عاجل

هل تعمّق القائمة السوداء الأممية من عزلة إسرائيل اقتصاديا؟ - البطريق نيوز

0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

القدس المحتلة- في تطور جديد يعيد ملف المستوطنات إلى واجهة الجدل الدولي، أعلنت المفوضية السامية للأمم المتحدة لحقوق الإنسان تحديث قاعدة بياناتها الخاصة بالشركات المتورطة في العمل داخل المستوطنات الإسرائيلية بالضفة الغربية والقدس الشرقية، والتي تعد غير شرعية بموجب القانون الدولي.

وشمل التحديث الأخير إدراج 68 شركة جديدة ليرتفع العدد الإجمالي إلى 158 شركة، معظمها إسرائيلية، في حين تم شطب 7 شركات بينها الفرنسية "ألستوم".

ويكتسب هذا التحديث أهمية خاصة في توقيته، إذ يأتي في ظل الحرب المستمرة على غزة وتصاعد التوترات في الضفة الغربية، مما يمنحه بعدا سياسيا إضافيا، ويرسخ الربط بين الاحتلال العسكري والاستغلال الاقتصادي.

وتسلط القائمة السوداء الأممية، التي تضم شركات عالمية بارزة مثل "إير بي إن بي"، "بوكينغ.كوم"، "موتورولا سوليوشنز" و"تريب أدفايزر"، الضوء على أنشطة تجارية واقتصادية تمارس داخل المستوطنات، بما في ذلك تزويد مواد البناء والمعدات الثقيلة والخدمات الأمنية والسياحية والمالية.

وأكد المفوض السامي لحقوق الإنسان، فولكر تورك، أن التقرير يهدف إلى التشديد على "مسؤولية الشركات في سياقات النزاع وضمان ألا تسهم نشاطاتها في انتهاكات حقوق الإنسان"، داعيا المؤسسات المتورطة إلى مراجعة ممارساتها واتخاذ تدابير تعويضية.

صورة 2 شركات المواصلات تسهم في تنقل وتحرك المستوطنين في الضفة وكذلك السفر إلى البلدات الإسرائيلية داخل الخط الأخضر.
شركات المواصلات تسهم في تنقل وتحرك المستوطنين في الضفة وكذلك السفر إلى البلدات الإسرائيلية داخل الخط الأخضر (الجزيرة)

في المقابل، رفضت إسرائيل بشدة نشر هذه القوائم، واعتبر ممثلها لدى الأمم المتحدة أنها "وثيقة لا أساس قانونيا لها وتتجاوز اختصاص المفوضية"، متهما المنظمة بالسعي إلى "تشويه سمعة إسرائيل"، بحسب زعمه.

تحديات وتداعيات

التداعيات المباشرة تبدو متركزة على سمعة الشركات المدرجة وزيادة الضغوط القانونية والأخلاقية عليها، في حين قد تنعكس على المدى المتوسط والبعيد عبر تعزيز عزلة المستوطنات اقتصاديا، وترسيخ رواية قانونية دولية أقوى ضد شرعيتها، وربما الدفع نحو إجراءات سياسية أو قضائية أوسع تستهدف إسرائيل وحلفاءها الاقتصاديين.

إعلان

وبينما ترى الأمم المتحدة أن استمرار النشاط الاقتصادي في المستوطنات يرسخ الاحتلال ويشكل خرقا للقانون الدولي، يُطرح السؤال حول ما إذا كان هذا التحديث سيترجم إلى خطوات عملية على الأرض أم سيبقى في إطار الضغط الرمزي.

" frameborder="0">

مسارات وتقديرات

المسار الاقتصادي: قد تتزايد عزلة الشركات الإسرائيلية المدرجة في القائمة مع تردد المستثمرين الدوليين في التعامل معها، مما يضعف قدرتها التنافسية ويؤثر سلبا على قطاعات المال، البنية التحتية، والسياحة، كما أن الشركات العالمية قد تفضل تقليص أو إنهاء أعمالها في السوق الإسرائيلية لتفادي المخاطر القانونية وسمعة الارتباط بالمستوطنات.

المسار السياسي: من شأن هذه الخطوة أن تُعمّق عزلة إسرائيل في المؤسسات الدولية، وتزيد من الضغوط الأوروبية والدولية للمضي نحو مقاطعة أو تقييد الاستثمارات في المستوطنات، وهذا قد يفتح الباب أمام تشريعات وطنية في بعض الدول لحظر التعامل مع الشركات المرتبطة بالاحتلال.

المسار القانوني والحقوقي: نشر قاعدة بيانات أممية رسمية يمنح نشطاء حقوق الإنسان ومنظمات المقاطعة سندا جديدا لملاحقة الشركات، وربما تفعيل دعاوى قضائية أمام محاكم دولية أو محلية ضد شركات أو مؤسسات مالية تدعم الاستيطان.

استهداف وتقويض

وتحت عنوان "القائمة السوداء تهز الاقتصاد الإسرائيلي.. تحذير من تداعيات أممية متصاعدة"، تناولت آنا بارسكي المراسلة السياسية لصحيفة "معاريف"، تداعيات تحديث الأمم المتحدة قائمة الشركات النشطة في المستوطنات، واعتبرت الخطوة "إجراء سياسيا متحيزا".

