بغداد- أثارت تصريحات رئيس وزراء إسرائيل بنيامين نتنياهو (المطلوب للمحكمة الجنائية الدولية لارتكاربه جرائم حرب في غزة) أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة، أمس الجمعة، حول استهداف من سماها "مليشيات" داخل الأراضي العراقية، ردود أفعال عراقية قوية ومتباينة بين الفصائل السياسية والأمنية.
ورأى البعض في الخطاب "تعبيرا واضحا عن خيبة الأمل الكبيرة" التي أصابت الكيان، في حين اعتبره آخرون تهديدا مباشرا لوجود العراق واستقراره، يندرج ضمن مخطط أوسع لـ"شرق أوسط جديد" تقوده إسرائيل.
وقد جددت هذه التهديدات العلنية المطالب بضرورة اتخاذ الحكومة العراقية موقفا أكثر حزما لحماية سيادة البلاد، في حين استبعدت تحليلات أمنية وقوع ضربات إسرائيلية وشيكة، مرجحة دور واشنطن في تهدئة الموقف والحرص على استمرار شراكتها الإستراتيجية مع بغداد.
عجز وفشل
وأكد حسين الموسوي المتحدث باسم حركة النجباء (أحد فصائل المقاومة) أن خطاب نتنياهو يمثل "تعبيرا واضحا عن خيبة الأمل الكبيرة" التي أصابت الكيان جراء الضربات التي تلقاها وكل من يدعمه في الحرب المستمرة.
وقال للجزيرة نت إن الخطاب "غير الموفق والفاشل" كان في جوهره "خطابا داخليا" يسعى نتنياهو من خلاله لاستعادة ما فقده، محاولا تصدير سردية للعالم تزعم أن "إسرائيل مظلومة ولديها الحق في الرد".
وأضاف الموسوي "لقد عبَّروا بوضوح عن مستوى الإجرام الذي مارسوه في حربهم على غزة، ومحاولاتهم اليائسة لجر المنطقة إلى حروب لتصدير مشاكلهم الداخلية".
وأكد أن مضمون خطاب نتنياهو وما تبعه من ردود فعل يؤكد "عجز إسرائيل الواضح" عن تحقيق أي إنجاز أو انتصار فيما يتعلق بأهدافها المعلنة. وقال "لقد أدرك محور المقاومة والمنطقة والعالم عموما، بما لا يقبل الشك، أن إسرائيل غير قادرة على تنفيذ مخططاتها".
واعتبر المتحدث باسم حركة النجباء أن "الخروج الجماعي للحاضرين" من جلسة الأمم المتحدة خلال الخطاب يمثل "ردا واضحا وصريحا على السياسات الفاشلة والتدميرية والإرهابية" التي مارستها إسرائيل.
إعلان
وفيما يتعلق بالموقف الرسمي العراقي، أثنى الموسوي على خطاب وزير الخارجية فؤاد حسين، وما تحدث به "لجم الخطاب الادعائي لنتنياهو".

وكان العراق قد رفض -على لسان وزير خارجيته أمس الجمعة- تصريحات نتنياهو التي هدد فيها باستهداف من سمَّاها "مليشيات" داخل الأراضي العراقية.
وقال الموسوي بمؤتمر صحفي في نيويورك "تهديدات رئيس وزراء حكومة الكيان الصهيوني بشأن العراق غير مقبولة" مؤكدا أن "الهجوم على أي عراقي هجوم على العراق".
وشدد على أن حركة النجباء تطالب بردود "أفضل وأكبر" قادرة على "حماية العراق، أرضا وسيادة وأجواء، وحفظ كرامة العراق والعراقيين".
كما دعا الحكومة -التي تعتبرها المقاومة "الأب الراعي للمجتمع"- إلى اتخاذ إجراءات أكثر فاعلية، بما في ذلك تحريك الشكاوى ضد الأطراف التي تسعى "للإطاحة بالتجربة العراقية وإيجاد الثغرة بين المجتمع وفصائل المقاومة" مؤكدا الحاجة إلى "تعبير أكثر جدية" و"الوقوف بحزم" أمام التهديدات الصريحة والعلنية الصادرة عن نتنياهو والأطراف الأخرى.
دور واشنطن
من جهته، استبعد المستشار العسكري صفاء الأعسم موافقة الولايات المتحدة على توجيه ضربات إسرائيلية مباشرة تستهدف البنى التحتية العراقية، مشيرا إلى الدور الإستراتيجي لبغداد في المنطقة وعمق العلاقات الثنائية مع واشنطن.
وقال الأعسم للجزيرة نت إن طبيعة العلاقة الإستراتيجية بين بغداد وواشنطن -التي تصف العراق بـ"الشريك الإستراتيجي" في حين يتعامل العراق معها كـ"الحليف الإستراتيجي"- تفرض قيودا على إمكانية تدهور العلاقة بشكل حاد.
وشدد على أن وجود اتفاقية الإطار الإستراتيجي وأكثر من 13 إلى 14 مقرا عسكريا أميركيا كبيرا داخل العراق هو ما يجعل من الصعب "تشويه العلاقة بشكل سريع".
كما أشار إلى الانخراط الاقتصادي الأميركي الكبير بالعراق، قائلا "لقد أدخلنا شركات عالمية عملاقة أميركية، آخرها بتعاقدنا مع أكبر شركة في العالم في جانب الطاقة، وليس من المعقول والمنطقي أن تكون هناك ضربات تُنهي دور هذا التفاعل العالي".

