كيف يصنع اللعب المنظم طفلا أكثر صبرا وثقة؟ - البطريق نيوز

0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

انقر هنا للمشاركة على وسائل التواصل الاجتماعي

share2

رغم أهمية اللعب الحر في تنمية الطفل، فإن اللعب المنظم الذي تحكمه قواعد واضحة -مثل ألعاب الورق، الليجو، وألعاب الطاولة- ليس مجرد وسيلة للتسلية، بل يمثل شكلا ممتعا وفعّالا من أشكال التعلم. ففي هذه الألعاب التي تعتمد على النرد أو البطاقات أو تبادل الأدوار، يسعى الطفل لتحقيق أهداف محددة من خلال الالتزام بالقواعد.

وعلى عكس الاعتقاد الشائع، لا تحد الألعاب المنظمة من الإبداع، بل تفتح له مجالا داخل إطار منظم، إذ تسمح بالارتجال والتفكير الحر في سياق محدد. يمكن تشبيهها بالنوتة الموسيقية للعازف: تمنحه الهيكل الأساسي لكنها تتيح له الإبداع في الأداء.

اقرأ أيضا

list of 2 items end of list

كما أن متطلبات هذه الألعاب من صبر ومثابرة وبذل جهد، تعزز ثقة الطفل بنفسه، وتمنحه إحساسًا بالإنجاز مع كل نتيجة يحققها. وفوق ذلك، فإن لها فوائد إضافية تشمل:

تقبل الخسارة والفوز

تتميز الألعاب المنظمة بوضوح قواعدها وأهدافها، وغالبًا ما تنتهي بوجود فائزين وخاسرين. وفي هذا الإطار المرح والآمن، يتعلم الطفل أن الخسارة جزء طبيعي من اللعب، وأن الفوز لا يكون دائمًا من نصيبه. كما يدرك أن هناك قواعد لا يختارها بنفسه، وعليه أن يتعامل معها بمرونة وتقبّل.

التطور المعرفي

يسهم اللعب المنظم في تحفيز التطور المعرفي للطفل، فهو يساعده على التعرف إلى الأنماط، وتنمية مهارات التفكير النقدي، وتحدي قدراته الذهنية. وتنعكس هذه المهارات على أدائه الدراسي، كما تعزز قدرته على اتخاذ القرارات في حياته اليومية. وإذ يعاني كثير من الأطفال من ضعف الانتباه، فإن الالتزام بالقواعد أثناء اللعب يغرس فيهم مهارة التركيز والانضباط، مما يزيد قدرتهم على الانتباه في أنشطة أخرى.

المهارات الاجتماعية

يدعم اللعب المنظم تطوير مسارات عصبية مرتبطة بالوظائف التنفيذية مثل حل المشكلات، واتخاذ القرارات، والتحكم في الاندفاع. ومن خلال التفاعل مع الآخرين في بيئة اللعب، يكتسب الأطفال خبرات اجتماعية تعينهم على فهم العالم من حولهم والتعامل معه بمرونة وثقة.

إعلان

يضع اللعب المنظم أساسا للعمل الجماعي والمشاركة، ويتعلم الأطفال منه الصبر وفرح الإنجاز المشترك، ويتعلم الأطفال من خلاله مهارات التفاوض والتعاون وحل النزاعات، وتمنحهم الفرصة لصقل الذكاء العاطفي والمهارات الاجتماعية.

الأمان العاطفي

حين يكرر الطفل الألعاب المنظمة، فإن الأمر لا يبعث على الملل كما قد يظن البعض، بل يمنحه شعورًا بالسيطرة في عالم يبدو فوضويًا. تساعد القواعد الواضحة في هذه الألعاب الطفل على توقّع الأحداث والشعور بالطمأنينة، وهو أساس مهم لينمو بثقة. لذلك قد يغضب الطفل عند الخسارة الأولى، لكنه مع التكرار يتعلم تقبّل النتيجة ويتدرّب عاطفيًا على مواجهة الإحباط، مما يقلل من قلقه ويعزز استقراره النفسي.

استعداد مبكر للمدرسة

في مرحلة الطفولة المبكرة، يكتسب الأطفال من خلال اللعب المنظم مهارات ضرورية للحياة المدرسية مثل الانتباه، اتباع التعليمات، والتعاون مع الآخرين. وقد أشارت دراسة نشرتها مجلة إنترناشيونال جورنال أوف إنستركشن (2019) إلى التأثير الإيجابي للعب المنظم في تنمية المهارات الاجتماعية لدى أطفال مرحلة ما قبل المدرسة، مؤكدة أن هذه التدخلات المبكرة تحميهم من تجارب سلبية مع مجموعات الأقران.

شراكة مع الكبار ومسؤولية اجتماعية

لا يقتصر أثر اللعب المنظم على الأطفال فيما بينهم، بل يشكّل أيضًا فرصة للتطور حين يشاركون الكبار في هذه الأنشطة. فاللعب بالقواعد مع الراشدين يرسّخ لديهم روح المسؤولية، ويمنحهم خبرات حياتية تساعدهم على التعاون، والتفاوض، وفهم قواعد التعايش الاجتماعي بثقة ومرونة.

لعب حر أم لعب منظم؟

في اللعب الحر يجد الطفل مساحة واسعة لإطلاق خياله، والشعور بالحرية والسيطرة على بيئته، مع إمكانية ارتكاب الأخطاء دون ضغوط. أما في اللعب المنظم، فيسعى الطفل إلى تحقيق هدف محدد ضمن إطار من القواعد الواضحة التي يتبعها.

ويظل التوازن بين النوعين أمرًا جوهريًا في مسيرة النمو، فاللعب الحر يعزز الإبداع، الاستقلالية، والقدرة على التعاطف، بينما يمنح اللعب المنظم الطفل مهارات التفكير النقدي، تحديد الأهداف، والانتباه للتفاصيل.

ولا يمكن الجزم بوجود خيار أفضل للطفل، إذ يعتمد الأمر على الجمع بينهما وفق احتياجاته الفردية. فالتعرف إلى نقاط القوة والضعف لدى كل طفل يساعدنا على تحديد الأسلوب الأنسب لدعمه.

وفي النهاية، فإن الأهم أن يكون الطفل مندمجًا في اللعب. فإذا بدأ يفقد تركيزه، فهذا مؤشر إلى ضرورة الانتقال إلى نشاط آخر. على سبيل المثال، عند شعوره بالملل من اللعب المنظم أو بعد إنجاز الهدف، قد يكون اللعب الحر خيارًا مناسبًا لبعض الوقت. المزج بين النمطين يثري التجربة التعليمية ويمنح الطفل أساسًا متينًا للتعلم والرفاه النفسي مدى الحياة.

0 تعليق