أبعاد زيارة متقي لموسكو ونيودلهي - البطريق نيوز

0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

انقر هنا للمشاركة على وسائل التواصل الاجتماعي

share2

كابل- بعد أن منحه مجلس الأمن إعفاء مؤقتا من حظر السفر، تقود جولة وزير الخارجية الأفغاني أمير خان متقي بين روسيا والهند اختبارا جديدا للدور الدبلوماسي لكابل منذ عودة حركة طالبان إلى السلطة عام 2021.

هذا الإعفاء الذي أقرته لجنة العقوبات المختصة أتاح لمتقي السفر إلى نيودلهي في الفترة من 9 إلى 16 أكتوبر/تشرين الأول الجاري، فيما يُتوقع أن يزور روسيا قبل ذلك للمشاركة في الاجتماعات السابعة لصيغة موسكو الإقليمية حول أفغانستان.

فهل تمثل استثناءات السفر المؤقتة مرحلة انتقالية نحو انخراط إقليمي أوسع للحركة؟ أم أنها محاولات محدودة لتسريع قنوات عملية للتعاون الإنساني والتجاري دون أن تغيّر من وضع الاعتراف الدولي بها؟

سماح مؤقت

ذكرت مصادر في وزارة الخارجية الأفغانية للجزيرة نت، طلبت عدم كشف هويتها، أن هذه الزيارات تهدف إلى "تعزيز قنوات التعاون الإنساني والتجاري، وإظهار رغبة طالبان في الانخراط ضمن الأطر الإقليمية، لكنها لا تمثل اعترافا رسميا من أي طرف. نركز على بناء الثقة العملية وإيجاد حلول للتحديات المشتركة مع الجيران".

وتُدار قيود السفر المفروضة على شخصيات مرتبطة بالحركة عبر لجنة العقوبات المنشأة بموجب قرار مجلس الأمن رقم 1988 لسنة 2011، الذي يشمل حظر سفر على أسماء محددة، وأصولا مجمدة تدريجيا بحسب الحالات. كما يسمح أيضا بمنح إعفاءات مؤقتة لأسباب عملية معينة، كالمشاركة في اجتماعات رسمية أو لأغراض طبية أو قنصلية، بعد موافقة اللجنة.

وفي حالة متقي، صادقت اللجنة على إعفاء مؤقت للسماح بزيارته إلى نيودلهي. لكن لا يعني ذلك رفعا دائما للعقوبات أو تغيّرا في موقف الاعتراف الدولي.

وأشارت مصادر دبلوماسية وإعلامية إلى أن طلبات إعفاءات سفر عادة ما تقدمها دول مضيفة أو جهات إقليمية لغايات عملية، مثل تسهيل لقاءات حول قضايا إنسانية أو قنصلية أو مناقشات أمنية. ولا يمكن فصل هذا الإجراء عن السياق الإقليمي الأوسع، حيث شهدت علاقات بعض القوى مع كابل تحولات خلال الأشهر الماضية، مما عزز شروطا سياسية وفنية لمنح مثل هذه الاستثناءات.

إعلان

يستعد متقي للسفر في 6 من الشهر الحالي للمشاركة في الاجتماع السابع لصيغة موسكو، الذي يُعقد منذ 2017 بمبادرة روسية ويضم ممثلين رسميين ومسؤولين رفيعين من عدة دول بينها الهند وإيران وكازاخستان والصين وقرغيزستان وباكستان وطاجيكستان وتركمانستان وأوزبكستان.

من جانبه، قال الخبير السياسي الأفغاني سيد أكبر آغا للجزيرة نت إن هذه المشاركة خطوة مهمة على المستويين الداخلي والخارجي، وإنها تعكس تعزيزا للوجود الأفغاني ضمن المنصات الإقليمية. وأوضح الدبلوماسي السابق غوث جان‌ باز للجزيرة نت أن الاجتماع يُعقد في وقت تشهد فيه أفغانستان تحولات داخلية كبيرة، والأحداث المحيطة بها غير مسبوقة، مشددا على أهمية هذه المشاركة الرمزية والدبلوماسية.

تطور بارز

وأعلنت وزارة الخارجية الروسية أن متقي سيمثل الحكومة الأفغانية رسميا، وسيجري لقاء منفصلا مع نظيره سيرغي لافروف لمناقشة التعاون الثنائي، فيما ستشارك بيلاروسيا كضيف في الاجتماع.

كما أكدت ماريا زاخاروفا، المتحدثة باسم الخارجية الروسية، أن التركيز خلال اللقاءات سيكون على القضايا الجارية والتعاون الثنائي، بينما أشارت الهند عبر المتحدث باسم خارجيتها رندهير جيسوال إلى استمرار الحوار مع الحكومة المؤقتة، والإبقاء على قنوات التواصل مفتوحة، بما في ذلك متابعة أي تطورات تتعلق بسفر متقي.

ويُنظر إلى انضمام الحكومة الأفغانية التي تقودها حركة طالبان كعضو رسمي لأول مرة في اجتماعات "صيغة موسكو" على أنه تطور بارز في طريقة تعامل روسيا والدول المشاركة مع الحركة. فبعد سنوات من الحضور بصفة "ضيف" أو "مراقب"، منحت موسكو وفد طالبان مقعدا رسميا على الطاولة وذلك بعد أن اعترفت رسميا بالحكم المؤقت لها خلال السنوات الأربع الماضية.

