عاجل

رفعت الحاج سري مؤسس "تنظيم الضباط الأحرار" في العراق - البطريق نيوز

0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

أحد أبرز الضباط العسكريين في العراق، ولد عام 1917 بالعاصمة بغداد، التحق بالكلية العسكرية وتخرج فيها ضابطا ثم تدرج في الرتب حتى أصبح عقيدا.

أسس عام 1949 "تنظيم الضباط الوطنيين"، النواة الأولى لتشكيل ما عرف لاحقا بـ"تنظيم الضباط الأحرار"، الذي مهد بدوره للإطاحة بالحكم الملكي في يوليو/تموز 1958.

عين رئيسا لجهاز الاستخبارات عام 1958 ثم أقيل من منصبه بعد عام واحد. صدر بحقه حكم بالإعدام عام 1959، نفذ بساحة أم الطبول في العاصمة.

المولد والنشأة

ولد رفعت بن الحاج سري بن صالح -واسمه المركب "مصطفى رفعت"- عام 1917 في العاصمة العراقية بغداد، لعائلة تنحدر من مدينة الموصل شمالي العراق.

نشأ في بيئة محافظة وبدأ حياته بتعلم القرآن وعلوم الشريعة، وعرف عنه التزامه بالدين وتمسكه بتأدية الفرائض، حتى لقبه أصحابه بـ"الدين"، كما عرفه من حوله بالشجاعة والاستقامة.

وكان والده "الحاج سري" من أوائل مؤسسي فوج موسى الكاظم، أول فوج في الجيش العراقي بعد بناء الدولة الحديثة.

**داخلية** الضابط العراقي رفعت الحاج سري
رفعت الحاج سري تخرج في الكلية العسكرية في بغداد (الصحافة العراقية)

المسار الدراسي والعسكري

بعد إكماله الدراسة الابتدائية والثانوية في مدارس بغداد التحق بالكلية العسكرية الأولى في المدينة نفسها وتخرج فيها ضابطا، وشارك في مهام عسكرية عديدة وكان يحظى بالتقدير داخل وحدته.

بعد تخرجه تدرج في الرتب إلى أن بلغ رتبة عقيد ركن، وعرف داخل الأوساط العسكرية بانضباطه والتزامه بأداء واجباته، كما عرف بالتحفظ في معاملاته وصعوبة ثقته بالآخرين.

كان العراق في نهاية أربعينيات وحتى بداية خمسينيات القرن العشرين تحت الحكم الملكي، لكن الملك فيصل الثاني كان قاصرا آنذاك، لذلك تولى خاله الأمير عبد الإله العرش إلى حين بلوغه السن القانونية.

وقد شارك الجيش العراقي في الحرب العربية ضد إسرائيل عام 1948، والتي تعرف أيضا بـ"النكبة"، إلى جانب جيوش مصر وسوريا والأردن ولبنان.

تنظيم الضباط الأحرار

وبعد انتهاء الحرب بهزيمة مؤلمة للجيوش العربية مجتمعة، شعر الحاج سري حينها بخيبة أمل من الجيش العراقي (الملكي) وهمّ بتأسيس "تنظيم الضباط الوطنيين" عام 1949.

إعلان

ولم يكن إخفاق الجيش العراقي وحده السبب لاستياء الحاج سري إلى جانب عدد من الضباط الآخرين، بل كانت هناك مجموعة من العوامل السياسية والاجتماعية والعسكرية المتراكمة.

وتمثلت تلك العوامل في استمرار التبعية للانتداب البريطاني عبر الاتفاقيات السياسية والعسكرية وتدهور الأوضاع وتفاقم الفقر والبطالة، علاوة على ازدياد الفجوة بين الطبقات وتجاهل السلطة الحاكمة دعوات الإصلاح.

" frameborder="0">

وعقب عودة الجيش العراقي إلى الوطن بدأ مصطفى رفعت في العمل السري وجمع بعض الضباط من سلاح الهندسة وأقسام أخرى، وكان من بينهم العقيد الركن المهندس رجب عبد المجيد وعبد الوهاب الأمين.

