سيناء والمواجهة الصامتة بين مصر وإسرائيل - البطريق نيوز

0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

تتموضع سيناء في المدة الأخيرة عند تقاطع نارين؛ متطلبات الأمن الحدودي المصري بعد حرب غزة، وقلق إسرائيلي متنام من تغير معادلات القوة والانتشار في شبه الجزيرة.

وبينما ترى القاهرة أن تعزيز حضورها شرقي قناة السويس ضرورة دفاعية لردع "الإرهاب والتهريب"، تعتبر تل أبيب ذلك خرقا لترتيبات الملحق الأمني لمعاهدة كامب ديفيد.

وفي الخلفية، تضغط حرب البحر الأحمر وتداعياتها على الملاحة، وتعيد مناورة "النجم الساطع 2025" (Bright Star-2025) برعاية واشنطن والقاهرة إظهار شبكة تحالفات أوسع، وتتصاعد لعبة الرسائل، فإسرائيل تحرك قنواتها في واشنطن، ومصر تصر على شرعية نشر قواتها ضمن آليات المعاهدة.

Egyptian army tanks are deployed along the border with the Gaza Strip on July 4, 2024 in el-Arish, in the north Sinai Peninsula, amid continuing battles between Hamas and Israel in Palestinian besieged territory. (Photo by AFP)
دبابات الجيش المصري تنتشر على طول الحدود مع قطاع غزة (الفرنسية)

خرائط الانتشار المصري في سيناء

كشف تقرير أميركي أن رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، طلب من واشنطن الضغط على القاهرة بزعم "انتهاكات جوهرية" للاتفاق الموقع عام 1979 كملحق أمني لاتفاق كامب ديفيد للسلام الموقع عام 1978.

ونشر موقع أكسيوس عن مسؤولين إسرائيليين وأميركيين في 20 سبتمبر/أيلول الجاري أن "نتنياهو قدم لوزير الخارجية مارك روبيو قائمة بالأنشطة المصرية في سيناء، واعتبرها انتهاكا جوهريا للمعاهدة".

وفي تأكيد رسمي لانتشار قوات مصرية في سيناء، شددت الهيئة العامة للاستعلامات المصرية، في بيان لها في 21 سبتمبر/أيلول، على أن "القوات المتواجدة في سيناء تستهدف تأمين الحدود، وفي إطار التنسيق المسبق مع أطراف السلام".

ويعتبر المسؤولون الإسرائيليون أن حجم انتشار الجيش المصري في سيناء "أكبر بكثير" مما وافقت عليه سلطات الاحتلال في التفاهمات الثنائية خلال العام الأخير.

Israeli Premier Menachem Begin (l) addresses 20 November 1977 in Jerusalem the Knesset (parliament) as Egyptian President Anwar al-Sadat (c) and Israeli Foreign minister Yitzhak Shamir (2nd-r)listen during Egypt's President historic visit to Israel. - Talks between Sadat and Begin continued and after various delays an unexpected breakthrough occurred in September 1978 after talks at Camp David in the USA under the guidance of US President Carter, when Begin and Sadat signed two peace agreements. (Photo by - / IPPA / AFP)
بيغن يلقي خطابا أمام الكنيست في القدس بتاريخ 20 نوفمبر 1977 بحضور السادات (وسط) وشامير (الفرنسية)

تقسيم سيناء

وينص الملف الأمني لاتفاق السلام المصري الإسرائيلي على تقسيم سيناء إلى 3 مناطق:

منطقة أ قرب قناة السويس ويسمح فيها بانتشار فرقة عسكرية كاملة. منطقة ب، حيث يُسمح فقط بحرس حدود بأسلحة خفيفة. منطقة ج الملاصقة للحدود وتُعتبر منزوعة السلاح، ولا يُسمح فيها سوى بوجود شرطة مسلحة بأسلحة فردية.

إعلان

وتُظهر المؤشرات الميدانية أن القاهرة رفعت منذ مطلع 2024 مستوى الجاهزية والتجهيز على خطوط تماس رفح الشيخ زويد وشمال شرق سيناء، ضمن مسعى مزدوج يرمي إلى سد ثغرات التهريب ومواجهة بقايا "الخلايا الإرهابية"، ومنع أي تدفق قسري للسكان من غزة.