وتسعى روسيا إلى تثبيت دورها كلاعب إقليمي أساسي في الملف الأفغاني، مستندة إلى 3 أولويات رئيسية:

الأمن ومكافحة الإرهاب خشية تمدد تنظيم الدولة بولاية خراسان إلى حدود آسيا الوسطى. التوازن الإقليمي لتقليص مساحة النفوذ الغربي، وخصوصا الأميركي، في ملفات الأمن والطاقة والنقل عبر آسيا الوسطى. إدارة الحوار لطمأنة شركائها في طاجيكستان وأوزبكستان وتركمانستان بأن موسكو تملك قنوات مباشرة مع كابل لضبط المخاطر المحتملة.

وتباينت مواقف دول المنطقة حيال إشراك طالبان، فأوزبكستان وتركمانستان تميلان إلى البراغماتية وتركزان على فتح طرق تجارة وطاقة عبر أفغانستان، فيما تحفظت طاجيكستان أكثر بسبب حساسياتها مع قضايا الأقليات العرقية، لكنها وجدت نفسها ضمن توافق إقليمي ترعاه موسكو. وتدعم إيران والصين من حيث المبدأ إشراك الحركة لأسباب اقتصادية وأمنية.

بالنسبة لحكومة طالبان، تعني الدعوة كسرا لجدار العزلة ولو رمزيا. ووصف متقي المشاركة بأنها "خطوة أساسية"، معتبرا أن الحوار عبر هذه المنصات يفتح المجال لـ"بناء الثقة" مع الجوار. لكن داخل أفغانستان يرى محللون أن هذه المشاركة لا تكفي لتغيير المعادلة الدولية ما لم تتبعها خطوات عملية في مجالات مثل الاستثمار أو الدعم الإنساني.

" title="طابع">

طابع تكتيكي

بعد موسكو، من المنتظر أن يتوجه متقي إلى الهند في أول زيارة رسمية لمسؤول رفيع من طالبان منذ 2021. ورغم أنها لم تعترف بحكومة الحركة، أبقت نيودلهي على قنوات إنسانية وتجارية محدودة، خصوصا عبر مشروع ميناء تشابهار الإيراني، الذي ترى فيه طريقا إستراتيجيا لتجاوز باكستان والوصول إلى أسواق آسيا الوسطى.

إعلان

واستثمرت خلال العقدين الماضيين مليارات الدولارات في مشاريع تنموية في أفغانستان، من بينها سد شاتوت الذي يوفر مياه الشرب لآلاف السكان ويخدم آلاف الهكتارات الزراعية، ومبنى البرلمان الأفغاني الذي افتُتح عام 2015 بتكلفة نحو 90 مليون دولار، إضافة إلى مشاريع في التعليم والصحة. مما يجعل الهند طرفا رئيسيا في الملف الاقتصادي والتنموي الأفغاني، وتسعى عبر استمرار الحوار مع طالبان إلى حماية مصالحها الإستراتيجية في المنطقة.

وترى أوساط مقربة من الحكومة الأفغانية أن الدعوة الروسية وقرار مجلس الأمن بالسماح بالسفر "خطوة تعكس إدراك المجتمع الدولي لواقع لا يمكن تجاهله". في المقابل، يحذر خبراء من المبالغة في قراءة هذه التحركات، ويؤكدون أن الاعتراف الرسمي ما زال بعيدا في ظل غياب مؤشرات على تغييرات ملموسة في ملفات حقوق المرأة وتشكيل حكومة شاملة والتزامات مكافحة الإرهاب.

كما يرون أن هذه الجولات تحمل طابعا تكتيكيا أكثر من كونها تحولا إستراتيجيا، إذ تسعى طالبان عبرها إلى كسر العزلة وإبراز نفسها فاعلا إقليميا لا يمكن تجاوزه، بينما تحاول الأطراف الأخرى إدارة علاقة واقعية معها دون الدخول في معادلة الاعتراف الرسمي.

يوضح المحلل السياسي الأفغاني أحمد مالك زاده للجزيرة نت أن هذه الزيارات تعكس حذرا متبادلا بين الحركة والدول الإقليمية، فهي خطوة تكتيكية أكثر مما هي فتح حقيقي لقنوات الاعتراف أو الشراكة طويلة الأمد، وأن هناك اختبارا مستمرا للثقة بين الأطراف، فكل خطوة تقيم التوازن بين مصالح دول الجوار وحاجة طالبان إلى كسر العزلة، مع الحفاظ على شروط دقيقة تتعلق بحقوق الإنسان والمراقبة الدولية.

من جهته، قال الدبلوماسي السابق عمر صمد للجزيرة نت إن "المناورة" الحالية للحركة تظهر أنها تدرك أهمية التمثيل الرسمي في المنصات الإقليمية، لكنها لا تزال تخشى تجاوز حدود معينة قد تؤدي إلى ضغوط دولية إضافية. وتعكس هذه الجولة عقلية تكتيكية تعتمد على استغلال كل فرصة لممارسة النفوذ الدبلوماسي دون الالتزام بأي اعتراف كامل أو طويل المدى.

0 تعليق