كتب محمد الجمل:
شهد العدوان الإسرائيلي على مدينة غزة تصاعداً كبيراً في الساعات الماضية، وباتت المدينة بأسرها ضمن دائرة القصف والنار، بالتزامن مع تواصل معاناة النازحين.
"الأيام" رصدت مشاهد جديدة من العدوان على مدينة غزة، منها مشهد بعنوان "بين فكَّي كماشة"، ومشهد آخر جاء تحت عنوان "هند رجب تتكرر في غزة"، ومشهد ثالث يرصد معاناة النازحين من مدينة غزة، الذين باتوا ينامون في العراء، ولا يجدون مأوى.
بين فكَّي كماشة
يعتمد جيش الاحتلال خطة جديدة في حصار واحتلال مدينة غزة بشكل تدريجي تشبه "فكّي الكماشة"، عبر إطباق الدبابات والآليات العسكرية على المدينة من ناحيتَي الشمال والجنوب، في محاولة لحصر مَن بقي من سكان في المدينة بمنطقة ضيقة، قد تكون محيط ميناء غزة، على الشريط الساحلي.
ووفق آخر تطورات العملية العسكرية على مدينة غزة، فإن الدبابات تتواجد حالياً في محيط مقر الإذاعة والتلفزيون القديم، وبالقرب من "كيرفور"، في حي تل الهوا، جنوب مدينة غزة، كما تتمركز دبابات أخرى عند الناحية الجنوبية من الجامعة الإسلامية، وصولاً إلى مفترق المالية، ويمتد تواجدها شرقاً حتى حيَّي الزيتون والصبرة، ما يعني أن الدبابات أحكمت سيطرتها بشكل شبه كامل على الناحية الجنوبية للمدينة، باستثناء منطقة صغيرة على شارع الرشيد الساحلي، لتجبر المواطنين على مغادرة المدينة.
ويتواصل تقدم الدبابات باتجاه عمق المدينة من المحور الشمالي، والشمالي الغربي، حيث تتواجد الآليات في حي الشيخ رضوان، ومنطقة النفق، ونهاية شارع الجلاء، كما جرى مؤخراً رصد جيبات تابعة لعصابات مسلحة تعمل مع الاحتلال، تتحرك عند مفترق الغفري وباتجاه الشارع الجديد، بينما يتم استهداف كل من يتحرك في شارع الجلاء، وآخر نقطة يمكن للمواطنين الوصول إليها هي مفترق الجلاء مع الثورة.
وتستمر العمليات العسكرية الإسرائيلية عند المحور الشمالي الغربي، وتحديداً في مناطق المقوسي والكرامة، وصولاً إلى حي النصر ومخيم الشاطئ وشارع الشفاء، حيث تتمركز آليات عند مفترق "الشباب والرياضة".
وتشهد جميع المحاور قصفاً مدفعياً عنيفاً وأحزمة نارية، وتفجير مدرعات مفخخة بشكل مستمر. ومع زيادة الضغط على خاصرتَي مدينة غزة، بات يتركز وجود المواطنين في أحياء شرق المدينة، تحديداً حي الدرج، وجزء من حي التفاح. أما الأحياء الأخرى فالكثافة السكانية حالياً تتركز في حي الرمال وجزء قليل من حي النصر "شارع الثورة ومحيطه حتى الشفاء" والجزء الجنوبي من مخيم الشاطئ، بينما تُمثل منطقة الميناء التركيز الأكبر للمواطنين.
هند رجب تتكرر في غزة
لم تكن حادثة الطفلة الشهيدة هند رجب، التي صنفتها معظم المؤسسات الحقوقية والدولية على أنها جريمة حرب صريحة، هي الأولى في قطاع غزة، فقد شهدت الأيام الماضية جريمة مماثلة، راحت ضحيتها معلمة لغة إنجليزية ظلت تناشد لثلاثة أيام من أجل إنقاذها.
فقد بقيت المواطنة غادة رباح ثلاثة أيام كاملة مصابة ومحاصرة بين أنقاض منزلها برفقة شقيقها وعدد من الأطفال الآخرين، حيث تعرض المنزل لدمار جزئي، دون أن تتمكن من الخروج، بسبب تواجد الدبابات على مقربة من المنطقة في حي تل الهوا، جنوب مدينة غزة، وتُطبق المُسيّرات على المنطقة بشكل كامل.
رباح كان بحوزتها هاتف نقال، واصلت إرسال مناشدات من خلال الاتصال على الدفاع المدني وصديقاتها لمدة 3 أيام متواصلة، مطالبة بسرعة وصول فرق الإنقاذ، من أجل انتشالها ومَن معها من أطفال.
ووفق جهاز الدفاع المدني في مدينة غزة، فإنه حاول على مدار 3 أيام إجراء تنسيق من أجل الوصول إلى المكان الخطير، في محيط "مفترق المالية"، جنوب غربي مدينة غزة، وفي نهاية المطاف حصلوا على تنسيق، وتوجهت مركبة برفقة طاقم إنقاذ وإسعاف إلى المكان، لكنهم فوجئوا بقيام قوات الاحتلال بقصف المنزل مرة ثانية، وتحويله إلى كومة من الركام.
