بغداد- أثار قرار وزارة الخارجية الأميركية -قبل أيام- تصنيف 4 فصائل عراقية مسلحة هي: حركة النجباء، وكتائب سيد الشهداء، وحركة أنصار الله الأوفياء، وكتائب الإمام علي، "منظمات إرهابية" ردود فعل متباينة داخل العراق. واعتبر نقطة تحول مفصلية في المشهد السياسي والأمني.
يأتي هذا الإجراء في خضم توترات متصاعدة، ويعكس بوضوح سياسة "الضغط الأقصى" التي تستهدف هذه الفصائل، حيث لا يقتصر تأثير القرار على بعده السياسي، بل يمتد ليشمل تحديات أمنية وسياسية قد تعيد تشكيل توازنات القوى المحلية وتعقد الوضع في البلاد.
" frameborder="0">
لا تأثير
وقلَّل عضو المكتب السياسي لحركة النجباء، فراس الياسر، من أهمية القرار الأميركي تجاه فصائل المقاومة، وقال للجزيرة نت "تأثيرات القرار ستكون سطحية وبينية وليست لها تأثيرات كبيرة على المقاومة، التي لا تمتلك أموالا في بنوك خارج العراق ولا شركات ضخمة، وحركتها تقتصر على جغرافيا معينة".
وأضاف أن القرار الأميركي "لم يأت بجديد، بل هو استعداء لشريحة واسعة من العراقيين"، مؤكدا أن فصائل المقاومة ليست حالة طارئة، بل جزء أصيل من المجتمع العراقي، خصوصا في ظل "الوجود الأميركي غير المبرر".
واعتبر هذه الإجراءات ما هي إلا "محاولات وأوراق ضغط تستهدف العراق حكومة ومجتمعا، وبيئة المقاومة، لا سيما بعد الموقف الثابت للمقاومة الإسلامية في معركة طوفان الأقصى وتضحياتها تجاه القضية الفلسطينية".

وأكد الفاعل السياسي، أن الولايات المتحدة تمارس شتى أنواع الضغط على الدولة العراقية، مستذكرا ضغطها لمنع تمرير قانون الحشد الشعبي، رغم أنه مؤسسة حكومية ولها غطاء تشريعي، واصفا تلك التصرفات بأنها "مس واضح بسيادة العراق وتدخل في شؤونه الداخلية، سواء عبر عرقلة إقرار قانون الحشد أو الآن بوضع فصائل المقاومة تحت تصنيفات مختلفة كوصفها بالإرهاب".
إعلان
وشدد المتحدث ذاته على أن "واشنطن تعيش حالة من اليأس"، معتبرا أن هذه الخطوة هي محاولة فاشلة لاحتواء المقاومة الإسلامية أو فتح باب للمفاوضات التي ترفضها المقاومة.
وأوضح أن المقاومة الإسلامية "تعتبر الآن حجر عثرة أمام أي مشروع أميركي إسرائيلي يهدف لتحقيق مشروع إسرائيل الكبرى"، مضيفا أن أميركا تحاول الآن استخدام أقصى أوراق الضغط ضد المقاومة العراقية وعموم محور المقاومة.
بانتظار الحل
من جهته، رجح المستشار العسكري صفاء الأعسم، أن تشهد الشهور القريبة المقبلة تقدما لإيجاد حل للقضايا المتعلقة بوضع الفصائل المسلحة التي أدرجتها أميركا على قوائمها للإرهاب، مشيرا إلى أن هذا التوجه يهدف لإزالة العوائق أمام الشراكة الإيجابية بين البلدين.
وقال الأعسم للجزيرة نت إن تصنيف أميركا لبعض الفصائل كـ"منظمات إرهابية" يُمثل تحديا يربك الجهود الحكومية لتحقيق الأمن والاستقرار، خاصة وأن هذه الفصائل أظهرت التزاما كبيرا بتوجيهات القائد العام للقوات المسلحة خلال الأشهر الستة الماضية، ولم يتم رصد أي تحركات عملياتية أو هجمات لتلك الفصائل داخل الحدود العراقية أو خارجها خلال الفترة الأخيرة.
وأضاف "هذا التطور يعكس سياسة حاسمة اتخذها القائد العام للقوات المسلحة لضبط إيقاع هذه الفصائل بشكل فعّال، بما يخدم مصلحة الأمن والاستقرار في البلاد".

