كتب محمد الجمل:
واصلت "الأيام" رصد مشاهد جديدة من العدوان الإسرائيلي المتواصل على قطاع غزة، ووثقت أبرز أشكال المعاناة الناجمة عن تصاعد العدوان.
ومن أبرز المشاهد الجديدة التي رصدتها "الأيام"، مشهد يُوثق زرع الاحتلال قنابل في منازل المواطنين بمدينة غزة، ومشهد آخر تحت عنوان: "محور موراغ.. القتل بدم بارد"، ومشهد ثالث يرصد حظر الاحتلال وصول عشرات المنتجات الغذائية للقطاع.
زرع قنابل في المنازل
بدأ الاحتلال بتنفيذ أسلوب قتل وترويع جديد ضمن عدوانه المُستمر على مدينة غزة، يتمثل في زرع عشرات القنابل على أسطح ونوافذ وشرفات المنازل في بعض أحياء المدينة، ثم تفجيرها بشكل متزامن بوساطة التحكم عن بُعد، ما يوقع ضحايا، ودماراً كبيراً، وينشر حالة من الرعب والخوف في صفوف المواطنين.
فقد شهد فجر الإثنين الماضي تفجير أكثر من 50 قنبلة بشكل متزامن بعد وقت قصير من زرعها بوساطة طائرات مُسيّرة "كواد كابتر"، على أسطح منازل متفرقة في مدينة غزة، تركزت في منطقتي "السامر ومحيط الخدمة العامة".
وأكدت مصادر محلية وشهود عيان، أنه طوال ليلة الأحد الإثنين، قامت طائرات مُسيّرة بنقل عشرات القنابل وزرعها في منازل المواطنين، وفجأة جرى تفجير القنابل بشكل متزامن.
وأشار مواطنون من سكان وسط مدينة غزة، إلى أنهم استيقظوا في ساعة مبكرة من فجر الإثنين على دوي انفجارات كبيرة، كانت أشبه بعاصفة من التفجيرات، وعم الغبار والدخان المنطقة، وعلا صراخ النساء والأطفال من داخل المنازل، في مشهد صعب.
وقال المواطن هشام النجار، إن ما يحدث في مدينة غزة جرائم قتل وترويع غير مسبوق، والهدف أصبح واضحاً، وهو دفع مَن تبقى من سكان في مدينة غزة إلى النزوح.
وأوضح النجار أن الأسلوب الجديد لترويع السكان أقل ما يوصف بأنه فظيع، فالناس نائمون في بيوتهم، ودون أن يشعروا يتم زرع وتوزيع القنابل على أسطح بناياتهم، وفي شرفاتها، وفجأة يجدون التفجيرات في كل مكان.
ولفت أن المواطنين في مدينة غزة يعيشون حالة من القلق والرعب، ولا يعرفون من أين يتلقون القتل والتفجيرات، من الطائرات المسيّرة، أم الحربية، أم من الدبابات التي تتقدم، أو حتى العربات المفخخة التي يتم زرعها وسط الأحياء السكنية.
وسبق أن عبّر جيش الاحتلال عن غضبه لعدم تمكنه من إخلاء مدينة غزة من السكان، حيث يقدّر عدد من بقوا في المدينة بين 500 و600 ألف، من أصل مليون شخص كانوا يعيشون فيها قبل شهرين.
"محور موراغ".. القتل بدم بارد
بات "مفترق موراغ"، شمال مدينة رفح، جنوب القطاع واحداً من أكثر المناطق التي تشهد سقوط شهداء وجرحى بشكل يومي، جميعهم من طالبي المساعدات، الذين يصلون إلى تلك المناطق سعياً للحصول على المساعدات، خاصة الطحين.
ووفق روايات متطابقة لعدد من الشبان الذين يتوجهون إلى تلك المنطقة بشكل يومي، فإن ما يحدث هناك عمليات قتل بدم بارد، تصل إلى الإعدامات الميدانية لشبان عُزل، لا يشكلون أي خطر على جنود الاحتلال.
وأكد أطباء وطواقم طبية في مستشفى ناصر الحكومي، أن المستشفى يتلقى يومياً عدداً كبيراً من الضحايا الذين يصلون من منطقة "موراغ"، بعضهم مصابون بجروح خطيرة، مشيرين إلى أن القناصة يطلقون رصاصاً متفجراً من عيارات ثقيلة، ما يؤدي إلى إصابات مضاعفة، تحتاج إلى علاج ورعاية طبية مكثفة.
وذكر الشاب محمد العبسي، أنه توجه برفقة شقيقه الأصغر شادي إلى "محور موراغ"، لجلب كيس طحين لعائلته، واتفق مع شقيقه أن يصعد فوق الشاحنة، وينتظره هو في الأسفل، ويلقي له الطحين ثم يغادران.
وأوضح أنه وبمجرد أن صعد شقيقه على متن الشاحنة برفقة شاب آخر، صوّب قناص إسرائيلي الرصاص باتجاههما، فأصيب شقيقه في صدره، والشاب الآخر في رأسه، واستشهد كلاهما على الفور.
