«ساي تيك ديلي»
في أعماق قبو مهجور في منطقة فريدريكسبيرغ الدنماركية، وتحت طبقة من الغبار والنسيان، اكتشف باحثون من جامعة كوبنهاغن، كنزاً علمياً فريداً من نوعه، وهو زجاجتان تحتويان على مسحوق أبيض، يعود تاريخهما إلى أواخر القرن التاسع عشر.
هذا الاكتشاف، الذي يبدو بسيطاً في ظاهره، فتح نافذة مذهلة على تاريخ صناعة الألبان في الدنمارك، وأبرز دور العلم في تحويل الزبدة من منتج محلي متقلب الجودة إلى سلعة تصديرية عالمية موحدة وآمنة.
الزجاجتان اللتان عثر عليهما العام الماضي، كانتا تحتويان على مزارع لبكتيريا حمض اللاكتيك، وهي مكونات رئيسية في تخمير منتجات الألبان مثل الزبدة والجبن والحليب. وبفضل تقنيات تحليل الحمض النووي الحديثة، تمكن فريق من جامعة كوبنهاغن من استخراج وتحليل الحمض النووي المتبقي في المسحوق، رغم مرور أكثر من 130 عاماً على إنتاجه.
لم يكن تحليل هذه العينات بالأمر الهين، فمعظم المواد العضوية تتحلل مع الزمن، ما يجعل من النادر جداً الحصول على بيانات جينية دقيقة من عينات بهذا العمر، لكن ما كشفه العلماء كان مذهلاً، إذ تأكد وجود «Lactococcus cremoris»، وهي بكتيريا حمض اللاكتيك التي لا تزال تستخدم في تخمير الحليب، إضافة إلى جينات تنتج «ثنائي الأسيتيل»، المركب المسؤول عن النكهة الغنية والمميزة للزبدة. هذا يدل على أن صناع الألبان في الدنمارك في القرن 19 كانوا بدأوا بالفعل في اختيار سلالات بكتيرية تتمتع بخصائص حسية دقيقة، وهو ما يعكس فهماً علمياً متقدماً نسبياً في تلك الفترة.
الاكتشاف لم يكن خالياً من المفاجآت، إذ بينت التحاليل أيضاً وجود «Cutibacterium acnes»، وهي بكتيريا جلدية معروفة بتسببها في حب الشباب. كما ظهرت آثار لبكتيريا محتملة الخطورة مثل المكورات العنقودية الذهبية وضمة فورنيسي، التي تؤدي إلى التهابات معوية في بعض الحالات.
يقول الباحثون إن هذا يشير إلى الفوارق الكبيرة في معايير النظافة بين ذلك الزمان واليوم، فبينما نسعى في العصر الحديث إلى أقصى درجات التعقيم والسلامة الغذائية، كانت مزارع الألبان القديمة تنتج الزبدة في بيئة مفتوحة وباستخدام أدوات بدائية، ما كان يفتح المجال لتلوثات متعددة.
0 تعليق