ظهر مصطلح "حرب النجوم" في أثناء فترة الحرب الباردة (1947-1991)، في إشارة إلى خطة عسكرية أطلقها الرئيس الأميركي الراحل رونالد ريغان يوم 23 مارس/آذار 1983، وسميت "مبادرة الدفاع الإستراتيجي".
وكان الهدف منها إنشاء نظام دفاعي شامل من أجل حماية الولايات المتحدة الأميركية من الهجمات الصاروخية النووية، خاصة من الاتحاد السوفياتي، والحفاظ على أمن البلاد في مواجهة التهديدات الخارجية.
وتتكون المنظومة الدفاعية من تقنيات تستخدم فيها أقمار صناعية في الفضاء لاعتراض الصواريخ الباليستية في مراحل مختلفة من رحلتها قبل أن تصل الأراضي الأميركية، إضافة إلى استخدام أسلحة الطاقة الموجهة، وهي أنظمة عسكرية تستخدم تقنيات متقدمة مثل الليزر والموجات الدقيقة.
السياق التاريخي
بعد نشوب الحرب العالمية الثانية (1939-1945)، تصاعدت التوترات بين ما عرف بـ"المعسكر الغربي" بقيادة الولايات المتحدة و"المعسكر الشرقي" بقيادة الاتحاد السوفياتي.
وتمثلت هذه التوترات في صراعات سياسية وعسكرية إقليمية وسباق نحو التسلح النووي، وحروب بالوكالة دون أن تتحول إلى مواجهة حقيقية مباشرة، ولذلك سميت بـ"الحرب الباردة".
وفي خضم الصراعات الجيوسياسية التي شهدتها تلك الحرب، برز مصطلح "حرب النجوم"، وكان من أكثر المصطلحات شهرة آنذاك، في إشارة إلى مبادرة الدفاع الإستراتيجي الأميركية.
فقد كانت لدى الولايات المتحدة حينها مخاوف كبيرة من أن يستهدفها الاتحاد السوفياتي، خاصة مع سعيه لتطوير الأسلحة البيولوجية والكيميائية والنووية.

سباق التسلح
في خمسينيات وستينيات القرن العشرين، تطور مبدأ "التدمير المتبادل المؤكد" المعروف بـ"ماد"، الذي اعتمد على فكرة أن أي هجوم نووي من الولايات المتحدة أو الاتحاد السوفياتي سيقابل برد مماثل.
في حين شهدت سبعينيات القرن الـ20 محاولات تقليل الأسلحة النووية عبر اتفاقيات ومعاهدات مثل "معاهدة الحد من الأسلحة الإستراتيجية" المعروفة تحت اسم "سالت"، لكن التوترات استمرت بين القوتين.
إعلان
ولذلك اهتم ريغان منذ بداياته السياسية وبالتحديد عام 1967 بتكنولوجيا الدفاع ضد الصواريخ الباليستية، وكان حينها يشغل منصب حاكم ولاية كاليفورنيا.
فقد زار في تلك الفترة الفيزيائي الأميركي إدوارد تيلر في مختبر ليفرمور الوطني. وفي أثناء زيارته، أعجب بالعرض الذي قدمه تيلر حول أسلحة الطاقة الموجهة.
ورأى أن هذا النوع من الأسلحة من الممكن أن يكون وسيلة فعالة للدفاع عن بلده ضد الهجمات النووية وحماية مجالها الجوي، ووصفها بأنها "الجيل الثالث من الأسلحة النووية" بعد أسلحة الانشطار النووي والأسلحة الحرارية النووية.
وزادت رغبة ريغان واقتناعه بضرورة وجود نظام دفاعي فعال، بعدما زار مقر قيادة الدفاع الجوي الفضائي لأميركا الشمالية "نوراد" الواقع داخل مجمع في جبل شايان عام 1979.
كما سأل ريغان الجنرال جيمس هيل عن آثار احتمال سقوط صاروخ سوفياتي في المنطقة الجبلية المحيطة بمركز القيادة، فأجابه "سوف نمحى كلنا، يمكننا تعقبه، لكننا لا نقوى على إيقافه"، فطالب ريغان منذ ذلك الحين بضرورة إنشاء نظام دفاعي أميركي فعال.
