Published On 4/10/20254/10/2025
|آخر تحديث: 16:31 (توقيت مكة)آخر تحديث: 16:31 (توقيت مكة)
أعلنت حركة حماس موافقتها على إطلاق جميع الأسرى لديها من الجنود والضباط وفق "صيغة التبادل الواردة في خطة الرئيس ترامب.. واستعدادها للدخول فورا من خلال الوسطاء في مفاوضات لمناقشة تفاصيل ذلك".
هذا الموقف قوبل بإشارة إيجابية سريعة من الرئيس ترامب، بنشره بيان الحركة على حسابه الشخصي على منصة "تروث سوشيال"، وإعلانه أنه "بناء على بيان حماس أعتقد أنهم مستعدون لسلام دائم" مضيفا؛ "على إسرائيل أن توقف قصف غزة فورا؛ حتى نتمكن من إخراج الرهائن بأمان وسرعة".
انقلاب السحر على الساحر
شهدت الأيام القليلة التي سبقت رد حركة حماس، نقاشا واسعا بشأن أهلية وفاعلية خطة الرئيس ترامب لوقف الحرب على غزة، حيث شملت الخطة عناوين متشابكة ومتشاكسة.
فمن ناحية، أشارت الخطة لوقف الحرب، وعدم إجبار السكان على مغادرة قطاع غزة، ورفض احتلال إسرائيل القطاع أو أجزاء منه، وانسحاب قوات الاحتلال بشكل تدريجي، وإدخال المساعدات، وإطلاق سراح جميع الأسرى خلال 72 ساعة.
في المقابل تناولت الخطة قضايا مصيرية شائكة تتعلق بمصير القضية الفلسطينية، وحقوق الشعب الفلسطيني الوطنية، ومنها:
إخضاع قطاع غزة لوصاية أميركية دولية تحت مسمى: "مجلس السلام" بقيادة الرئيس ترامب، بعيدا عن حق تقرير المصير والقوانين الدولية، ومن ثم تشكيل إدارة محلية من فلسطينيين تكنوقراط وخبراء غير فلسطينيين؛ لإدارة شؤون المدنيين، شرط استبعاد حركة حماس وكافة الفصائل والقوى الوطنية والسلطة الفلسطينية عن إدارة شؤون القطاع. عزل قطاع غزة عن الضفة الغربية، في وقت تتفهم فيه واشنطن والرئيس ترامب الموقف الإسرائيلي الرافض بشدة للدولة الفلسطينية. إنشاء قوات دولية بإشراف الولايات المتحدة الأميركية، تحل محل جيش الاحتلال الإسرائيلي الذي سينسحب تدريجيا، ويتموضع في شريط حدودي داخل قطاع غزة، مع تحكمه في المعابر التجارية وحركة الأفراد، مع الإشارة إلى أن الانسحاب التدريجي مرتبط بشروط سياسية وأمنية واجتماعية يلتزم بها الفلسطينيون، حسب خطة ترامب دون سقف زمني واضح.إعلان
خطة الرئيس ترامب لوقف الحرب كانت تقتضي من الجانب الفلسطيني تحركا واعيا يجنب الشعب الفلسطيني الشِراك في ثناياها، إذ إنه لو وافقت عليها حركة حماس، كما هي، وكما وردت بتفاصيلها، فإن ذلك كان سيعني القبول بخطة استسلام، ووصاية دولية على الفلسطينيين الذين سينتقلون "من تحت الدلف إلى تحت المزراب"، وسينتقلون من تحت احتلال إسرائيلي إلى احتلال أميركي إسرائيلي، مع تقويض حقهم في دولة فلسطينية وحقهم في تقرير المصير، وفقا للقانون الدولي وللرأي الاستشاري لمحكمة العدل الدولية لعام 2024.
حتى القول إن الخطة تشجع الفلسطينيين على البقاء وعدم تهجيرهم قسرا من قطاع غزة، ستكون مسألة فيها نظر وشك كبير، إذا تم تسليم إدارة قطاع غزة ومصير الشعب الفلسطيني لإسرائيل المتوحشة والرئيس ترامب الذي لا يمكن التكهن بتقلباته السياسية بين عشية وضحاها.