وقد أفادت تقارير بأن الجيش المصري عزز وجوده بتشكيلات مدرعة وآليات نقل جند قُبيل توسع العمليات الإسرائيلية في رفح، بينما وثقت صور أقمار اصطناعية أعمال تسوية وبناء أسوار ومنطقة عازلة عريضة على خط الحدود.

وكانت صور أقمار اصطناعية قد أظهرت، بحسب ما أوردت شبكة "سي إن إن" (CNN) في 6 فبراير/شباط 2024، أن "مصر تبني منطقة عازلة بعرض يتجاوز الميلين مع جدار قرب رفح". ونقل تقرير لرويترز عن مصادر عسكرية مصرية في 10 فبراير/شباط أن "الجيش المصري نشر نحو 40 دبابة وناقلة جند قرب حدود غزة".

الموقف الإسرائيلي

اعتبر مسؤول إسرائيلي، بحسب ما نقلت عنه أكسيوس الأميركية، أن "ما تفعله مصر في سيناء أمر خطير جدا، ونحن قلقون للغاية"، معتبرا أن التوسع العسكري المصري يشمل إنشاء بنى تحتية قد تُستخدم لأغراض هجومية.

وقال مسؤولون إسرائيليون رفيعو المستوى، في تصريحات أوردتها القناة 12، إن التعزيزات المصرية في سيناء تحولت إلى "نقطة توتر رئيسية إضافية" بين الجانبين. وأفادوا بأن اتصالات مباشرة بين تل أبيب والقاهرة لم تحقق أي تقدم، مما دفع إسرائيل إلى التوجه لواشنطن.

وحذر السفير الإسرائيلي السابق لدى مصر ديفيد جوفرين، في مقال نشرته صحيفة معاريف في 23 سبتمبر/أيلول الجاري، من أن مصر تعمل منذ سنوات على "تآكل تدريجي" للملحق الأمني في اتفاقية كامب ديفيد، من خلال فرض حقائق جديدة على الأرض.

وقال إن التطورات الأخيرة في غزة قد تمنح القاهرة ذريعة لتعزيز وجودها العسكري في سيناء بشكل غير مسبوق، محذرا من أن ذلك قد يفتح الباب أمام مواجهة مستقبلية بين الجانبين.

ونقل جوفرين أن المسؤولين المصريين الذين التقاهم خلال خدمته في القاهرة اعتبروا أن الوقت حان لإلغاء القيود العسكرية في سيناء، وهو ما عبر عنه ضباط الجيش المصري بشكل متكرر، وعلى رأسهم الرئيس عبد الفتاح السيسي.

" title="السيسي في الدوحة">

توتر دبلوماسي

وفي ظل تصاعد التوتر في هذا الملف، برزت تصريحات رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، التي ذكر فيها عن أحلامه بإقامة "إسرائيل الكبرى"، وأدانت القاهرة هذه التصريحات وطالبت بإيضاحات رسمية.

كما سبق أن أعربت مصر عن بالغ الاستهجان لتصريحات نتنياهو بشأن تهجير الفلسطينيين من قطاع غزة عبر معبر رفح، وأكد بيان لوزارة الخارجية "أن أي دعوة أو تلميح لتهجير الشعب الفلسطيني، سواء قسرا أو طوعا، من أرضه، تُعد مرفوضة تماما ومدانة بشدة، وتشكل انتهاكا صارخا للقانون الدولي الإنساني، وترقى إلى درجة جرائم التطهير العرقي، وفقا للمواثيق الدولية، بما في ذلك اتفاقيات جنيف".

كما تجدر الإشارة إلى أن القاهرة لم تعتمد حتى الآن السفير الإسرائيلي الجديد، في حين لا يوجد سفير مصري في تل أبيب، في ما اعتبره مراقبون مؤشرا على فتور العلاقة بين الطرفين.

مستقبل العلاقات المصرية الإسرائيلية

لا تخفي مصر قلقها من الحرب المستمرة في غزة والاعتداءات الإسرائيلية المتواصلة في المنطقة، وتأثيرها على الأمن القومي المصري، وحتى على مصير معاهدة السلام التي تربطها بإسرائيل.

إعلان

فقد صرح الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي خلال القمة العربية الإسلامية في الدوحة بأن "ما يحدث الآن يُعيق فرص السلام، يُهدد أمنكم وأمن شعوب المنطقة، ويُضيف عقبات لفرص أي اتفاقيات سلام جديدة وحتى يُبطِل الموجودة منها".

