عاجل

هل أوروبا على مشارف حرب كاملة مع روسيا؟ - البطريق نيوز

0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

تعيش أوروبا اليوم على وقع توتر متصاعد بين روسيا وبولندا، حيث تختلط الذكريات التاريخية بالمصالح الجيوسياسية، وتتشابك أدوات الحرب التقليدية بالهجمات السيبرانية والاستفزازات "الرمادية".

حادثة المسيرات الروسية فوق الأجواء البولندية في سبتمبر/أيلول، لم تكن مجرد خرق عابر، بل جرس إنذار يعيد طرح أسئلة جوهرية: ما حدود الردع الممكن أمام قوة نووية؟ كيف يوازن القانون الدولي بين حق الدفاع عن النفس ومنع الانزلاق إلى مواجهة شاملة؟ وأي دور يستطيع حلف الناتو أن يلعبه لتثبيت الأمن دون إشعال حرب أوروبية مدمرة؟

هذه الأسئلة تفتح الباب لفهم الأسباب والدوافع، واستكشاف الإطار القانوني، لكل ذلك.

الأسباب والدوافع للصراع

ترجع جذور التوتر بين روسيا وبولندا إلى تراكمات تاريخية وسياسية عميقة رسخت عدم ثقة ومخاوف أمنية مستمرة.

فبولندا التي ذاقت الاجتياحات الروسية والسوفياتية اتجهت بعد انهيار الاتحاد السوفياتي إلى الناتو والاتحاد الأوروبي؛ لضمان أمنها ضمن منظومة جماعية، بينما تنظر موسكو إلى توسع الناتو شرقا كتهديد مباشر لمجالها الحيوي، وتعتبر بولندا خصما محتملا؛ بسبب موقعها واستضافتها قوات ومعدات أطلسية.

في المقابل، ترى وارسو أن الردع القوي هو الضامن لعدم تكرار المأساة، فرفعت إنفاقها الدفاعي وشرعت في تحديث عسكري ضخم بشراء منظومات صاروخية أميركية متقدمة، ومقاتلات شبحية حديثة "إف-35″، إلى جانب دبابات أبرامز الأميركية المتطورة.

هذه الخطوات تسارعت بفعل الحرب الأوكرانية التي جعلت بولندا رأس الحربة في دعم كييف واستقبال ملايين اللاجئين، ما وضعها في مواجهة غير مباشرة مع موسكو.

ومع ارتفاع وتيرة الحوادث الاستفزازية مثل المسيرات والصواريخ، يتصاعد السؤال: هل يقف العالم على أعتاب مواجهة أوسع قد تفتح أبواب حرب عالمية ثالثة؟

الإطار القانوني الدولي المنظم لاستخدام القوة بين روسيا وبولندا

يحكم التوترَ القائم بين روسيا وبولندا إطارٌ قانوني دولي واضح، يقيد اللجوء إلى القوة ويحدد مشروعية أي عمل عسكري محتمل.

إعلان

يقوم هذا الإطار على ميثاق الأمم المتحدة الذي رسخ بعد الحرب العالمية الثانية مبدأ امتناع الدول عن التهديد أو استخدام القوة ضد سلامة أراضي أي دولة أو استقلالها السياسي.

وتنص المادة الثانية من الميثاق على أنه "يمتنع جميع الأعضاء في علاقاتهم الدولية عن التهديد باستعمال القوة أو استخدامها ضد سلامة الأراضي أو الاستقلال السياسي لأية دولة".

ووفق هذا المبدأ، فإن أي استخدام واسع للقوة خارج الاستثناءات المقررة يعد انتهاكا للميثاق، ويثير تساؤلات قانونية دولية حول شرعيته.

في هذا السياق، اعتبرت الأمم المتحدة أن العمليات العسكرية الروسية في أوكرانيا تمثل خرقا للمادة المذكورة، وهو موقف تبنته عدة دول أعضاء.

وبالقياس، فإن أي تصعيد عسكري مباشر تجاه بولندا قد ينظر إليه من قبل المجتمع الدولي على أنه انتهاك مشابه، خاصة إذا لم يكن مستندا إلى مبررات قانونية واضحة ومحددة.