إعلان المبادرة
وبعد صعود ريغان إلى سدة الرئاسة عام 1980، وضع تطوير المنظومة الدفاعية ضمن أولوياته، ووقع عام 1981 على التوجيه الرئاسي رقم 12 للأمن القومي، الذي نص على إنشاء برنامج بحث وتطوير المنظومة الدفاعية الأميركية ضد الصواريخ الباليستية التي تهدد الأمن القومي الأميركي.
وبعد تسلمه الرئاسة، رأى أن إستراتيجية "التدمير المتبادل المؤكد" خطيرة للغاية، خاصة مع ازدياد عدد الرؤوس الحربية النووية السوفياتية وتطور تقنياتها العسكرية.
ويوم 23 مارس/آذار 1983، ألقى ريغان خطابا تلفزيونيا أعلن فيه خطة إنشاء مبادرة الدفاع الإستراتيجي، بعد التشاور مع مستشارين وخبراء عسكريين.
وتمثلت المبادرة في إنشاء منظومة دفاعية تحمي مجال الولايات المتحدة الجوي من الهجمات النووية والصواريخ السوفياتية، عبر استخدام أنظمة عسكرية وتقنيات متقدمة، مثل الليزر والموجات الدقيقة والأقمار الصناعية.
وفي عام 1984، أنشئت منظمة مبادرة الدفاع الإستراتيجية للإشراف على هذا البرنامج، ولكن تغير اسمها لاحقا، وأصبح منظمة الدفاع ضد الصواريخ الباليستية.

أصل وسبب التسمية
عقب إعلان ريغان عن خطة الدفاع الإستراتيجي، أطلقت وسائل الإعلام الأميركية عليها اسم "حرب النجوم"، لأنها اعتمدت على تكنولوجيا مستقبلية بما في ذلك أنظمة ليزر فضائية ومنصات للأقمار الصناعية.
كما روج للمبادرة على أنها واحدة من قصص الخيال العلمي، خاصة أنها ذكرت المنتقدين والمحللين بفيلم "ستار وورز" الصادر عام 1977، الذي عرض معارك فضائية متطورة وتكنولوجيا خارقة.
الآليات والتقنيات
وقد تصور ريغان نظاما دفاعيا فضائيا يقوم على آليات وتقنيات تتكون من خط دفاعي أول قادر على إيقاف أو تعطيل الهجوم في أبكر لحظاته عبر الأقمار الصناعية التي تستشعر الصواريخ الباليستية وهي في مرحلة الإطلاق المبكر.
وذلك إلى جانب خط دفاعي ثان قادر على تدمير الرؤوس الحربية الفردية المنفصلة عن الصواريخ الباليستية التي تخطت الخط الدفاعي الأول وتكون في مرحلة المسار الأوسط.
إعلان
أما الخط الدفاعي الثالث، فهو أرضي لتدمير أي رؤوس حربية في مرحلتها النهائية في حال نجاتها من الخطوط الدفاعية الأخرى، وتعود للغلاف الجوي وتقترب من أهدافها على سطح الأرض.
بعد ذلك، يتم اعتراض الرؤوس الباليستية بمنظومات دفاعية أرضية أو بحرية على ارتفاعات منخفضة.
الانتقادات وردود الفعل
ورغم أنها حظيت بدعم من كبار المسؤولين في وزارتي الخارجية والدفاع الأميركيتين، فإن المبادرة تعرضت حينها لعديد من الانتقادات، فقد رأى البعض أنها غير قابلة للتحقيق والتطبيق وأنها إهدار للموارد.
فوفقا لتقرير نشرته صحيفة "لوس أنجلوس تايمز"، بلغت قيمة البرنامج في مرحلته الأولى نحو 170 مليار دولار، ورأى المعارضون للمنظومة أن هنالك برامج حكومية أخرى أولى بتلك الأموال.
واعتبر آخرون أن مبادرة الدفاع الإستراتيجي تمثل استفزازا وتهديدا صريحين للسوفيات، إذ كان بإمكانها أن تكون سببا في انطلاق سباق جديد نحو التسلح، أو سببا في شن الاتحاد السوفياتي هجوما استباقيا.
ومن ضمن الانتقادات الأخرى التي وجهت لها أنها اعتبرت انتهاكا لمعاهدة حظر الأسلحة الموقعة بين الاتحاد السوفياتي والولايات المتحدة عام 1972.

