كتب محمد الجمل:
مازال العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة متواصلاً بوتيرة متصاعدة، مُترافقاً مع تصاعد الهجمات البرية والجوية، وارتكاب مزيد من المجازر والتضييق على المواطنين، خاصة في مدينة غزة.
"الأيام" واصلت رصد مشاهد جديدة ومتنوعة من قلب الحرب والمعاناة، منها مشهد يرصد تضييق الاحتلال الخناق على مدينة غزة وتشديد الحصار تدريجياً عليها، ومشهد آخر يرصد عودة مطابخ خيرية للعمل، وقيامها بتوزيع وجبات غذائية مجانية على النازحين في القطاع، ومشهد ثالث تحت عنوان: "عناصر الدفاع المدني هدف للاحتلال".
تضييق الخناق على مدينة غزة
دخل العدوان الإسرائيلي على مدينة غزة مرحلة جديدة، بعد إعلان الاحتلال تضييق الخناق على المدينة، ومنع أي شخص أو مركبة من العودة إليها، والسماح بحركة المغادرة من المدينة فقط.
وفي خطوة تمهّد لفرض حصار شامل على مدينة غزة، أعلن جيش الاحتلال إغلاق شارع الرشيد الساحلي أمام حركة المركبات والأفراد من الجنوب باتجاه مدينة غزة اعتباراً من الساعة الثانية عشرة من ظهر أول من أمس، مع إبقائه مفتوحاً أمام حركة المغادرة من المدينة، لمن لم يتمكن من مغادرتها، وفق بيان جيش الاحتلال، ما يعني منع الإمدادات من الوصول إلى المدينة، وسط مخاوف من حصار شامل قد تتعرض له المدينة في الأيام المقبلة.
ووصف مواطنون الخطوة بالخطيرة جداً، وهي عملياً بداية لعزل مدينة غزة عن باقي أنحاء القطاع، حيث كان شارع الرشيد يمثل شريان الحياة الوحيد للمدينة، ومن خلاله يتم إيصال الطعام والوقود من جنوب القطاع إلى مدينة غزة، والآن أي محاولة شخص أو مركبة السير على الشارع المذكور من الجنوب باتجاه الشمال تعني احتمال تعرضه للاستهداف.
وقال المواطن سعيد عمر الذي يعمل سائق شاحنة نقل عمومي، إن إغلاق شارع الرشيد باتجاه العائدين إلى مدينة غزة، يشكل أزمة ومشكلة كبيرة، فالشاحنات التي تنقل النازحين تعود إلى المدينة لجلب عائلات أخرى، والآن لن تتمكن من ذلك، والشاحنة التي تخرج من غزة ستبقى جنوب القطاع أو وسطه، ما يعني أن مَن يرغب بالنزوح من المدينة عليه أن يخرج مشياً على الأقدام.
وأشار عمر إلى أن غالبية الشاحنات وهي في طريق عودتها للمدينة، كانت تنقل مواد غذائية لتجار ومواطنين، ممن قرروا البقاء في المدينة، والآن لن يصل شيء إلى غزة، وهذا يعني أن سكان المدينة سيواجهون مجاعة في القريب العاجل، وهو نوع من الضغط الإضافي عليهم.
من جهته، اعتبر المواطن مصطفى نصر الله أن الاحتلال بدأ فعلياً بحصار مدينة غزة، والحصار المذكور سيمر بمرحلتين؛ الأولى التي أعلن الاحتلال عنها مؤخراً، بإغلاق جزئي لشارع الرشيد، والمرحلة الأخرى توقع أن تأتي في وقت لاحق، عبر احتلال كامل ممر "نتساريم"، وسيطرة جيش الاحتلال على شارع الرشيد، وأن يُجبر النازحون بعد ذلك على المرور عبر حواجز تفتيش تابعة للجيش، يتم من خلالها اعتقال البعض، وربما إعدام آخرين، كما حدث سابقاً على نفس المحور.
"تكايا" تعود للعمل
شكّلت عودة عشرات المطابخ الخيرية "التكايا" للعمل بارقة أمل للنازحين الفقراء، الذين باتوا يعتمدون على تلك المطابخ لتوفير الطعام اليومي لهم.
وتشهد المطابخ الخيرية في مختلف أنحاء قطاع غزة ازدحاماً كبيراً يومياً أمامها، إذ يصطف عشرات آلاف المواطنين، بينهم نساء وأطفال، وكبار، ومعهم أوانٍ فارغة، من أجل الحصول على حصة طعام.
وذكر المواطن عبد الرحيم الطويل أنه عاش أسوأ فصول المجاعة خلال الأشهر الماضية، وكان ينتظر بفارغ الصبر عودة "تكايا الطعام"، للعمل، وقد عادت مؤخراً، وشعر بفرحة كبيرة، لما تشكله هذه المطابخ من أهمية للفقراء، فهو وغيره يعتمدون عليها بشكل كبير.