في المقابل، يقر القانون الدولي استثناءات محدودة جدا لاستخدام القوة المسلحة، أبرزها حق الدفاع عن النفس الفردي أو الجماعي المنصوص عليه في المادة 51 من الميثاق، والتي تؤكد أن للدول الحق الطبيعي في الدفاع عن نفسها إذا تعرضت لاعتداء مسلح.

وفي حال وقوع هجوم واضح على بولندا، فإن لها الحق القانوني في الرد، ويمكنها أيضا طلب الدعم من حلفائها ضمن مفهوم الدفاع الجماعي.

هذا المفهوم يتقاطع مع معاهدة شمال الأطلسي لعام 1949، التي تنص في المادة الخامسة على أن أي هجوم مسلح ضد دولة عضو يعتبر اعتداء على جميع الأعضاء، ويستوجب اتخاذ إجراءات جماعية قد تشمل استخدام القوة المسلحة.

وقد أكدت قيادة الحلف مرارا التزامها بالدفاع عن أراضيه، فيما عبرت الولايات المتحدة عن دعمها الكامل لحلفائها في حال وقوع أي انتهاك.

أما التبريرات القانونية لأي عمل وقائي أو استباقي، فلا يعترف بها القانون الدولي إلا في حالات ضيقة جدا، وعند وجود خطر مسلح محدق ومؤكد.

فمجرد عدم توافق السياسات أو التحالفات لا يمنح أي دولة الحق في استخدام القوة. وفي حالات سابقة، قدمت روسيا مبررات تتعلق بالأمن القومي أو حماية السكان، إلا أن هذه المبررات لم تحظَ بإجماع دولي، ما يعكس تعقيد التقييم القانوني لمثل هذه الحالات.

من جهة أخرى، يلزم القانون الدولي الدول التي تقدم دعما لطرف ثالث في نزاع قائم، بأن تحرص على ألا يتحول هذا الدعم إلى مشاركة مباشرة في الأعمال القتالية، وهو ما يفسر حرص بولندا وحلفائها على عدم إرسال قوات قتالية إلى أوكرانيا أو إقامة مناطق عازلة داخل أراضيها، تفاديا لأي تصعيد قانوني أو عسكري.

وإلى جانب قانون "حق الحرب"، يطبق أيضا القانون الدولي الإنساني أو ما يعرف بـ"قانون النزاعات المسلحة"، في حال نشوب مواجهة مباشرة.

وتخضع مثل هذه النزاعات لاتفاقيات جنيف والبروتوكولات الإضافية، التي تفرض على الأطراف المتحاربة احترام قواعد حماية المدنيين، وعدم استهدافهم عمدا، وضمان المعاملة الإنسانية للأسرى، وحظر استخدام الأسلحة العشوائية أو غير التمييزية.

وقد أظهرت النزاعات الأخيرة في أوروبا، ومنها الحرب في أوكرانيا، تحديات كبيرة في الالتزام بهذه القواعد، ما يثير القلق من أن أي مواجهة مباشرة بين قوتين كبيرتين في قلب القارة قد تحمل عواقب إنسانية واسعة.

إعلان

وفي هذا الإطار، يعد احترام القانون الدولي الإنساني ضرورة قصوى، ليس فقط من أجل حماية الأبرياء، بل أيضا لضمان المساءلة القانونية في حال وقوع انتهاكات جسيمة.

وبذلك، يوفر الإطار القانوني الدولي أساسا شرعيا واضحا للدفاع عن النفس، ويضع قيودا صارمة على أي سلوك هجومي، لكنه في الوقت نفسه يفرض التزامات متبادلة على جميع الأطراف أثناء القتال، ويحمل المجتمع الدولي مسؤولية مراقبة مدى الالتزام ومحاسبة من يتجاوز هذه القواعد.

حلف الناتو ومواقف الطرفين

حلف الناتو هو الركيزة الرئيسة في حسابات بولندا وروسيا: وارسو ترى فيه مظلة ردع حقيقية تحميها من أي مغامرة روسية، بينما تعتبره موسكو الخصم الفعلي خلف ظهر بولندا.

من منظور بولندا والحلف، الناتو منظومة دفاعية تدافع عن سيادة الدول، وقد جسد ذلك بدعمه الكبير لكييف وبردوده على اختراقات الأجواء.

