استراتيجيات التعاقب القيادي للشركات العائلية في الإمارات - البطريق نيوز

0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

د. جاي بيفينغتون *

لعبت دبي مطلع هذا الشهر دوراً رئيسياً في إعادة تشكيل مجلس إدارة إحدى كبرى الشركات العائلية، في خطوة تعكس التحولات المتسارعة في مشهد الحوكمة بدولة الإمارات.
وتدخلت المحاكم والوسطاء على مدى الأعوام الماضية لفض نزاعات القيادة، وإرساء هياكل حوكمة واضحة، ودفع الشركات نحو تبني أطر قانونية تسهل انتقال القيادة بين الأجيال بسلاسة. وتؤكد هذه الوقائع على حقيقة أساسية لا يمكن تجاهلها، وهي أن الشركات العائلية تشكل ركيزة محورية لاقتصاد الإمارات، إلا أن نقل القيادة بين الأجيال واختيار القادة المناسبين يشكّلان تحديين حقيقيين.
وبحسب بحث مشترك صادر عن مركز الابتكار في مركز دبي المالي العالمي، وبنك «جوليوس باير»، و«يوروكلير»، فإن الشركات العائلية تمثل نحو 90% من إجمالي الشركات الخاصة في الدولة، وتستعد لتحويل ثروات تتجاوز قيمتها تريليون دولار أمريكي إلى الجيل القادم بحلول نهاية عام 2026. ومن جهة أخرى، يكشف تقرير حديث صادر عن بنك HSBC أن ما يقارب نصف رواد الأعمال الإماراتيين لا يملكون خطة واضحة لتعاقب القيادة. ويؤدي غياب هذه الخطط، إلى وضع الثروة الهائلة، وما تحمله من فرص عمل وابتكار، في دائرة الخطر.
يتعين على الشركات العائلية اليوم أن تواجه تغيرات جيوسياسية كبيرة، وأسواقاً متقلبة، وتحولات تقنية متسارعة. وتظهر أبحاث أجرتها «هايدريك آند سترغلز» بداية هذا العام أن القائد المثالي في هذا السياق يجمع بين الرؤية العالمية والفهم العميق للسياق المحلي، إذ يتمتع 50% من الرؤساء التنفيذيين في الإمارات بخبرة عالمية، و43% منهم من غير المواطنين، مما يضع الإمارات في المرتبة الرابعة عالمياً من حيث تنوع القيادات. كما أن 95% منهم شغلوا مناصب تنفيذية عليا سابقاً، الأمر الذي يؤكد على أهمية النضج القيادي والخبرة التراكمية.
ترسخ حكومة الإمارات العربية المتحدة مفهوم التعاقب ضمن أطر الحوكمة من خلال مبادرات مثل قانون حوكمة الملكية، ومركز دبي للشركات العائلية. من خلال رفع مستوى التعاقب ليُدرج ضمن أولويات مجلس الإدارة، تُبرز هذه السياسات أن ضمان الاستمرارية يرتبط ارتباطاً وثيقاً بالحوكمة الرشيدة.
رغم إدراك العديد من المؤسسات لأهمية التخطيط للتعاقب، إلا أن التطبيق يبقى التحدي الأكبر. ولا يمكن أن تنجح أي خطة ما لم يتم بناؤها على أسس سليمة، وهو وجود توافق واضح بين مجلس الإدارة والإدارة التنفيذية بشأن التوجه الاستراتيجي للمؤسسة.
ويشمل ذلك تحديد الأولويات، وتحليل المخاطر، وفهم عناصر النجاح السابقة. ويمنح هذا التوافق لجان الترشيحات والتعيين القدرة على تكوين تصور دقيق للنموذج القيادي المطلوب، بشكل يعكس الواقع الحالي للشركة وطموحاتها المستقبلية وطبيعة الفريق القيادي.
ومن المهم أيضاً أن تبدأ عملية التخطيط مبكراً، ويُفضّل أن تبدأ قبل ثلاث سنوات من أي انتقال متوقع في القيادة. وتتيح هذه الفترة للمؤسسة صقل المواهب الداخلية، وسد فجوات الكفاءة، والبحث عن المرشحين من خارج الشركة.
وتزداد أهمية هذا التوقيت المبكر في دولة الإمارات، حيث تعمل الشركات استناداً إلى مزيج من أنظمة القانون المدني والقانون العام، مما يضفي بعداً قانونياً إضافياً على تعقيدات التخطيط للتعاقب.
وغالباً ما تميل المؤسسات خلال فترات الانتقال إلى تعيين الأفراد الأعلى أداءً، ولكن تجاهل مدى توافق القائد مع ثقافة الشركة وقيمها مقابل تحقيق نتائج قصيرة الأجل قد يضعف الثقة والمصداقية، إذ لا بد من الحذر من الوقوع في فخ «صانع الإنجازات» عند اختيار القادة الجدد.
ولا ينتهي التخطيط للتعاقب بمجرد اختيار القادة الجدد، فمن الضروري تطبيق برنامج تأهيلي ممنهج يساعدهم على النجاح في مهامهم.
ويمكن لبرنامج معيّن ممتدّ على مدى 12 شهراً مثلاً، أن يوفر للرئيس التنفيذي الجديد فرصة لفهم بيئة العمل بعمق، وبناء علاقات مؤثرة، وربط أهدافه الشخصية بمسار المؤسسة. وتزداد هذه الحاجة عند تعيين القادة من خارج المؤسسة، وهو نهج بات أكثر شيوعاً في الإمارات حيث تشير أبحاث «هايدريك آند سترغلز» إلى أن 41% من الرؤساء التنفيذيين تم تعيينهم من خارج الشركة، مقارنة بنسبة 31% فقط على مستوى العالم.
وأخيراً، تزيد فعالية التخطيط للتعاقب عندما يستند إلى مفهوم «ضمان القيادة»، أي وجود منهجية واضحة تمنح المعنيين الثقة في كفاءة منظومة القيادة والحوكمة داخل المؤسسة.
ويتيح هذا النهج، في منطقة تشهد تغيرات متسارعة وتعيش حالة من عدم اليقين، لمجالس الإدارة اتخاذ قرارات مدروسة طويلة المدى، ويضمن ألا يقتصر دور التخطيط للتعاقب على سد فجوة في المناصب القيادية، بل يتحول إلى أداة استراتيجية تعزز صلابة المؤسسة واستعدادها للمستقبل.
لم يعد بالإمكان تأجيل التخطيط للتعاقب، وخصوصاً مع اقتراب الشركات العائلية في الإمارات من لحظة مصيرية لانتقال الثروات عبر الأجيال ومتغيّرات السوق.
* الشريك في مكتب «هايدريك آند سترغلز» بدبي، والرئيس الإقليمي لأعمال الرؤساء التنفيذيين ومجالس الإدارة

0 تعليق