إدلب، الحسكة- كشفت إلهام أحمد، الرئيسة المشتركة لدائرة العلاقات الخارجية في "الإدارة الذاتية" بشمال شرق سوريا، عن محتوى رسائل قائد قوات سوريا الديمقراطية "قسد" مظلوم عبدي للرئيس السوري أحمد الشرع، عبر قائد القيادة المركزية الأميركية (سينتكوم) الجنرال براد كوبر، خلال زيارته الأخيرة إلى الحسكة ودمشق.
وأوضحت إلهام في حوار صحفي عقد مؤخرا أن الرسائل تركز على استعداد "قسد" الكامل للاندماج في مؤسسات الدولة السورية، مع اقتراح تشكيل لجان مشتركة وفرق عمل لتنفيذ خطوات تمهيدية لبناء الثقة بين الطرفين.
وفي إطار المفاوضات المستمرة لتطبيق اتفاق مارس/آذار 2025، الذي يهدف إلى دمج قوات قسد في الجيش السوري كقوة موحدة، أكد عبدي استعداد قسد لخطوات عملية تعزز الثقة المتبادلة، مع التركيز على الشراكة الأميركية كوسيط لضمان الاستقرار.

الاندماج الوطني
وقالت إلهام إن عبدي أكد أن "هذه الأمور التمهيدية والتي يمكن أن تشكل خطوات ثقة بيننا، نحن مستعدون للبدء بها"، مشيرة إلى أن الزيارة الأميركية تهدف إلى استكشاف آليات الاندماج وتعزيز الشراكة في مكافحة تنظيم الدولة الإسلامية.
وطالبت المسؤولة دمشق بالانضمام الرسمي إلى التحالف الدولي ضد تنظيم الدولة، معتبرة أن الحكومة السورية يجب أن تحسم موقفها في مكافحة الإرهاب.
وأشارت إلى أن الولايات المتحدة تكرر التأكيد على عدم بقائها إلى الأبد في سوريا، مما يستدعي تفاهمات داخلية سورية، مع إمكانية تعزيز الوجود الأميركي في المنطقة بعد إعادة تموضعه في العراق، في ظل الاتفاق الأولي في مارس/آذار 2025 الذي ركز على إعادة هيكلة الجيش كقوة واحدة.
وأعربت الحكومة السورية عن ترحيبها بالوساطة الأميركية لتعزيز الوحدة الوطنية، مع التأكيد على رفض أي شكل من أشكال التقسيم.
إعلان
وقال مصدر مقرب من الحكومة السورية للجزيرة نت إن "الحكومة أكدت خلال كل جولات التفاوض مع قسد ترحيبها بأي مسار من شأنه تعزيز وحدة وسلامة الأراضي السورية"، وأنها ثمنت جهود الولايات المتحدة المبذولة في رعاية تنفيذ هذا الاتفاق، انطلاقا من الحرص على استقرار البلاد ووحدة شعبها.
وأضاف المصدر، الذي فضل عدم الكشف عن هويته، أن الدولة السورية متمسكة بمبدأ "سوريا واحدة، جيش واحد، حكومة واحدة"، كما ترفض رفضا قاطعا أي شكل من أشكال التقسيم أو الفدرالية التي تتعارض مع سيادة الجمهورية العربية السورية ووحدة ترابها.
ولفت إلى أن الجيش السوري هو المؤسسة الوطنية الجامعة لكل أبناء الشعب السوري، وترحب الدولة بانضمام المقاتلين السوريين من "قسد" إلى صفوفها، ضمن الأطر الدستورية والقانونية المعتمدة.
وحذر قوات قسد من أن أي تأخير في تنفيذ الاتفاقات الموقعة لا يخدم المصلحة الوطنية، بل يعقد المشهد، ويعيق جهود إعادة الأمن والاستقرار إلى جميع المناطق السورية، معتبرا أن الرهان على أي مشاريع انفصالية خاسر.
مصالح مشتركة
ووصفت إلهام أحمد زيارة الشرع إلى نيويورك الأخيرة، حيث ألقى خطابا باسم سوريا أمام المجتمع الدولي لأول مرة منذ 1967، بأنها "خطوة مهمة" لإعادة دمج سوريا دوليا، لكنها شددت على ضرورة توضيح البرنامج السياسي للرئيس.
وفي إطار الالتزام باتفاق مارس/آذار 2025 ووقف إطلاق النار في مناطق مثل سد تشرين، شدد عبد الوهاب خليل، ممثل مجلس سوريا الديمقراطية، على حرص قسد منذ بداية الأزمة على الحفاظ على وحدة سوريا، مع التركيز على تحقيق اندماج تشاركي يحترم كافة المكونات الوطنية.
وأكد خليل في حديث للجزيرة نت أن "قوات سوريا الديمقراطية حرصت منذ اليوم الأول للأزمة السورية على حقن الدماء، وكان قبولها باتفاق العاشر من آذار خطوة جادة تهدف إلى الحفاظ على وحدة الأراضي السورية وصون حياة جميع السوريين".