تفعيل بولندا للمادة 4 بعد حادثة المسيرات أبرز وحدة الصف، فيما أطلقت مبادرات مثل "الحارس الشرقي" لتكامل الدفاع الجوي.

تصريحات الأمين العام للناتو مارك روته الداعية لإسقاط أي طائرة روسية تنتهك الأجواء تعكس تصلبا في الموقف. كل هذه الإجراءات طمأنت بولندا لكنها تذكرها أنها ستكون الجبهة الأمامية لأي مواجهة، ما يفسر حماسها لتعزيز دفاعاتها ونشر بطاريات باتريوت.

أما موسكو فترى توسع الناتو شرقا خرقا لوعود سابقة وتتعامل معه كتهديد إستراتيجي يستوجب الرد. لذلك عززت قدراتها في كالينينغراد، وطورت صواريخ للعمق الأوروبي، وتستخدم الحرب الإلكترونية والتضليل الإعلامي لاختبار تماسك الحلف واستفزازه عبر بيلاروسيا.

في خطابها، تصور روسيا أي مواجهة مع بولندا كصدام مع الناتو ككل، وتهدد برد ساحق وصولا إلى التلويح بالأسلحة النووية لردع التدخل الغربي.

خلاصة المواقف أن بولندا والناتو يعتبران نفسيهما في موقع الدفاع المشروع عن النظام الدولي، بينما ترى روسيا أنها تدافع عن أمنها القومي.

هذا التجاذب يترجم عمليا إلى سباق استعدادات عسكرية وسياسية يجعل أي حادث عرضي، أو خطأ في الحسابات مرشحا لأن يشعل مواجهة واسعة.

الأسس القانونية التي قد تؤدي إلى الحرب!

في ظل التوتر القائم، من المهم فهم السيناريوهات القانونية أو "الذرائع" التي قد تستعمل لدخول مواجهة بين روسيا وبولندا حتى وإن أعلن الطرفان رفضهما للحرب المباشرة. يمكن إجمال أبرز هذه السيناريوهات في الآتي:

الهجوم المسلح الصريح

وهو أوضح مبرر قانوني لاستخدام القوة. أي ضربة عسكرية متعمدة توقع خسائر بشرية أو أضرارا جسيمة على أراضي أحد الطرفين تعد "عدوانا مسلحا" يسمح بالرد دفاعا عن النفس.

فإذا أطلقت روسيا صواريخ على بولندا- سواء عن قصد أو بخطأ في التصويب- يحق لبولندا الرد واستخدام المادة 5 من الناتو لطلب مساعدة الحلفاء.

وينطبق ذلك أيضا في الاتجاه المعاكس، رغم أن احتمال مبادرة بولندا بالهجوم ضعيف جدا. وتبقى حدود "الهجوم المسلح" محل نقاش قانوني؛ فبعض الدول تعتبر كل استخدام للقوة هجوما، بينما تشترط دول أخرى بلوغ درجة معينة من الخطورة.

في أجواء التوتر الحالية قد ينظر إلى أي اختراق جوي أو مسيرات باعتباره عملا عدائيا إذا رأت الدولة المتضررة أنه يسبق هجوما أكبر.

في هذه الحالة يمكنها إسقاط الأهداف أو حتى ضرب منصات إطلاقها استنادا إلى مبدأ الدفاع الوقائي ضد خطر وشيك، شريطة الضرورة والتناسب في الرد.

الدفاع الجماعي ومبدأ المعاملة بالمثل

إذا تعرضت بولندا لعدوان واضح، فإن الناتو ملزم- وفق معاهدته- بمساعدتها. هذا الالتزام قد يوسع النزاع ليشمل دولا لم تستهدف مباشرة، وربما يفتح بابا لصراع شامل بين روسيا والحلف بما يحمله من مخاطر نووية.

بالمقابل، إذا قامت دولة في الناتو بمهاجمة روسيا أولا منفردة، فلا يلزم بقية الأعضاء الدفاع عنها؛ لأن المادة 5 مشروطة بوقوع هجوم وليس بالمبادرة. هذا القيد يضبط التحركات ويمنع جر الحلف إلى حرب بمبادرة أحادية.