حركة حماس كانت تقف أمام امتحان عسير، وفي وضع صعب لا تُحسد عليه، فكيف لها أن تفرط بحقوق الشعب الفلسطيني الوطنية، وتسلم مصير شعب عظيم باتفاق يعطي الشرعية لقوة أجنبية وقيادة أميركية تتحكم بمصيره ومصير القضية الفلسطينية، وهي التي قامت دفاعا عن شعبها الذي قدم الكثير من التضحيات التي يعجز الإنسان عن وصفها.
من هنا فإن موقف حماس من الخطة والقبول بها، كما وردت، كان سيضع مصداقيتها على المحك بل ستفقدها، وستطلق الرصاصة على نفسها، وشعبها وقضيته الوطنية، وإن رفضتها بالمطلق فستتهم من العديد من القوى والدول بأنها غير مكترثة بدماء الشعب الفلسطيني، لا سيما في ظل الترحيب الذي لاقته خطة الرئيس ترامب، وهذا ما حشر حركة حماس والشعب الفلسطيني المظلوم والمكلوم في الزاوية.
في هذا السياق المعقد والشائك جاء موقف حركة حماس وردها على خطة الرئيس ترامب في غاية الذكاء والعبقرية السياسية، حيث عالجت الأمور بدقة عالية، وذلك على النحو التالي:
أولا: تقدير حركة حماس جهود الدول العربية والإسلامية، وجهود الرئيس ترامب بوقف الحرب، ما أعطى الرئيس ترامب مديحا يحتاجه، وشكرا يتصل بشخصه كرجل صانع للسلام ويتطلع لنيل جائزة نوبل، بجهده الحثيث للبروز كأهم شخصية عملت على وقف الحروب في العالم، ومنها في قطاع غزة. ثانيا: فصَلت حماس بين ما تملكه وتملك قراره كحركة، وبين ما يملكه الشعب الفلسطيني كحقوق وطنية، ولا تملك البت فيه وحدها، فوافقت على إطلاق سراح كافة الأسرى لديها وفق ما نصت عليه خطة الرئيس ترامب، وربطت ذلك بوقف الحرب، ورفض احتلال القطاع، ومنع التهجير، وإدخال المساعدات. ثالثا: أكدت على تسليم إدارة قطاع غزة لهيئة فلسطينية من المستقلين بناء على التوافق الوطني السابق الذي حظي بدعم مصري وعربي عبر القمة العربية التي انعقدت في القاهرة في مارس/آذار 2025، ما يعد خطوة ذكية، تجاوزت فيها الوصاية الدولية، وأشركت فيها الدول العربية وحملتها مسؤولية مباشرة لدعم فلسطينية اليوم التالي لقطاع غزة. رابعا: أحالت الحركة كافة القضايا الوطنية التي وردت في خطة ترامب والمتعلقة بمستقبل قطاع غزة وحقوق الشعب الفلسطيني إلى إطار وطني فلسطيني جامع ستكون حماس جزءا منه؛ لمناقشة تلك القضايا؛ كالعلاقة العضوية بين الضفة والقطاع، والدولة الفلسطينية، وحق تقرير المصير، وسلاح المقاومة، ربطا بالدولة الفلسطينية صاحبة الولاية.إعلان
بذلك دفعت حماس بالشعب الفلسطيني وكافة القوى الوطنية لتكون شريكا أصيلا في القرار الوطني؛ فحركة حماس تقود المقاومة، ولكنها لا تمارس الوصاية على الشعب الفلسطيني صاحب القرار الوطني، والحق في تقرير مصيره.
بهذه الطريقة تعاملت الحركة مع خطة الرئيس ترامب بإيجابية ومسؤولية؛ فأعطت ترامب ما يريده من إنجاز على المستوى الشخصي، وأسست إطارا لوقف الحرب، وأشركت كافة القوى الوطنية الفلسطينية والدول العربية والإسلامية لتتحمل مسؤوليتها التاريخية.
وبذلك ألقت الكرة في ملعب مجرم الحرب بنيامين نتنياهو وحشرته في الزاوية وجعلته في مواجهة الجمهور الإسرائيلي، والرئيس ترامب، وكافة الدول التي تسعى لوقف الحرب.