وأوضح أن "قسد عملت باستمرار على طرح مفهوم الاندماج التشاركي في إطار بناء القوات العسكرية الوطنية، وأثبتت صدق نواياها من خلال خطوات عملية، أبرزها الالتزام بوقف إطلاق النار في سد تشرين والتوصل إلى اتفاق مشترك مع الحكومة الانتقالية".
ولفت إلى أن "قيادة قوات سوريا الديمقراطية بعثت عبر القيادة الأميركية (سينتكوم) رسائل واضحة إلى الحكومة الانتقالية، تضمنت الاستعداد الكامل للانضمام والاندماج ضمن الجيش السوري شرط أن يتم ذلك على أساس تشاركي يحترم خصوصية المكونات الوطنية بعيدا عن مبدأ الانصهار أو الانحلال".
وشدد خليل على أن "قسد تؤكد دوما جاهزيتها لمواصلة محاربة التنظيمات الإرهابية بالتعاون مع التحالف الدولي، معتبرة أن هذه الرسائل تمثل جسرا لبناء الثقة بضمانات أميركية وبادرة حسن نية للانخراط في عملية اندماج تشاركي حقيقي".
وفي خضم التحديات الدولية والإقليمية المحيطة باتفاق مارس/آذار 2025، يرى وليد جولي، الباحث السياسي في مركز فرات للدراسات، أن الرسائل -عبر سينتكوم-، تعكس ثوابت قسد الإستراتيجية، خاصة علاقتها بالتحالف الدولي ضد تنظم الدولة، مع رفض آليات دمشق غير المتوافقة مع هذه الثوابت.
إعلان
واعتبر جولي في حديث للجزيرة نت أن "الرسائل التي نُقلت على لسان قائد سينتكوم والتي كشفتها السيدة إلهام أحمد، هي إحاطة عامة بالعراقيل الدولية والإقليمية وتوضيح للثوابت لدى الإدارة الذاتية وقيادة قسد بأنه لا يمكن تجاوز هذه الثوابت".
وأضاف أن "المقصود بهذه الثوابت هو العلاقات الإستراتيجية مع التحالف الدولي، إذ إن سينتكوم لها أهمية بالغة في هذا الملف، حتى إن توم برّاك كان قد تحدث في إحدى الإحاطات بأن العلاقة مع قسد علاقة إستراتيجية، وسينتكوم هي الجهة المسؤولة عن هذا الملف".
وختم بالقول "قسد أعلنت استعدادها للانضمام، لكن ليس بالآليات التي تطرحها دمشق، لأن هناك مرجعية أساسية اسمها سينتكوم".
موقف تركي
وفي ظل التوترات الإقليمية، خاصة مع تركيا التي ترى في قسد امتدادا لـ"حزب العمال الكردستاني"، يحلل قتيبة فرحات، الباحث في الشؤون التركية، الرسائل كمحاولة لإعادة تدوير الاعتماد على الدعم الأميركي، مع دعم أنقرة للاندماج غير المشروط، والتركيز على محاربة تنظيم الدولة كأساس للتحالف الأميركي التركي.
وقال فرحات في حديثه للجزيرة نت إن تركيا تدعم فكرة اندماج قوات سوريا الديمقراطية (قسد) في الجيش السوري، لكنها ترفض طموحات قسد المدعومة أميركيا لتشكيل كتلة عسكرية مستقلة موازية للجيش السوري.
وأشار إلى أن هذا الموقف الطامح إلى استقلالية عسكرية مرفوض من قبل كل من الدولة السورية وتركيا. وأوضح أن الرسائل التي تبعثها قسد عبر القيادة المركزية الأميركية (سينتكوم) ليست سوى إعادة تدوير لموقفها المراهن على الدعم الأميركي المتقلب، مشيرا إلى غياب الجدية في هذه الرسائل أو أي ضغط أميركي حقيقي على قسد.
وأضاف أن الرسائل تركز بشكل رئيسي على التزام الدولة السورية بمحاربة تنظيم الدولة، وهو ما يشكل أحد أهم أسس التحالف الأميركي التركي.
وفي سياق متصل، أكد فرحات أن حضور الشرعية السورية في نيويورك يعزز مكانة سوريا كدولة محورية في الشرق الأوسط، مما يدفع دولا عدة إلى إبرام اتفاقيات معها وأخرى إلى تغيير سياساتها بما يتماشى مع المصالح المشتركة.
وأشار إلى أن هذا الواقع سيؤدي إلى تعاون دولي مع تركيا لنبذ قسد، ووقف الدعم عنها، ومطالبتها بالاندماج غير المشروط في الجيش السوري عبر التوجه نحو دمشق، وهو ما يتضح من سياسات دول مثل فرنسا وعدد من الدول الأوروبية.
0 تعليق