صورة 7 شق طرقات فوق الأراضي الفلسطينية لربط المستوطنات بالضفة بالمدن الإسرائيلية.
شق طرقات في الأراضي الفلسطينية لربط مستوطنات الضفة بالمدن الإسرائيلية (الجزيرة)

وأشارت بارسكي إلى أن معايير الإدراج في القائمة الأممية تشمل التورط في أنشطة مرتبطة بالمستوطنات، مثل توريد مواد البناء، وتوفير خدمات البنية التحتية والأمن والنقل، واستغلال الموارد الفلسطينية، إضافة إلى إدارة أنظمة التخلص من النفايات.

وبينت أن القائمة ليست قرارا قانونيا ملزما، بل أداة للشفافية والرقابة العامة، تهدف إلى تمكين الشركات من مراجعة أنشطتها وفقا لمبادئ الأمم المتحدة التوجيهية بشأن الأعمال وحقوق الإنسان.

لكنها حذرت من أن الهدف غير المعلن يتمثل في الإضرار بالاقتصاد الإسرائيلي، في وقت يخشى فيه قطاع المال والأعمال من تأثيرات محتملة على الاستثمارات الدولية وسمعة الشركات الإسرائيلية في الأسواق العالمية.

وفي سياق ردود الفعل الإسرائيلية الغاضبة، اعتبرت فآن هيرتسبيرغ المستشارة القانونية في معهد أبحاث "مونيتور"، أن الخطوة تشكل استهدافا مباشرا للاقتصاد الإسرائيلي ومحاولة لنزع الشرعية عن إسرائيل.

وقالت هيرتسبيرغ في حديث لصحيفة "ذا ماركر" إن "مجلس حقوق الإنسان نشر نسخة جديدة من قاعدة بيانات الشركات العاملة في الأراضي المحتلة، ورغم الادعاء بأنها مجرد أداة للرقابة، فإن هدفها الصريح هو مقاطعة إسرائيل".

وزعمت أن القائمة صيغت بالتعاون مع نشطاء حركة المقاطعة العالمية، ويتم استغلالها لتشويه سمعة البنوك والشركات السياحية ومؤسسات البنية التحتية والمنتجات المدنية وشركات الأمن، عبر اتهامها بخرق القانون الدولي.

إعلان

وأكدت هيرتسبيرغ أن الهدف الحقيقي هو "إلحاق ضرر جسيم بالاقتصاد الإسرائيلي وتقويض قدرته على الدفاع عن نفسه في مواجهة حماس"، مضيفة أن المفوضية السامية "تتجاوز صلاحياتها القانونية" وتعمل بمساعدة جهات مناهضة لإسرائيل.

وختمت بالقول إن القائمة الأممية "تمييزية وتشهيرية، وتشكل نموذجا آخر للحرب السياسية والاقتصادية التي تشنها الأمم المتحدة ضد إسرائيل وحلفائها".

ضغوطات وانعكاسات

وبحسب دانيال أديلسون مراسل صحيفة "يديعوت أحرونوت" في نيويورك، فإن إدراج شركات إسرائيلية على "القائمة السوداء" الصادرة عن الأمم المتحدة لا يقتصر على البعد الرمزي، بل قد يحمل تداعيات ملموسة على سمعتها واستثماراتها.

صورة 5 شركات مقاولات بناء تسوق لمشاريع سكنية بالمستوطنات عند حدود الرابع من حزيران فوق الأراضي الفلسطينية التابعة للسطلة الفلسطينية.
شركات مقاولات بناء تسوق لمشاريع سكنية بالمستوطنات عند حدود الرابع من حزيران فوق الأراضي الفلسطينية التابعة للسلطة (الجزيرة)

وأوضح أديلسون أن مجرد وجود اسم شركة في قاعدة بيانات أممية علنية، يضفي شرعية على الضغوط الممارسة ضدها، ويؤثر في قرارات المستثمرين والمؤسسات المالية الدولية.

ويرى أن بعض الشركات قد تضطر إلى إعادة النظر في نشاطها داخل المستوطنات، في حين قد يذهب آخرون إلى حد وقف أعمالهم في الأراضي الفلسطينية المحتلة عام 1967 أو حتى في إسرائيل نفسها، خشية المخاطر القانونية أو ما يضر بالسمعة.

وأشار إلى أن الخبراء منقسمون بشأن مدى خطورة هذه الخطوة، ففي حين يحذر البعض من انعكاساتها الاقتصادية، يعتقد آخرون أن تأثيرها سيكون محدودا، خاصة أن معظم هذه الأسماء مدرجة أصلا في قوائم منظمات المقاطعة.

لكنه شدد على أن استمرار التحديثات الأممية يعني أن الضغط لن يتوقف، بل قد يتوسع تدريجيا ليشكل تحديا إستراتيجيا طويل الأمد أمام الاقتصاد والسياسة الإسرائيلية.

0 تعليق