في واحدة من القضايا الغريبة من نوعها، أسدلت محكمة التمييز في دبي الستار على رحلة تقاضٍ طويلة ومثيرة، قضت فيها ببراءة زوج أوروبي من تهمة انتهاك خصوصية زوجته، بعد أن كان قد أُدين مرتين من قبل محكمتي أول درجة والاستئناف. وتفتح هذه القضية الباب واسعاً للنقاش حول الحدود القانونية الدقيقة للخصوصية داخل العلاقة الزوجية في العصر الرقمي.
بدأت القصة ببلاغ قدمته زوجة أوروبية إلى شرطة دبي، اتهمت فيه زوجها (38 عاماً) بأنه "مهووس" بتصويرها بهاتفه دون رضاها، خاصة في "أوضاع غير محتشمة"، أو حتى عندما تكون في حالات ضعف إنساني، مثل الغضب أو البكاء.
وقالت في إفادتها إنها طلبت منه مراراً التوقف، لكنه كان يصر على أن ذلك "من حقه كزوج". وتصاعد الأمر عندما قام بتركيب كاميرات مراقبة في المنزل، مدعياً أنها لمراقبة العاملة المنزلية، لكنها اكتشفت أنها لمراقبتها شخصياً بعد أن اتصل بها غاضباً يسألها عن سبب إطفائها للكاميرات.
رحلة التقاضي: إدانتان ثم براءة مفاجئة
بناءً على شكوى الزوجة وتقرير الأدلة الإلكترونية، وجهت النيابة العامة للزوج تهمة الاعتداء على الخصوصية وفق قانون مكافحة الجرائم الإلكترونية.
محكمة أول درجة: أنكر الزوج التهمة وادعى أن الاتهام كيدي بسبب خلافات زوجية. لكن المحكمة اطمأنت لأدلة الثبوت وقضت بإدانته وتغريمه 5000 درهم.
محكمة الاستئناف: طعن الزوج على الحكم، مؤكداً أن التصوير كان برضا زوجته وفي إطار العلاقة الزوجية. إلا أن محكمة الاستئناف رفضت طعنه وأيدت حكم الإدانة.
محكمة التمييز: واصل الزوج رحلته إلى أعلى هيئة قضائية، والتي فاجأت الجميع بقبول طعنه، ونقض الحكمين السابقين، والقضاء ببراءته بشكل نهائي.
لماذا البراءة؟.. حدود الخصوصية بين الزوجين
ويكمن سر هذا التحول القضائي في التفسير القانوني الدقيق لجريمة "انتهاك الخصوصية". يوضح المستشار القانوني الدكتور سالم الشامسي أن "محكمة التمييز تنظر في صحة تطبيق القانون، وليس فقط في وقائع القضية".
ويضيف: "يبدو أن المحكمة العليا رأت أن تجريم انتهاك الخصوصية بموجب قانون الجرائم الإلكترونية يتطلب غالباً عنصراً يتجاوز حدود العلاقة الزوجية الخاصة، مثل النشر، أو التهديد، أو الاستغلال. فمجرد التقاط صور داخل المنزل المشترك بين الزوجين، حتى دون رضا الطرف الآخر، قد لا يرقى لمستوى الجريمة الجنائية ما لم يقترن بفعل ضار آخر، خاصة في ظل وجود خلافات زوجية قد تدفع للاتهامات الكيدية".
وهكذا، حسمت محكمة التمييز القضية قانونياً، لكنها تركت الجدل الاجتماعي والأخلاقي مفتوحاً حول أين تبدأ حقوق الزوج وأين تنتهي خصوصية الزوجة في عصر أصبحت فيه الكاميرات جزءاً من حياتنا اليومية.
0 تعليق