وشدد على أن العراق يحرص على تجنب أي اضطرابات أمنية، ويؤكد دوره كصمام أمان للمنطقة بأسرها، بما فيها دول الشرق الأوسط.
وتطرق الأعسم إلى عمق العلاقة بين العراق وأميركا، مضيفا "كلا البلدين يعتبران الآخر شريكا وحليفا إستراتيجيا"، وأكد على أهمية اتفاقية الإطار الإستراتيجي، التي تُعد أساسا للتعاون الثنائي.
وأضاف أن العقيدة التسليحية العراقية، التي أصبحت غربية بعد 2003، تتطلب استمرار التعاون مع أميركا من حيث توفير الخبراء والمدربين، وتقديم الاستشارات، إضافة لشراء الأسلحة، متوقعا أن "يتم حل هذه القضايا بشكل نهائي خلال 60 يوما القادمة، مما يضمن عدم تأثر العلاقة الإستراتيجية بين البلدين".
عقوبات سابقة
وتاريخيا فرضت واشنطن عقوبات على فصائل وشخصيات عراقية مختلفة بينها:
كتائب حزب الله، أدرجت على قائمة الإرهاب الأميركية في 2009. حركة النجباء، فرضت عليها عقوبات في 2019 مع أمينها العام. عصائب أهل الحق، في يناير/كانون الثاني 2020 أعلنت وزارة الخارجية الأميركية نيتها تصنيفها منظمة إرهابية، إضافة الى قائدها وشقيقه. قادة فصائل مسلحة في نوفمبر/تشرين الثاني 2023 فرضت وزارة الخزانة الأميركية عقوبات على عدد من قادة كتائب سيد الشهداء.من جهته، أكد السياسي العراقي المقرب من فصائل المقاومة، علي فضل الله، أن القرار الأميركي لم يكن مفاجئا، بل هو خطوة متوقعة ومتكررة في سياق العداء الأميركي الواضح تجاه هذه الفصائل.
وقال فضل الله للجزيرة نت "صدور العقوبات الأميركية تجاه 4 فصائل من المقاومة الإسلامية العراقية، هي حالة طبيعية لعداء أميركا الواضح لهذا المحور المناوئ لوجودها على الجغرافيا العراقية والمطالب بخروج الأميركيين من العراق".
إعلان
وأضاف أن أبعاد القرار واضحة وتهدف إلى "ملاحقة سياسية واقتصادية وأمنية وعسكرية لأعضاء هذه الفصائل وقياداتها"، مبينا أن هذه الإجراءات تتطلب "حيطة وحذرا".
كما اعتبر فضل الله أن هذا القرار قد يكون "في باب الضغط على الحكومة العراقية وإحراجها أمام هذه الفصائل التي التزمت بالهدنة من أجل إخراج القوات الأميركية دبلوماسيا عبر الحكومة العراقية".

"ألغام سياسية"
أما الخبير الإستراتيجي المختص بالشأن العراقي، سمير عبيد، فرأى في حديثه للجزيرة نت أن القرار الأميركي يحمل في طياته "ألغاما" سياسية وإستراتيجية تهدف لإحراج الحكومة العراقية، وتفجير التحالفات السياسية، ونسف العملية الانتخابية.
وأكد أن القرار الصادر عن وزارة الخارجية الأميركية وليس وزارة الخزانة، إجراء "سياسي" بالدرجة الأولى، يهدف لإحراج الحكومة العراقية وتحالف الإطار التنسيقي الذي تمثل فيه هذه الكيانات.
وأضاف أن الحكومة العراقية أصبحت أمام خيارين صعبين: اتخاذ إجراءات بحق هذه الكيانات، مما سيبعث برسالة إيجابية لواشنطن، أو ترفض ذلك، مما سيعتبر رسالة سلبية.
وأشار إلى أن القرار يضع أيضا الأطراف السنية والكردية في حرج من التعامل مع الحكومة والإطار، مما قد يدفعهم للابتعاد عنهما، وقد يكون هذا هو الهدف الأميركي من القرار، لإسقاط الحكومة والإطار ونسف الانتخابات.
كما يهدف القرار -وفق عبيد- لتفجير التحالفات الانتخابية القادمة، وبالتالي تأجيل أو إلغاء الانتخابات، وذلك لاستبعاد تمثيل هذه الكيانات من العملية السياسية.
ولم يغفل عبيد عن البعد الإستراتيجي متوسط المدى للقرار، الهادف لإبعاد تلك الكيانات عن هيئة الحشد الشعبي، في محاولة للسيطرة على الهيئة، معتبرا أن هذا القرار "كرة نار" ألقتها واشنطن في حضن الحشد الشعبي.
وخلص إلى أن هذه الخطوات هي جزء من "مسلسل الخنق التدريجي" الذي تمارسه واشنطن على العراق، مؤكدا أن هناك خطوات قادمة أكثر ثقلا وإيلاما.
0 تعليق