وبيّن أنه وخلال محاولته إنزال شقيقه عن الشاحنة، تواصل إطلاق الرصاص باتجاه الشبان في المنطقة، وسقط المزيد من الضحايا، ما اضطره للاختباء بعض الوقت تحت الشاحنة، حتى استطاع نقل شقيقه ومغادرة الموقع.
ولفت إلى أن مصدر الرصاص كان من جنود يعتلون تلة تبعد عن مكان تجمع الشبان أكثر من 700 متر، ولا يشكلون عليهم أي خطر، ويبدو أن الأمر حدث بغرض التسلية، فلم يكن هناك أي مبرر لقتل الشبان.
ووفق تقرير سابق لصحيفة "هآرتس" العبرية، أكد ضباط وجنود إسرائيليون تلقيهم تعليمات مباشرة بإطلاق النار على الفلسطينيين قرب مراكز تقديم المساعدات في قطاع غزة، وأن أوامر إطلاق النار صدرت عن قادة في الجيش لإبعاد الفلسطينيين عن مراكز المساعدات، مؤكدين أن الفلسطينيين لم يكونوا مسلحين ولم يشكلوا أي تهديد لأحد، لكنهم مع ذلك تلقوا الأوامر بإطلاق النار.
وقال أحد الجنود للصحيفة إن "قتل المدنيين الباحثين عن المساعدات في غزة أصبح أمراً روتينياً بالنسبة للجيش الإسرائيلي، حيث لا يحتاج القادة إلى تبرير الحاجة لإطلاق الذخائر على الفلسطينيين".
حظر وصول عشرات المنتجات الغذائية
رغم ترويج الاحتلال لفتح المعابر والسماح للمساعدات والسلع بدخول قطاع غزة، إلا أن هناك حظراً غير مُبرر على أصناف واسعة من السلع الغذائية والاستهلاكية، التي بات القطاع بأمسّ الحاجة إليها، في حين هناك تقنين متعمد بوصول أصناف أخرى من السلع، ما تسبب برفع أسعارها على نحو كبير.
فلا يزال الاحتلال يمنع منذ بداية آذار الماضي وصول الدواجن بجميع أنواعها، وكذلك بيض المائدة، واللحوم الحمراء، وجميع منتجات الألبان، بينما يقنن بشكل كبير وصول الخضراوات والفواكه، والشكولاته، والبسكويت، ما جعل أسعارها مرتفعة للغاية، تزيد على 1000% عن ثمنها الطبيعي.
وأكد باعة وتجار في الأسواق أن ما يحدث تغيير في شكل الحصار، وليس تخفيفه كما يزعم الاحتلال، فالسلع الغذائية انقسمت إلى قسمين، الأول سلع يمنع وصولها للقطاع، والآخر سلع سُمح بدخولها للقطاع، لكن يتم بيعها بأسعار عالية جداً.
وبيّن البائع مدحت شحادة، أن السلع والبضائع في السوق ما زالت شحيحة، وأسعارها عالية، ولم تعد أي سلعة إلى الأسعار التي كانت سائدة في شهر شباط الماضي، فالسكر استقر عند 12 شيكلاً للكيلو الواحد، وهو أعلى بنحو 300% عن سعره الحقيقي، بينما ما زالت أسعار باقي السلع مرتفعة جداً.
وأوضح أن الاحتلال يحاول إغراق القطاع بالمعلبات من جميع الأصناف، خاصة الفواكه، على حساب الفواكه الطازجة، وهذا أمر خطير، ويشكل مخاطر صحية مستقبلية على المواطنين، فالمعلبات تحتوي على مواد حافظة ومسرطنة، والإكثار منها غير مستحب طبياً.
وأشار شحادة إلى أن المواطنين في قطاع غزة يتوقون للفواكه الطازجة، والألبان، والدجاج، والأسماك، والكثير من السلع التي ما زالت مفقودة في الأسواق، موضحاً أن الاحتلال ينتهج سياسة التقنين، بحيث يتم فقد السلع من الأسواق بعد أيام قليلة من إغلاق المعابر.
بينما قال المواطن أحمد شاهين إن الاحتلال يمارس سياسة الحرمان بطريقة بشعة، فمن ناحية يمنع وصول عدد كبير من السلع، ومن ناحية أخرى يتحكم في دخول الأنواع المسموحة، بحيث تظل بأسعار عالية، تكون في الغالب خارج قدرة المواطنين على شرائها.
وأكد شاهين أن نتيجة ذلك بقاء العائلات غير قادرة على توفير الطعام، خاصة في ظل توقف توزيع المساعدات من مؤسسات الأمم المتحدة، ما يضطرهم لإرسال أبنائهم إلى مراكز المساعدات، أو مناطق انتظار المساعدات وهي مناطق خطيرة، ما يُعرّضهم للموت.
0 تعليق