كما رفضت مصر مقترحات تتعلق ببقاء قوات إسرائيلية على الحدود مع غزة، إذ قالت وزارة الخارجية المصرية في 18 سبتمبر/أيلول 2024 إن "مصر لن تقبل ببقاء قوات إسرائيلية على الحدود مع غزة ولا أي تغييرات في الترتيبات الأمنية التي كانت قائمة قبل الحرب".

وتوقف السفير الإسرائيلي السابق في مصر، ديفيد جوفرين، عند خطاب السيسي الأخير في القمة العربية الإسلامية التي عُقدت في قطر، حيث وصف إسرائيل بأنها "عدو"، في سابقة منذ توقيع معاهدة السلام.

واعتبر أن هذا التوصيف يعكس غضبا مصريا متراكما، سواء بسبب حرب الإبادة في غزة، أو تجميد إسرائيل المصادقة على صفقة غاز ضخمة بقيمة 35 مليار دولار.

وبحسب السفير جوفرين، فإن التصعيد الإسرائيلي في غزة وخشية مصر من تدفق اللاجئين دفعا القاهرة إلى تعزيز وجودها العسكري في رفح، مما قد يتحول إلى نقطة انطلاق لتغيير دائم في ميزان القوى بسيناء.

شكوك حول تحقيق العملية العسكرية الشاملة بسيناء (مواقع تواصل)
إسرائيل تزعم أن مصر تسعى لتوسيع حضورها العسكري في سيناء (مواقع التواصل)

توسيع الحضور العسكري

وحذر من أن استمرار هذه العملية قد يمنح مصر فرصة لاستغلال الظروف لتوسيع حضورها العسكري، مع الإبقاء عليه حتى بعد انتهاء الحرب، في ما يشبه تآكلا متدرجا للملحق الأمني.

ورأى جوفرين أن إسرائيل ستواجه صعوبة في الاعتماد على القوة المتعددة الجنسيات في سيناء أو حتى على الولايات المتحدة لإجبار مصر على العودة للقيود السابقة، مما قد يتركها أمام واقع جديد يتمثل في جيش مصري أقوى وأكثر انتشارا على حدودها الجنوبية.

ويرجح خبراء أن تستمر إسرائيل في رفع وتيرة المراقبة والمواجه الدبلوماسية على الصعيد الدولي، بما في ذلك المطالبة من واشنطن وعواصم أوروبية بممارسة الضغوط لوقف ما تسميه "انتهاكات جوهرية" من جانب مصر في سيناء.

ويرى السفير الإسرائيلي السابق أن "البديل عن الريفيرا الفلسطينية في غزة قد يكون مواجهة عسكرية جديدة مع مصر"، في إشارة إلى أن استمرار تآكل الملحق الأمني قد يعيد شبح الصدام بين الجانبين، ويقوض أحد أهم إنجازات إسرائيل منذ توقيع اتفاقية السلام قبل أكثر من 4 عقود.

TIANJIN, CHINA - AUGUST 30: Egypt's Prime Minister Mostafa Madbouly (2 R) speaks during a bilateral meeting with China's President Xi Jinping (2 L) ahead of the Shanghai Cooperation Organization (SCO) Summit 2025, in the Guest House of Tianjin, on August 30, 2025 in Tianjin, China. (Photo by Andres Martinez Casares - Pool/Getty Images)
رئيس الوزراء المصري (يسار) يتحدث خلال لقاء ثنائي مع الرئيس الصيني قبل قمة منظمة شنغهاي في أغسطس الماضي (غيتي)

تعاون مع الصين

في المقابل، تصاعد التعاون العسكري بين القاهرة وبكين بطريقة تغطي شبه جزيرة سيناء جغرافيا، لا سيما في ما يتعلق بأنظمة الدفاع الجوي والمناورات المشتركة.

وأفادت العرب الأسبوعية، نقلا عن مصادر عسكرية، خلال الأسبوع الماضي، بأن "مصر عززت دفاعها الجوي في سيناء بأنظمة HQ-9B الصينية وسط تصاعد التوتر الإقليمي".

وفي مقالة تحليلية في أبريل/نيسان الماضي، اعتبرت وكالة الأخبار اليهودية أن مناورات "نسور الحضارة 2025" تمثل أول تدريب مشترك موسع بين مصر والصين قرب الحدود يشمل مقاتلات إنذار مبكر وطائرات هجومية، وهو ما اعتبره مراقبون تحولا إستراتيجيا في موقع مصر العسكري.

0 تعليق