ" لما تحمله من أبعاد إنسانية مختلفة.
الروائي أحمد المرسي رأى أن التاريخ في جوهره "رواية" أو "سردية" تعتمد على وجهة نظر من كتبها، مؤكداً أن مهمة كاتب الرواية التاريخية هي أن "يُؤنسن التاريخ" ويقدمه في شكله الإنساني بعيداً عن السرديات الوطنية أو الدينية المؤدلجة.
وأشار المرسي إلى أن الروائي ملزم بالوقائع الأساسية لكنه يمتلك حرية التأويل وتقديم رؤى مختلفة، قائلاً: "مهمة الكاتب الروائي هي أن يعطي سلطة إنسانية حقيقية على التاريخ"، لافتاً إلى أن الروائي يبدأ كمؤرخ ببحثه في الوثائق، لكنه ينتهي كروائي يمنح الشخصيات والأحداث بعدها الإنساني العميق.
تطرقت حواريّات الندوة إلى مدى تأثير الرواية التاريخية على وعي المتلقي، حيث أجمعت الآراء على أن الرواية لا تقدم حقيقة معرفية مطلقة، بل تفتح الباب أمام القارئ لإعادة التفكير في التاريخ والبحث عن مصادر أخرى، بحيث أشارت غنيم إلى أن الرواية تقدم "دعوة مفتوحة" للقارئ لملء الفراغات بنفسه، بينما أكدت خريس على أن بعض الروايات قد تدفع القارئ للبحث والتحقق من المعلومة.
وفي ختام الندوة، اتفق المشاركون على أن المتعة تظل شرطاً أساسياً لنجاح أي عمل روائي، بما في ذلك الرواية التاريخية، مؤكدين أن النص الذي لا يمتّع القارئ يفقد قدرته على التأثير، وأن المعادلة الصعبة تكمن في تقديم المعرفة التاريخية والرؤية الفكرية في قالب فني ممتع ومؤثر، ما يجعل القارئ يتعلم دون أن يشعر بأنه يتلقى دروساً.
0 تعليق