وبعد سنوات توسع التنظيم تدريجيا فضم ضباطا قوميين وشيوعيين جمعتهم الرغبة في إنهاء الملكية تحت اسم "تنظيم الضباط الأحرار".

وبحلول عام 1957 تشكلت اللجنة العليا للتنظيم وعقدت أول اجتماع لها بحضور المعلم الأقدم العقيد الركن محي الدين عبد الحميد ومدير التدريب العسكري العقيد الركن ناجي طالب وآمر كتيبة المدفعية الثقيلة العقيد الركن محسن حسن الحبيب.

دارت أثناء الاجتماع نقاشات مختلفة أبرزها عن آلية العمل والقيادة وتزكية عدد من الضباط الآخرين لإشراكهم في التنظيم.

الإطاحة بالحكم الملكي

وفي سياق الاستعدادات للثورة جرى اتصال بين العقيد المهندس رجب عبد المجيد سكرتير اللجنة العليا لتنظيم الضباط الأحرار والأستاذ محمد صديق شنشل في أعقاب عام 1957.

وفي أوائل 1958 كُلف شنشل بالسفر إلى القاهرة للقاء زعيم القومية العربية آنذاك جمال عبد الناصر بهدف مفاتحته بشأن الثورة ومعرفة موقف الجمهورية العربية المتحدة منها، فأظهر ترحيبا ودعما كبيرين.

وكان رفعت سري المهندس والمخطط لعملية الانقلاب، وتولى كل من عبد السلام عارف وعبد الكريم قاسم مسؤولية تنفيذه. وفي صباح 14 يوليو/تموز 1958 توجهت مجموعة من الضباط صوب قصر الرحاب ببغداد -مقر إقامة العائلة الملكية- وحاصروه وطلبوا من العائلة الاستسلام فاستجابت دون مقاومة.

عبد السلام عارف (يسار) مع مجموعة من أتباعه في فندق بغداد (غيتي إيميجز)

بيد أن المشهد سرعان ما تحول إلى مأساة دامية وصفت بـ"مجزرة قصر الرحاب"، فقد أطلق الضباط النار على الملك فيصل الثاني والأمير الوصي عبد الإله ورئيس الوزراء آنذاك نوري السعيد رغم استسلامهم.

وأشارت بعض المصادر والروايات إلى أن نوري السعيد لم يقتل داخل القصر، بل انتحر بجواره بعد محاولة هروب فاشلة.

ورغم أن رفعت الحاج سري كان من مخططي الثورة إلا أنه لم يكن راضيا عن الطريقة التي نُفذت بها، خاصة فيما تعلق بالعنف وإراقة الدماء.

رفعت رئيسا للاستخبارات

بعد نجاح الانقلاب أصبح عبد الكريم قاسم الحاكم الفعلي للبلاد وتولى 3 مناصب في آن واحد، إذ أصبح رئيسا للوزراء ووزيرا للدفاع وقائدا للقوات المسلحة.

وفي أغسطس/آب 1958 عين قاسم العقيد الحاج سري رئيسا لجهاز الاستخبارات في الحكومة الجديدة، أما عبد السلام عارف (شريكه في الانقلاب) فقد عين نائبا له ووزيرا للداخلية.

لكن عارف لم يكن يملك صلاحيات حقيقية، مما دفعه إلى الدخول في خلاف مع قاسم بعد فترة قصيرة، خاصة بعد اكتشاف رغبة قاسم في الانفراد بالحكم معتمدا على دعم الحزب الشيوعي.

إعلان

" frameborder="0">

وكان الحاج سري يراقب بصمت، وكان من الضباط ذوي الخلفية الإسلامية الوطنية، ورفض بشكل علني أي تحالف و"نفوذ أيديولوجي متطرف"، سواء داخل المؤسسة العسكرية أو في إدارات الدولة.

وجعله هذا الموقف في موضع ريبة وشك لدى قاسم فأقاله من منصبه في أبريل/نيسان 1959، وأفقده ذلك فعاليته في صناعة القرار في السياسة العسكرية.