وبيّن أنه يرسل نجليه كل يوم ومع كل منهما إناء فارغ، ويقفان في طابور طويل، ويعودان في الغالب ومعهما طعام، أحياناً أرز، وأحياناً عدس، وفي بعض الأحيان يكون الطعام بطاطا، أو باذنجان.
ولفت إلى أنه لولا "تكية الطعام" المتواجدة قرب المخيم الذي يُقيم فيه، لعانى من الجوع والعوز، وهي باتت مصدر الطعام الأساسي له ولعائلته، متمنياً أن يتم إدخال الدجاج واللحم، كي يطهو القائمون على "التكية" أنواعاً أفضل من الطعام، ما يُشكل تنوعاً جيداً.
بدوره، قال الشاب خالد مصطفى، أحد العاملين في "تكية طعام" خيرية بخان يونس، إنه ومنذ فتح المعابر، ودخول الطعام، زادت "التكية" التي يعمل فيها من كميات الطعام التي يجري إعدادها يومياً، كما أضاف القائمون عليها مخبزاً بلدياً خيرياً، يوزع الخبز مجاناً على عشرات الأسر النازحة بشكل يومي.
وأوضح مصطفى أن استمرار تحسّن عمل "التكية" رهن باستمرار دخول السلع والبضائع إلى أسواق القطاع، مع ضرورة السماح بإدخال أنواع مفقودة من الطعام، مثل الخضراوات، واللحوم، حتى يتم طهي أنواع أكثر تنوعاً، لكنهم يواجهون مشكلة في الوقود، ويضطرون لشراء الحطب بكميات كبيرة وأسعار مرتفعة لطهي الطعام، آملين بدخول غاز الطهي للقطاع، للتغلب على تلك المشكلة.
وأشار إلى أن عدداً كبيراً من المطابخ الخيرية في مختلف أنحاء القطاع عادت للعمل، وهي توزع يومياً عشرات آلاف الوجبات المجانية على النازحين، مشدداً على أهمية هذه المطابخ في توفير الأمن الغذائي في قطاع غزة.
عناصر "الدفاع المدني" هدف للاحتلال
رغم أن القوانين الدولية كافة تتيح لهم حرية الحركة حتى في ذروة الصراعات، وتحظر بشكل قاطع التعرض لهم أو لمعداتهم، إلا أن طواقم الدفاع المدني في قطاع غزة أصبحت هدفاً مباشراً للاحتلال منذ بداية حرب الإبادة. فخلال العامين الماضيين استشهد وأصيب العشرات من عناصر الدفاع المدني في هجمات مباشرة استهدفت طواقم الإنقاذ خلال تنفيذ مهمات إنسانية، أبرزها في مدينة رفح، خلال شهر آذار الماضي.
وقبل يومين استشهد العنصر في الدفاع المدني منذر رائد الدهشان، وأصيب عدد من زملائه بجروح، جرّاء قصف إسرائيلي استهدفهم في حي الزيتون جنوب شرقي مدينة غزة.
ووفق عناصر الدفاع المدني فإن وتيرة التعرض لهم واستهدافهم تصاعدت منذ بداية العدوان على مدينة غزة، قبل نحو شهر ونصف الشهر.
وذكر جهاز الدفاع المدني في غزة أنه ومنذ بداية العدوان عمل الاحتلال على استهداف وعرقلة عمل طواقم الدفاع المدني، ووضعها ومقدراتها ضمن دائرة الاستهداف، وقتل أكثر من 115 عنصر وضابط إنقاذ وإسعاف، جميعهم من كوادر الدفاع المدني، كما أصاب 350، واعتقل 33 عنصراً على الأقل، ودمّر 55 مركبة إنقاذ وإسعاف وتدخل سريع، واستهدف 14 مقراً ومركزاً من أصل 17 تمتلكها المديرية العامة للدفاع المدني في القطاع، ودمر كذلك مباني ومقدرات ومعدات تابعة للدفاع المدني تصل قيمتها إلى نحو 30 مليون دولار.
ووفق مدير الإمداد والتجهيز في الدفاع المدني محمد المغير، فإن استهداف طواقم الدفاع المدني، وتقييد عملها، يخالف المواد 61، 62، 63، 64، و65 من البروتوكول الإضافي، لملحقات اتفاقيات "جنيف الرابعة"، للعام 1977.
وحسب المغير فقد نصت المادة 62 من البروتوكول على: "يجب احترام وحماية الأجهزة المدنية للدفاع المدني وأفرادها، وذلك دون الإخلال بأحكام هذا الملحق ـ البروتوكول".
أما المادة 63 فنصت على ضرورة تلقي الأجهزة المدنية للدفاع المدني في الأراضي المحتلة التسهيلات اللازمة من السلطات لأداء مهامها، ولا يُرغم أفراد هذه الأجهزة، بأي حال من الأحوال، على القيام بأوجه نشاط تعيق التنفيذ السليم لمهامهم.
0 تعليق