ورقة ضغط
وكانت إدارة ريغان على دراية بالتدهور الاقتصادي الذي كان يمر به الاتحاد السوفياتي فأعلنت عن المبادرة، لا سيما أن الإنفاق العسكري في مجال الفضاء يحتاج إلى مليارات الدولارات.
ولم تكتف الولايات المتحدة بذلك فحسب، بل منعت شركة الطيران "آيروفلوت" السوفياتية من دخول مطاراتها، كما أوقفت مفاوضات بيع الحبوب في يناير/كانون الثاني 1980.
وشكلت هذه الأحداث تحديا كبيرا لقدرة الاتحاد السوفياتي على مواكبة الإنفاق الهائل المطلوب لتطوير نظام دفاعي فضائي مماثل، مما ضاعف الضغط الاقتصادي عليه، خاصة أنه كان يعاني أصلا من أزمات داخلية.
كما استخدمت واشنطن المبادرة ورقة ضغط لتعزيز مواقفها في مفاوضات الحد من الأسلحة، ودفعت السوفيات نحو اتفاقيات تخفيض الأسلحة تحت شروط ملائمة لها، مثل معاهدة القوات النووية المتوسطة المدى "إيه إن إف" عام 1987.
ونصت المعاهدة على وجوب تخلص كل من الولايات المتحدة والاتحاد السوفياتي من صواريخهما النووية والتقليدية سواء كانت صواريخ باليستية أو صواريخ كروز التي يتراوح مداها بين 500 و5500 كيلومتر.
وكانت هذه أول مرة يتوافق فيها الطرفان على تقليل ترساناتهما النووية، وإلغاء فئة كاملة من الأسلحة النووية، واستخدام عمليات تفتيش ميدانية واسعة للتحقق من ذاك التنفيذ.
وبحلول الأول من يونيو/حزيران 1991، كان الطرفان قد دمرا نحو 2692 صاروخا قصيرا ومتوسطا ومتوسط المدى.
وبذلك لم تقتصر قيمة المبادرة على البعد التقني فقط، بل كانت أيضا جزءا من إستراتيجية الضغط والتفاوض، التي أسهمت في تسريع نهاية الحرب الباردة عام 1991.

التراجع والتطورات اللاحقة
وبعد سقوط الاتحاد السوفياتي في ديسمبر/كانون الأول 1991، دخل العالم عصر الأحادية القطبية تحت قيادة الولايات المتحدة الأميركية، وتغير مسار مبادرة الدفاع الإستراتيجية بشكل جذري.
فبعد فوز الرئيس بيل كلينتون في الانتخابات الرئاسية عام 1992، قررت إدارته إلغاء مشروع الدفاع الإستراتيجي عام 1993 وحولته إلى منظمة الدفاع ضد الصواريخ الباليستية، التي عرفت اختصارا بـ"بي إم دي أو".
ثم تحولت في يناير/كانون الثاني 2002 في عهد الرئيس جورج بوش الابن إلى وكالة الدفاع الصاروخي، وهي تابعة لوزارة الدفاع الأميركية (البنتاغون).
وأصبحت الوكالة مسؤولة عن تطوير أنظمة الدفاع الصاروخي المضاد للصواريخ الباليستية التي تقترب من الأراضي الأميركية ومن أراضي الدول الحليفة، ومن بين الأنظمة التي طورتها الوكالة:
إعلان
نظام "ثاد"يعتمد نظام ثاد على اعتراض الصواريخ الباليستية في أثناء صعودها في الجو وقبل وصولها لأهدافها.
يستخدم في الحروب والدفاع عن القوات أو المدن.
نظام "إيجيس غوام"نظام دفاعي موجود على سفن البحرية الأميركية، يستخدم رادارات وصواريخ لاعتراض الصواريخ القادمة من الجو.
نظام "جي إم دي"يستخدم للتصدي للصواريخ العابرة للقارات "إيه سي بي إم إس"، التي تطلق من مسافات بعيدة، ويعتمد على صواريخ اعتراضية تطلق من الأرض لاعتراض الصواريخ المهاجمة في أثناء دخولها المجال الجوي الأميركي.
0 تعليق