وتوقع الأعسم أن تلعب أميركا دورا فاعلا بتهدئة الموقف ومنع أي ضربات محتملة من "الكيان الصهيوني" معتبرا أن "العراق الآن فرصة لأميركا داخل منطقة الشرق الأوسط الملتهبة" معربا عن اعتقاده بأن الأمور تسير نحو التهدئة في الوقت الراهن، ما لم تحدث تجاوزات كبيرة تتعلق بالملف النووي الإيراني.
وفيما يخص التهديدات الإسرائيلية الأخيرة حول استهداف فصائل المقاومة المدعومة لوجستيا من خارج الحدود، أشار الأعسم إلى أن هذا التوقع قائم منذ نحو 7 أشهر، ولكنه أكد في الوقت ذاته أن فصائل المقاومة "تتعامل بشكل هادئ" وتلتزم بتوجيهات القائد العام للقوات المسلحة ورئيس الوزراء.
واستبعد الأعسم أن تكون هناك ضربات وشيكة على هذه الفصائل حاليا، مرجحا ضعف احتمالية التصعيد، ما لم تحدث "تجاوزات على الجارة إيران، وعندها قد تتحرك الفصائل المدعومة لوجستيا من خارج الحدود".
إعلان
وخلص إلى أن مصير هذه التوترات مرهون بملف المفاوضات النووية، محذرا من أنه في حال عدم حله "ستكون هناك ضربات تصل إلى إيران وتصل إلى كل محور المقاومة".
" frameborder="0">
التهديد قائم
أما رئيس مركز الرفد للدراسات عباس الجبوري، فأكد أن أي استهداف إسرائيلي وشيك للفصائل العراقية المدرجة ضمن "قوائم الإرهاب" من شأنه أن يهدد بإنهاء العملية السياسية برمتها في البلاد، محذّرا خلال -حديثه للجزيرة نت- من أن قادة وعناصر هذه الفصائل يواجهون حاليا تهديدات مباشرة تستهدف حياتهم.
وبتعليقه على تهديدات نتنياهو بالأمم المتحدة، قال الجبوري "تهديد العراق ليس الأول من نوعه، وقد يستهدف العراق فعليا الفترة المقبلة، خاصة بعد هذا الخطاب الذي أشار إلى بعض مكامن الخطر".
وربط الجبوري هذه التهديدات بمشروع أوسع تقوده أميركا ويسعى إلى "شرق أوسط جديد تقوده إسرائيل" معتبرا أن هذا التوسع على حساب أراضي الدول الأخرى -بما فيها العراق- قد يمنح "شرعية أميركية" للكيان الصهيوني، مضيفا أن جزءا من هذا المشروع هو العراق صراحة "وقد تكون هناك أماكن مهددة بالضرب والاستهداف".

وفيما يتعلق بتصريحات وزير الخارجية حول بذل العراق قصارى جهده لمنع هذه الضربات، أعرب الجبوري عن أسفه لكون البلاد "تفتقر إلى أبسط التقنيات" مشيرا إلى غياب منظومات صاروخية وطائرات دفاعية كافية.
كما حذَّر من تداعيات تطبيق قرار مجلس الأمن رقم 2231 على إيران، مؤكدا أن انتهاء العمل به نهاية سبتمبر/أيلول لا يتطلب قرارا أمميا جديدا وإنما مجرد إشعار.
0 تعليق