واتسمت مرحلة ما بعد عزله بامتناعه عن المشاركة في الصراعات السياسية وابتعاده عن الانقلابات التي شهدها العراق في تلك الفترة.

محاولة للانقلاب في الموصل

في تلك الأثناء رأى الضابط عبد الوهاب الشواف أن قاسم وعارف قد خرجا عن مسار ثورة يوليو/تموز ومبادئ تنظيم الضباط الأحرار، فطرح على كل من طاهر يحيى وعبد اللطيف الدراجي ورفعت الحاج سري فكرة تنفيذ ما أسماها "حركة تصحيحية" من أجل إعادة الثورة إلى مسارها الصحيح.

وفي الثامن من مارس/آذار 1958 بثت إذاعة الموصل بيانا طلب فيه الشواف تنحي عبد الكريم قاسم عن الحكم، وأعلن بداية الانقلاب عليه بشكل رسمي.

لكن حكومة بغداد لم تتأخر في الرد ووصفت حركة الشواف بأنها "مؤامرة قومية ذات امتدادات إقليمية"، خاصة بعد دعمها من البعثيين في القاهرة ودمشق.

كما أرسلت في اليوم التالي سربا من الطائرات الحربية وقصفت معسكر الغزلاني ومواقع الشواف، إضافة إلى وحداته العسكرية، مما أفضى إلى مقتله على الفور.

وتبعت تلك الأحداث حملة اعتقالات واسعة استهدفت عددا من الناشطين القوميين وعددا من أفراد "تنظيم الضباط الأحرار" في شتى المدن والمحافظات لردع التمرد، ثم جاءت بعدها عمليات قمع دامية ضد أنصار الشواف راح ضحيتها الآلاف.

رئيس الوزراء العراقي الأسبق عبد الكريم قاسم
رئيس الوزراء العراقي الأسبق عبد الكريم قاسم (غيتي إيميجز)

محكمة المهداوي

أصدر مجلس الوزراء العراقي تشريعا في أغسطس/آب 1958 يقضي بمحاسبة "المتآمرين على أمن الوطن"، وبعد تشكيل المحكمة العسكرية العليا الخاصة وهيئاتها، صدرت قائمة بأسماء المتهمين الذين سيحاكمون أمامها.

وتضمنت تلك القائمة 30 ضابطا و78 من المدنيين الذين شغلوا مناصب مهمة في الدولة واتهموا بتجاوز القانون.

وباشرت المحكمة أعمالها في 16 أغسطس/آب من السنة ذاتها معلنة أن جلساتها ستكون علنية، واتخذت مجلس النواب العراقي مقرا لها، وعين عباس فاضل المهداوي رئيسا لها.

وقد وردت أسماء رفعت الحاج سري والركن ناظم الطبقلجي في القائمة، وفقا لما ذكره بعض الضباط في مذكراتهم.

وبعد فترة قصيرة مثل الحاج سري أمام محكمة المهداوي وآثار التعذيب بادية على جسده، وقال "لقد ضربت حتى تقيأت دما، فإذا أردتم إعدامي فلتفعلوا لكن لا تهينوا كرامتي أكثر من ذلك".

وقد نفى كل الاتهامات الموجهة إليه، كما طلبت هيئة الدفاع عنه إحضار شهود على صحة أقواله، لكن المحكمة رفضت ذلك، وأصدرت حكما بالإعدام.

الإعدام

وفي ليلة 19 سبتمبر/أيلول 1959 وقبل يوم من إعدامه، كتب الحاج سري رسالة إلى زوجته جاء فيها: "آمل ألا يسبب لك موتي الكثير من الألم، إنها إرادة الله، ولن يصيبنا إلا ما كتبه الله لنا".

أعدم العقيد رفعت الحاج سري في صباح يوم 20 سبتمبر/أيلول 1959 رميا بالرصاص في ساحة أم الطبول بالعاصمة بغداد.

وتكريما لمواقفه سميت مدرسة في مدينة حلب السورية باسمه تخليدا لذكراه.

0 تعليق