الشيطان نتنياهو والمسؤولية العربية
كان لافتا أن نتنياهو وحكومته قد لاذوا بالصمت، ولم يعربوا عن موقفهم من رد حركة حماس، وتفاعل الرئيس ترامب الإيجابي، وهذا يدل على أن نتنياهو والقيادة الإسرائيلية في صدمة مزدوجة؛ من قدرة حماس على قلب الطاولة على رأس بنيامين نتنياهو، ومن رد فعل الرئيس ترامب السريع والإيجابي على موقف الحركة.
من المتوقع أن يقوم نتنياهو كعادته بحملة شعواء داخل البيت الأبيض، وفي الكونغرس، وعبر اللوبيات الصهيونية؛ لممارسة أشد الضغوط على الرئيس ترامب ليعدل من موقفه، بشكل يسمح له بالمناورة، والتلاعب حتى لا يوقف الحرب.
وفي هذا السياق ليس مستبعدا أن يحاول نتنياهو إقناع ترامب بأنه يوافق على الذهاب للتفاوض مع حركة حماس، شرط عدم توقف الحرب والقصف فورا، كما دعا ترامب، حتى يتم الاتفاق على كافة التفاصيل، وبأن الحرب ضرورة للضغط على حركة حماس، كما فعلها أكثر من مرة، وعمل على شراء الوقت؛ للاستمرار في الإبادة والتطهير العرقي؛ لدفع الفلسطينيين إلى الاستسلام والتهجير.
كما أنه قد يلجأ للدفع بأن تلتزم حماس بكافة تفاصيل خطة ترامب رزمة واحدة، بمعنى قبولها المسبق بالوصاية الأميركية الدولية على غزة؛ ليتسنى له القضاء على فكرة الدولة الفلسطينية وحق تقرير المصير، ولتكون لإسرائيل السيادة والتحكم الأمني في المستقبل.
لذلك من الأهمية بمكان أن تقوم الدول العربية بتحصين الموقف الفلسطيني من خلال عدة مسارات منها:
دعم موقف حركة حماس، وتوفير شبكة أمان سياسي لها في مواجهة ألاعيب نتيناهو، وهذا ربما يحتاج إلى مواصلة الضغوط العربية والإسلامية على الرئيس ترامب، لا سيما مصر، وقطر، وتركيا، والسعودية، وضرورة إقناعه بأهمية تنفيذ دعوته لوقف القصف فورا كمدخل وضرورة لإنجاح مسار المفاوضات. تمسك الدول العربية والإسلامية بفكرة الهيئة الفلسطينية المستقلة (تكنوقراط) لإدارة قطاع غزة بتوافق وطني فلسطيني، ارتباطا بالضفة الغربية، ورفض أية وصاية دولية، أو قوات دولية تحل محل جيش الاحتلال الإسرائيلي. احتضان الدول العربية حوارا وطنيا فلسطينيا؛ لمناقشة كافة القضايا الوطنية المتعلقة بسلاح المقاومة، والدولة الفلسطينية وحق تقرير المصير، واستثمار الزخم الدولي الداعم لقيام الدولة الفلسطينية، حيث بلغ عدد الدول التي تعترف بها نحو 158 من أصل 193 دولة عضوا في الأمم المتحدة.الشعب الفلسطيني بعظم تاريخه النضالي، وبعظم تضحياته التي قدمها، وفي ظل احتشاد العالم ودعمه عدالة القضية الفلسطينية وحق الشعب الفلسطيني في تقرير مصيره، يستحق أن يمكّن من حريته، وحقه في قيام دولته الفلسطينية وعاصمتها القدس.
الرئيس ترامب تحدث عن أن وقف الحرب على غزة يشكل فرصة للسلام الذي طال انتظاره في الشرق الأوسط، وهذا مدخل مهم للبناء عليه، فالعالم اليوم بات يُدرك، أكثر من أي وقت مضى، أن القضية الفلسطينية، وقيام الدولة الفلسطينية، مفتاح الحرب والسلام في المنطقة.
هذه فرصة تاريخية لبذل جهد جماعي عربي وإسلامي لوقف جنوح إسرائيل وتطرفها الذي إن لم يتوقف ابتداء من غزة وفلسطين، فسيتحول إلى وحش سرطاني يهدد أمن المنطقة العربية برمتها، ما يُلقي بمسؤولية مضاعفة على الدول العربية والإسلامية للضغط على الرئيس ترامب والإدارة الأميركية، لوقف الحرب فورا على قطاع غزة.
إعلان
الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.
0 تعليق