الخطأ أو الحوادث العرضية

وجود قوات وأسلحة روسية وبولندية (وأطلسية) متقاربة يخلق مجالا واسعا لسوء التقدير. حادث بسيط قد يساء تفسيره كهجوم ويؤدي إلى تصعيد.

إعلان

مثال ذلك الصواريخ التي سقطت على بولندا في وقت سابق أو احتمال اعتراض عدائي لطائرة استطلاع فوق بحر البلطيق. كذلك هناك مخاطر الاحتكاك على حدود بيلاروسيا، أو استفزازات من عناصر شبه مستقلة.

لهذا السبب أنشئت قنوات اتصال ساخنة بين الناتو وروسيا، لكن فاعليتها رهن باستخدامها وضبط الأعصاب عند الأزمات.

الادعاءات القانونية المفبركة

قد تختلق ذرائع لتبرير عمل عسكري كما حدث عام 1939 عند غزو بولندا، ويخشى اليوم استخدامها لتصوير دعم بولندا لأوكرانيا كعداء مباشر.

غير أن القانون الدولي لا يعد تسليح دولة تدافع عن نفسها عملا عدوانيا، فيما يظل احتمال اعتبار التدخل دفاعا جماعيا مشروعا، ضعيفا، ويواجه غياب إجماع داخل الناتو قد يفسَر كإعلان حرب.

أسلحة الدمار الشامل والعتبة النووية

أخطر ما في أي مواجهة روسية- أطلسية احتمال استخدام السلاح النووي أو الكيماوي إذا شعر طرف بتهديد وجودي.

القانون الدولي يحظر استخدام بعض الأسلحة كالكيماوية، ويقيد جدا النووية، لكن واقع الردع المتبادل يجعل السلاح النووي عاملَ كبحٍ وخطرا في آن واحد. استخدامه سيكون تصعيدا يتجاوز الخطوط القانونية والأخلاقية ويقود إلى كارثة شاملة.

وفي جميع الأحوال، إن اندلاع الحرب قرار بشري أكثر منه حتمية قانونية. القانون الدولي يوفر إطارا يحدد من المعتدي ومن المدافع، لكنه لا يمنع الحرب إذا قرر أحد الطرفين خرقه.

لذلك تقع مسؤولية كبرى على صناع القرار في موسكو ووارسو- كما في بروكسل وواشنطن- لضبط النفس والتحقق من أي واقعة قبل الرد، واحترام الحد الأدنى من قواعد الاشتباك والقانون الدولي لتفادي الانزلاق إلى صراع شامل.

مفاهيم جديدة في فهم الحرب قانونيا

شهدت العقود الأخيرة تحولات نوعية في أشكال النزاعات المسلحة، ويكشف التوتر الروسي- البولندي الراهن عن كثير من هذه الملامح الجديدة التي تحتاج إلى فهم قانوني حديث.

الحرب الهجينة

لم تعد النزاعات تخاض بالوسائل التقليدية فقط. بل تلجأ الدول إلى أساليب هجينة تمزج بين القوة الخشنة والعمليات السرية والأدوات غير العسكرية لتحقيق أهدافها دون إعلان حرب.

برز هذا النهج في أوكرانيا عام 2014 عند الاستيلاء على القرم ودعم انفصاليي دونباس، ويمكن أن يظهر تجاه بولندا عبر هجمات سيبرانية واسعة على البنية التحتية أو اختراقات بطائرات دون طيار أو استغلال بيلاروسيا لدفع موجات لاجئين أو إدخال عناصر شبه مستقلة.

هذه الأفعال تقع في "المنطقة الرمادية" وتثير سؤالا قانونيا: هل هي "هجوم مسلح" يبرر الرد العسكري أم استفزاز يمكن احتواؤه؟

وقد بدأ يتبلور اتجاه قانوني يرى أن الهجمات السيبرانية المدمرة أو التخريب الخفي إذا ترتبت عليه آثار جسيمة يمكن أن يعد استخداما للقوة وربما "هجوما مسلحا". لذلك أعلن الناتو أن تقييم أي اعتداء سيكون وفق نتائجه وليس وسيلته.

الحرب بالوكالة

النزاع الأوكراني- الروسي مثال على حرب بالوكالة بين روسيا والغرب، حيث تقاتل أوكرانيا ميدانيا بدعم مالي وعسكري واسع، فيما تصف روسيا نفسها بأنها تواجه "آلة الناتو العسكرية".