وأكد عناصر الدفاع المدني أنهم بحثوا مطولاً عن أي آثار للمواطنة رباح أو شقيقها، ولم يجدوا سوى الركام، والمنطقة بأسرها تعرضت لتدمير واسع، ما اضطرهم للعودة دون أن يعرفوا مصيرهما.
أحد أعضاء الفريق وصف المشهد قائلاً: "وصلنا إلى المكان، نادينا وصرخنا، لكن لا مجيب، الدمار عم المنطقة والبناية عبارة عن ركام".
ولاقت نداءات معلمة اللغة الإنجليزية غادة رباح المعروفة في مدينة غزة بسمعتها الطيبة وتفانيها في عملها، استعطاف واهتمام المواطنين، الذين غردوا على مواقع التواصل الاجتماعي للمطالبة بضرورة إنقاذها وشقيقها والأطفال الذين كانوا معهما.
وقال المتحدث باسم الدفاع المدني في قطاع غزة، محمود بصل: "نأسف لإبلاغ الرأي العام أنه بعد عمليات البحث المستمرة لعدة ساعات، عادت طواقمنا دون العثور على المواطنة غادة رباح والأطفال الآخرين، كما تبيّن أن المنزل تعرض للتدمير الكامل وتمّت تسويته بالأرض".
وشبّه مواطنون ما حدث مع المعلمة رباح بما حدث سابقاً مع الطفلة هند رجب، التي حوصرت في مركبة عائلتها بعد استشهادهم جميعاً، وظلت تستغيث عبر هاتف والدها لعدة أيام، حتى قتلها جنود الاحتلال، في واحدة من أقسى وأصعب مآسي الحرب.
تفاقم أوضاع النازحين
شهدت أوضاع النازحين من مدينة غزة تفاقماً كبيراً في الأيام القليلة الماضية، جراء عدم وجود أماكن يمكن أن يلجؤوا إليها جنوب ووسط القطاع. ويومياً يصل عشرات الآلاف من النازحين من مدينة غزة باتجاه جنوب ووسط القطاع، ويقيمون في العراء، دون مأوى.
ووفق ما أكده الدفاع المدني في غزة، فإنه ومنذ أيام تفترش مئات العائلات الأرض، بعد أن نزحت من شمال القطاع إلى جنوبه، دون أن تتمكن من تأمين مأوى مؤقت لها، لعدم قدرتها المادية على توفير ذلك.
وشدد "الدفاع المدني" على أن الاحتلال يتحمل المسؤولية المباشرة عن الظروف المأساوية التي وضع فيها آلاف النازحين تحت خطر الموت، في انتهاك جسيم للقانون الدولي الإنساني.
وجاء في بيان للدفاع المدني: "يجب على المجتمع الدولي والعالمَين العربي والإسلامي العمل الجاد لوقف هذه المأساة فوراً، والضغط على الاحتلال لتنفيذ وقف الحرب في قطاع غزة".
وقال: "نذكر المجتمع الدولي ومؤسساته القانونية والحقوقية بأن الترحيل والنقل القسري الذي يمارسه الاحتلال ضد السكان المدنيين في قطاع غزة يندرجان ضمن المحظورات في اتفاقية جنيف، وأن هذا العمل يرتقي إلى جريمة الحرب".
وأكد أن القانون الدولي الإنساني يمنع استهداف المدنيين أو تدمير الممتلكات الأساسية لبقائهم، ويُلزم الأطراف باتخاذ جميع التدابير اللازمة لضمان الظروف الملائمة للنازحين في مخيمات اللجوء.
بينما طالب نازحون الجهات المعنية بمساعدتهم، وإقامة مخيمات لجوء جديدة تؤويهم وعائلاتهم، بعد أن أصبحوا في الشوارع، لا يعرفون كيف يتصرفون، وإلى أي مكان يذهبون.
وذكر المواطن عبد الله المصري أنه نزح من شمال القطاع، ووصل إلى منطقة القرارة شمال مدينة خان يونس، ولم يجد مكاناً ولا خيمة تؤويه، وينام وعائلته منذ عدة أيام على شاطئ البحر، في وضع مأساوي صعب.
وأشار إلى أنه فر من القصف والمجازر في مدينة غزة، ووجد نفسه وعائلته في الشارع بلا مكان يؤويهم، وهو لا يعرف كيف سيتصرف، فالأراضي المتاحة كلها بالإيجار، وإيجار المتر المربع الواحد قد يزيد على 10 شواكل، وهو بحاجة إلى خيمة أيضاً، ولا يستطيع توفير كل هذه المتطلبات الثقيلة، لذلك سيبقى هو وغيره من النازحين الفقراء في الشوارع.
0 تعليق