عمّان "العُمانية": تعاين رواية "في حيِّنا بطل" لربى حب الرمان، تحولات الإنسان في مراحل حياته لدرجة الانحراف الحاد في بعض الأحيان، مع التسليم بأن التعليم في الصغر هو كالنقش على الحجر بالفعل، فكل المبادئ التي يكتسبها الإنسان صغيرًا مهما حاد عنها فهو بالضرورة عائد إليها.وفي التفاصيل، يحكي الجد "نافع" لحفيده في الفصل الثاني قصة معبرة بعد أن اشترى الحفيد بلبلَين وحبسهما في قفص: "كان ياما كان في قديم الزمان، كان هناك عصفور صغير يعيش في أمان مع عائلته. لم يلبث أن يتعلَّم الطيران حتى داهم عشهم السعيد الهادئ رجل عملاق، وقام بخطف الصغير بلا رحمة. وضعه بقفص صغير، حاول الصغير مرارًا الطيران والهرب، لكنه في كل مرة كان يصطدم بأسلاكه ويجرح نفسه حتى فقد الأمل تمامًا عندما صار جناحاه مشوهين بالكامل، لكن العصفور لم يتوقَّف عن المحاولة، فالتجأ إلى حنجرته، صرخ بأعلى صوته، بألحان التمرُّد والغضب والكآبة، ولكنه في كل مرة كان ينتج فيها لحنًا جديدًا يحصل إمّا على المزيد من الطعام أو يُنقل إلى قفص أكبر مع طيور أكثر! لكن ذلك لم يزده إلا تعاسة، حتى اختفى صوته وأغلق عينيه يحلم بالتحليق بين أشجار الزيتون مع أمه وأبيه".إثر هذا الموقف يأتي رد فعل الأب الهجومي على ولده حين ضبطه يفتح القفص للبلبلين ليحرِّرهما صائحًا: "تحرِّر العصافير؟ ماذا تحسب نفسك فاعلًا؟ الآن تحرِّر العصافير وغدًا فلسطين؟ ها؟ سامح الله من يملأ عقلك بهذه الأحلام، على كل حال، إن قمت بذلك، سأحرمك من المصروف لمدة شهر كامل". فلم يكن من الطفل سوى أن رضخ لمشيئة أبيه صاغرًا، ثم هرب إلى غرفة جده، الذي هدّأ من روعه، وقدم له صندوقًا في داخله ورقة كُتب عليها: "لكلٍّ منَّا جهاد ووسيلة، وجهادك قلمك".ومنذ ذلك الحين، أصبحت الكتابة هي ملجأ الطفل حين تضيق به السبل، ووسيلته للتعبير عما يجيش بصدره في السراء والضراء.وتأتي نصيحة الحاج نافع لابنته في ختام الفصل الرابع بمثابة حث على السعي مع التسليم بقدر الله في النتائج: "تذكّري دائمًا قوله سبحانه وتعالى: ﴿فَعَسَىٰ أَن تَكْرَهُوا شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا﴾، خذي بالأسباب ولكن دون تعنُّت وسخط، تأمَّلي وتفكَّري بتدبير ربك، توكَّلي عليه، ادعي بقلب واثق، سلِّمي، ومن ثم اخلقي لنفسك أفضل الفرص من المتاح".وفي بداية الفصل التاسع تصف المؤلفة الحالة النفسية للبطل، الذي يتذبذب بين الشك واليقين، فتقول: "ما إن بدأت الطائرة بالتحليق، حتى تخيَّل صادق همومه كالبيوت التي بدت وكأنها تنكمش شيئاً فشيئاً مع ارتفاع الطائرة، وما إن استقرت فوق الغيوم، حتى شعر بخفَّة في روحه تمامًا كما لو أنها كانت غيمة سوداء مثقلة بالمطر، فما لبثت أن أفرغت ما في جعبتها من قطرات حتى سمت وعلت. دبَّ فيه الحماس أول ما حطَّت الطائرة في المطار بعد خمس ساعات في الجو، قضاها ما بين قراءة، وتأمُّل، وكتابة، الأمر الذي هوَّن عليه طول المسافة".وترصد الكاتبة الانفعالات التي اجتاحت "رين" في الفصل الثاني عشر إثر استماعها إلى الآية الكريمة ﴿أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَٰهَهُ هَوَاهُ وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلَىٰ عِلْمٍ وَخَتَمَ عَلَىٰ سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ وَجَعَلَ عَلَىٰ بَصَرِهِ غِشَاوَةً فَمَن يَهْدِيهِ مِن بَعْدِ اللَّهِ ۚ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ﴾، فظلت تفكر في حياتها الماضية، تقول الكاتبة واصفة تلك الانفعالات: "سادت الجلسة لحظات من الصمت، كانت رين تفكِّر في كلام إيثار وفي علاقاتها السابقة قبل طالب. تذكَّرت كم مرة تعرَّضت فيها للاستغلال والتلاعب، وكم مرة كُسر قلبها، الأمر الذي كاد يدمِّر حياتها لعزوفها عن الدراسة بسبب الاكتئاب لولا لطف الله فيها".
0 تعليق