بريستو.. تجربة ليبية تثبت أن التكنولوجيا تنجح حتى في أصعب البيئات - البطريق نيوز

0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

انقر هنا للمشاركة على وسائل التواصل الاجتماعي

share2

طرابلس– في ليبيا، حيث تنعكس الانقسامات السياسية على مفاصل الحياة اليومية وتلقي بظلالها على الاقتصاد والخدمات الرقمية، برزت مبادرات محلية تثبت أن التكنولوجيا قادرة على خلق قيمة اقتصادية حتى في بيئات هشة.

فرغم الصورة السائدة عن ضعف البنية الرقمية، أظهرت بيانات "داتا ريبورتال" لعام 2025 أن نسبة الاختراق الرقمي تتجاوز 90% من السكان، ما هيأ أرضية لنجاح تطبيق "بريستو" الذي أطلق عام 2020 في قطاع توصيل الطلبات، ليتحول إلى نموذج ريادي محلي يجمع بين الابتكار والاستدامة.

شبكة تشغيلية غير مسبوقة

يقول مدير التسويق في "بريستو" معاذ الشريف، إن التطبيق استحوذ على ما يقارب 95% من سوق التوصيل في ليبيا، وبات ينفذ أكثر من 28 ألف طلبية يوميًا. ورغم محدودية عدد سكان ليبيا مقارنة بدول شمال أفريقيا، نجح "بريستو" في أن يحتل المرتبة الثانية في المنطقة من حيث حجم الطلبات.

ويوضح الشريف أن فريق العمل يضم أكثر من 350 موظفًا بدوام كامل، إلى جانب نحو 45 ألف سائق توصيل مستقل يعملون بنظام "بريستو مان"، وهو ما أتاح للتطبيق بناء شبكة تشغيلية واسعة تتسم بالمرونة.

أكثر من 28 ألف طلبية يوميًا ينفذها التطبيق مع مرونة في وسائل الدفع (الجزيرة)
أكثر من 28 ألف طلبية يوميا ينفذها التطبيق مع مرونة في وسائل الدفع (الجزيرة)

حضور رقمي

وانطلاقًا من هذه المؤشرات، يؤكد الشريف أن توصيف السوق الليبي بغير الجاهز رقميا لم يعد دقيقا، مشيرا إلى أن نسب الاختراق الرقمي تفوق 90% حتى في أصغر المدن، وأن الفئة العمرية بين 15 و35 عامًا -وهي الأكثر اعتمادًا على التقنيات الحديثة- تمثل قاعدة صلبة لانتشار الخدمات الرقمية.

ويرى أن التحدي الحقيقي لم يكن في وجود المستخدم، بل في تحويله من مجرد متصفح للمحتوى إلى زبون يعتمد فعليا على الخدمات المقدمة عبر التطبيقات.

تجارب حية وتحولات اجتماعية

ورغم حداثة التجربة في السوق الليبي، فإن قصص العاملين تعكس تحولات لافتة. أحمد طارق، سائق من طرابلس، يوضح أن عمله مع "بريستو" بدأ كوظيفة إضافية إلى جانب عمله الأساسي، لكنه تحوّل تدريجيا إلى مصدر دخله الرئيسي بفضل مرونة ساعات العمل والعائد المادي.

إعلان

ويشير إلى بعض الصعوبات مثل الأعطال التقنية أو ضعف ثقافة قيادة الدراجات النارية، وهو ما قد يؤدي إلى مخالفات أو حوادث، لكنه يؤكد أن هذه التحديات قابلة للحل في ظل وعي السائقين والتزامهم.

مصفوفة تحديات

ولم تكن العقبات التشغيلية وحدها التي واجهت "بريستو"، فمنذ البداية، كان غياب سلاسل المطاعم العالمية المعتادة على ثقافة التوصيل تحديا حقيقيا، إذ إن أغلب المطاعم في ليبيا عبارة عن مشاريع عائلية صغيرة.

ومع مرور الوقت واتساع قاعدة المستخدمين، تغيرت المعادلة وأصبح أصحاب المطاعم أنفسهم أكثر حرصا على الانضمام للمنصة.

أما المستهلك الليبي، فيصفه الشريف بأنه متطلع دوما إلى حلول تقنية تسهّل حياته اليومية، وهو ما ساهم في تسريع قبول الخدمة رغم الصعوبات الأولى.

قبل الاستمتاع بخدمة توصيل الطعام المريحة.. إليك 9 خطوات لتفادي مخاطرها المحتملة
التوسع نحو تونس يمثل الخطوة الأولى ضمن رؤية "بريستو 2030" لشمال أفريقيا وفق خبراء (وكالات)

أسباب النجاح

أحد أبرز عناصر نجاح "بريستو" كان دمج الدفع الإلكتروني في منظومته منذ البداية، فبينما لم تتجاوز نسبة المدفوعات الرقمية 4% عام 2022، ارتفعت إلى 20% مع نهاية 2025، ومن المتوقع أن تصل إلى 45% بحلول 2027، بالتوازي مع خطط مصرف ليبيا المركزي لتوسيع بنية الدفع الرقمي وتطوير خدماته.

التوسع الإقليمي وفرص النمو

وخلال 5 سنوات من العمل، حقق التطبيق نموا بنحو 105% في عدد الطلبات لـ3 أعوام متتالية، وهو ما دفع الإدارة للتفكير في التوسع خارج ليبيا. وكانت تونس المحطة الأولى نظرًا للقرب الجغرافي والثقافي.

ويؤكد الشريف أن هذه الخطوة تأتي ضمن "رؤية بريستو 2030" التي تستهدف أن يكون التطبيق المنصة الأولى في شمال أفريقيا، شاملا تونس والجزائر والمغرب وموريتانيا.

وفي تونس، يقول محمد بن بشير، وهو سائق انضم حديثا إلى المنصة، إن الإقبال من المستخدمين المحليين والليبيين المقيمين هناك ملحوظ ومتنامٍ.

توصيات لرواد الأعمال

ويعتبر الخبير الاقتصادي منذر الشحومي أن تجربة "بريستو" تقدم دروسا عملية لرواد الأعمال في البيئات غير المستقرة، ويشدد على ضرورة:

حل المشكلات الواقعية عبر تلبية احتياجات السوق بطريقة بسيطة. التكيف مع العملاء تدريجيا لبناء الثقة وتشجيعهم على تبني خدمات جديدة. الاستثمار في رأس المال البشري لضمان جودة واستمرارية الخدمة. اختبار الخدمات في المدن الكبرى أولا قبل التوسع. خلق قيمة اقتصادية واجتماعية تعزز قبول المجتمع واستدامة المشروع.

وتؤكد تجربة "بريستو" أن معادلة النجاح تقوم على معرفة السوق، وابتكار حلول قابلة للتطبيق، والاستثمار في فريق عمل مرن، والتوسع التدريجي بحسب خبراء. وهي قصة تلخص كيف يمكن لمبادرة محلية أن تولّد قيمة اقتصادية واجتماعية حقيقية حتى في بيئات محفوفة بالتحديات.

0 تعليق