في وقت تستعد فيه عواصم أوروبية كبرى مثل لندن وباريس للاعتراف بدولة فلسطين، يتجدد السؤال المحوري: ما الذي يقف بين الفلسطينيين والحصول على مقعد كامل العضوية في الأمم المتحدة؟ وعلى الرغم من الاعتراف الواسع الذي تحظى به فلسطين من غالبية دول العالم، إلا أن مسار العضوية الكاملة يصطدم بعقبات قانونية وسياسية معقدة، أبرزها جدار مجلس الأمن وحق النقض (الفيتو) الذي يُشهر غالباً لمنع أي قرار لا يصب في مصلحة الاحتلال.
"عضوية كاملة" مقابل "دولة مراقب": ما الفرق؟
لفهم المسار الفلسطيني، يجب التمييز بين حالتين قانونيتين في الأمم المتحدة:
العضوية الكاملة: تتطلب توصية إيجابية من مجلس الأمن (بموافقة 9 أعضاء على الأقل ودون "فيتو" من الدول الخمس دائمة العضوية)، تليها موافقة ثلثي أعضاء الجمعية العامة.
وتمنح هذه العضوية الدولة كامل الحقوق، بما في ذلك حق التصويت وتقديم مشاريع القرارات.
دولة مراقب غير عضو: هذا هو الوضع الحالي لفلسطين منذ عام 2012. يتم الحصول على هذه الصفة بقرار من الجمعية العامة فقط، ويعتبر اعترافاً دولياً بالدولة، لكنه لا يمنحها حق التصويت في الجمعية العامة.
مع ذلك، فإن هذه الصفة تكتسب أهمية كبرى لأنها سمحت لفلسطين بالانضمام إلى وكالات أممية أخرى والمؤسسات الدولية، وأهمها المحكمة الجنائية الدولية.
المسار التاريخي: 50 عاماً من النضال الدبلوماسي
بدأ المسار الفلسطيني في الأمم المتحدة بخطوات تدريجية:
1974: عام محوري، حيث اعترفت الجمعية العامة بمنظمة التحرير الفلسطينية "كممثل شرعي وحيد للشعب الفلسطيني"، ومنحتها صفة "مراقب" في الأمم المتحدة.
1988: بعد إعلان الاستقلال الفلسطيني في الجزائر، أقرت الجمعية العامة استخدام اسم "فلسطين" بدلاً من "منظمة التحرير الفلسطينية".
2011: قدم الرئيس محمود عباس طلباً رسمياً للحصول على العضوية الكاملة. أحيل الطلب إلى مجلس الأمن، لكنه لم يصل إلى مرحلة التصويت بسبب عدم وجود الدعم الكافي لتجاوز "فيتو" أمريكي كان متوقعاً.
2012: رداً على تعثر مسار مجلس الأمن، توجهت فلسطين إلى الجمعية العامة، التي صوتت بأغلبية ساحقة (138 دولة) على رفع مكانة فلسطين إلى "دولة مراقب غير عضو".
عقبة مجلس الأمن والفيتو الأمريكي
تبقى العقبة الرئيسية أمام العضوية الكاملة هي مجلس الأمن. فعلى الرغم من أن فلسطين تحظى باعتراف أكثر من 140 دولة، أي ما يتجاوز أغلبية الثلثين المطلوبة في الجمعية العامة، إلا أن أي مشروع قرار في مجلس الأمن لمنح فلسطين توصية بالعضوية الكاملة يواجه احتمال استخدام حق النقض (الفيتو) من قبل الولايات المتحدة، التي تصر على أن قيام الدولة يجب أن يكون نتيجة مفاوضات مباشرة مع كيان الاحتلال.
زخم جديد بعد حرب غزة و"إعلان نيويورك"
في أعقاب حرب الإبادة على غزة، والتصعيد غير المسبوق في الضفة الغربية، بدأ زخم دولي جديد بالتشكل. وتجلى هذا الزخم في "إعلان نيويورك" الذي تبنته الجمعية العامة في 12 سبتمبر 2025، والذي دعا إلى خطوات ملموسة لا رجعة فيها نحو حل الدولتين.
ويبدو أن التوجه الجديد لدول أوروبية وازنة مثل فرنسا وبريطانيا وألمانيا نحو الاعتراف الثنائي بدولة فلسطين، هو محاولة لخلق واقع سياسي جديد، والضغط على الأطراف المترددة، وربما تجاوز حالة الشلل في مجلس الأمن، على أمل أن يفتح هذا المسار الباب في النهاية أمام تحقيق الحلم الفلسطيني بالعضوية الكاملة في الأمم المتحدة.
0 تعليق