هذا الواقع ينسحب جزئيا على حالة روسيا- بولندا قبل أي مواجهة مباشرة؛ فبولندا في حالة عداء شبه صريح مع روسيا من خلال دعمها لكييف، بينما ترى موسكو أن إطالة الحرب تستنزف بولندا أمنيا واقتصاديا.

قانونيا، الوضع معقد: الدول الغربية تنفي أنها في حالة حرب مع روسيا لأنها لم ترسل قوات قتالية، بينما تزعم موسكو العكس.

هذه المنطقة الضبابية تجعل أي احتكاك مباشر- مثل إسقاط بولندا مسيرات روسية بمساعدة أطلسية- تطورا حساسا يقرع جرس الإنذار.

ففي اللحظة التي يستخدم فيها طرف في الناتو القوة ضد معدات أو قوات روسية (والعكس) نكون أمام اشتباك عسكري مباشر، قد يبقى محدودا لكنه قابل للتوسع. ومن هنا برز مفهوم "الحرب المحدودة" بين قوى كبرى، والذي يتطلب ضبطا دقيقا لمنع الانزلاق إلى مواجهة شاملة.

عدم إعلان الحرب رسميا

من سمات النزاعات الحديثة تحاشي إعلان الحرب رسميا. روسيا وصفت عمليتها في أوكرانيا بأنها "عملية عسكرية خاصة" لتجنب تبعات قانونية وسياسية، وبولندا والناتو بدورهما قد يستخدمان توصيفات دفاعية أو عملياتية إذا وقع نزاع.

في القانون الدولي، عدم الإعلان لا يغير من حقيقة قيام الحرب؛ فبمجرد وقوع اشتباكات مسلحة منتظمة يعد النزاع دوليا، مسلحا وتطبق عليه قواعد القانون الدولي الإنساني.

لكن سياسيا يستخدم عدم الإعلان لتقييد نطاق الصراع أو التهرب من التزامات معينة، ما يجعل الوضع "رماديا" بين السلم والحرب ويبقي للحكومات هامشا أوسع في رواية الأحداث.

إعلان

ومع ذلك، فإن أي نزاع غير معلن بين قوتين كبيرتين في قلب أوروبا يحمل خطر التصعيد خارج السيطرة.

التطور التكنولوجي وتسارع وتيرة الصراع

التقنيات الحديثة تضيف تعقيدا للمشهد القانوني. المسيرات مثلا قد تعامل كصواريخ جوالة انتحارية أو كعتاد ضال الطريق، ما يطرح تساؤلات حول وصفها القانوني.

ومن حيث المبدأ، يحق للدولة إسقاط أي جسم يخترق أجواءها دفاعا عن سيادتها. كذلك الحرب الإلكترونية قد تؤدي إلى انحراف مسيرات أو تعطيل أنظمة، ما يبهت الحدود بين الفعل المتعمد والخطأ الفني.

سرعة اتخاذ القرار في الدفاعات الجوية الآلية، وضغوط الإعلام والرأي العام الفوري، تجعل صناع القرار أمام اختبار صعب لضبط الأعصاب قبل استجلاء الحقائق.

إن الحرب قد تبدأ بتصعيد تدريجي واستفزازات محسوبة بدلا من غزو معلن، ما يفرض على القانون الدولي تكييف قواعده مع هذه الأشكال الجديدة. تبقى مسؤولية القوى الكبرى في ضبط الخطوط الحمراء ومنع انهيار الأعراف الأساسية لتفادي انفلات الحرب عن عقال القانون. حتى في حده الأدنى.

التوتر الروسي- البولندي يقف بين كبح الانزلاق إلى مواجهة مباشرة أو الانفلات نحو صراع مدمر.

الإدراك المتبادل لقوة الردع ما زال يوفر حزام أمان، لكن طول حرب أوكرانيا يزيد خطر التصعيد غير المقصود، ما يجعل تفعيل القنوات الدبلوماسية والتمسك بالقانون الدولي والردع الجماعي آخر خطوط الدفاع لتفادي كارثة أوروبية ودولية.

الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.

0 تعليق