Published On 2/10/20252/10/2025
|آخر تحديث: 17:26 (توقيت مكة)آخر تحديث: 17:26 (توقيت مكة)
على بعد 50 كيلومترا شمال العاصمة الأفغانية كابل، وعلى مساحة تصل إلى 10 آلاف قدم، تقع قاعدة باغرام الجوية التي بنيت في خمسينيات القرن الماضي.
ولا تزال هذه القاعدة التي أخْلتها إدارة الرئيس الأميركي السابق جو بايدن في يوليو/تموز 2021 مثار جدل واسع بين الأصوات السياسية في العاصمة واشنطن، مما جعل الرئيس دونالد ترامب يطالب باسترجاعها نظرا لموقعها الإستراتيجي المهم.
اقرأ أيضا
list of 2 items end of listوبشأن سياقات الانسحاب الأميركي من القاعدة وأبعاده الإقليمية، ومطالبة ترامب باسترجاعها في ظل حكم حركة طالبان، نشر مركز الجزيرة للدراسات ورقة تحليلية تحت عنوان "طالبان وباغرام: جدل السياسة والحساسية الإستراتيجية".
الورقة -التي أعدّها الباحث ومراسل الجزيرة في أفغانستان حميد الله محمد شاه- استعرضت أهمية القاعدة، وتاريخها مع الولايات المتحدة التي تعتبرها بوابة للنفوذ العالمي، حيث إنها تلعب دورا حاسما في توان القوى وإستراتيجيات الأمن.
بوابة للنفوذ الأميركي
بنيت قاعدة باغرام في خمسينيات القرن الماضي بولاية بروان في أفغانستان وذلك ضمن تعاون حينها بين الحكومة والاتحاد السوفياتي.
وشهد تاريخ القاعدة مسارا من التحولات، حيث اتجهت النية لجعلها مطارا حديثا للدولة عام 1976، لكنها في الفترة بين عامي 1979 و1989 تحوّلت إلى مركز لعمليات القوة السوفياتية في جميع أفغانستان.
أما الولايات المتحدة فإن علاقتها بالقاعدة ترجع إلى عام 1959، إذ تم فيها استقبال الرئيس الأميركي الأسبق دوايت أيزنهاور من قِبل الملك الراحل محمد ظاهر شاه.
ومع دخول القوات الأميركية لأفغانستان عام 2001، أعيد توظيف القاعدة لمحاربة حركة طالبان وتنظيم القاعدة ضمن الحملة الواسعة وقتها على الإرهاب.
وبالتزامن مع ذلك، وقّع الرئيس الأميركي الأسبق جورج بوش الابن ونظيره الأفغاني حامد كرزاي على اتفاق للشراكة الإستراتيجية حول قاعدة باغرام في مايو/أيار 2005.
إعلان
وبحلول عام 2007، أصبحت بغرام أكبر قاعدة أميركية في أفغانستان، إذ تتمركز فيها آلاف القوات التي تضم تشكيلات من حلف الناتو، إضافة إلى مئات الطائرات، كما تم استخدامها كمركز احتجاز للمشتبه بهم في الانتماء لتنظيم القاعدة.
وفي ذلك السياق، استثمر البنتاغون في هذه القاعدة أموالا ضخمة، حيث بنى فيها مدرجا جديدا قادرا على استقبال الطائرات الثقيلة، وأصبحت تنفّذ فيها سنويا 333 ألف عملية إقلاع وهبوط للطائرات.
وعلى الصعيد الإستراتيجي، تقع القاعدة على سهل مرتفع شمال كابل، تحيط به جبال هندوكوش الشامخة، وعلى مفترق طرق بين آسيا الوسطى وجنوب آسيا والشرق الأوسط، مما يمنحها موقعا له أهمية إستراتيجية من العالم.
وعندما أرادت الولايات المتحدة الانسحاب منها، اختارت أن يكون ذلك دون تنسيق مع القادة الأفغان ومن غير صخب إعلامي، وهو ما تم اعتباره نهاية تحمل في طياتها دليلا على الهزيمة.
جسر لوجيستي
من منظور جيوسياسي، تُعد قاعدة باغرام من القواعد الرئيسية في آسيا الوسطى نظرا لموقعها الإستراتيجي عند مفترق الطرق بين جنوب آسيا وآسيا الوسطى وغرب آسيا، وتمتد أهميتها الإستراتيجية إلى ما هو أبعد من العمليات العسكرية، فهي تُمكّن الولايات المتحدة أو أي قوة مسيطرة من مراقبة وموازنة اللاعبين الإقليميين الرئيسيين، بما في ذلك الصين وروسيا وإيران.
ويدرك الرئيس الأميركي دونالد ترامب أهمية هذه القاعدة في التعامل مع الصين، فهي تقع على بُعد ألفي كيلومتر شرقا من مدينة شينجيانغ الصينية، مما يمنحها أفضلية على القواعد الأميركية في الفلبين، التي تقع على بُعد 3 آلاف ميل من المنطقة الصينية ذاتها.
ويحمل اهتمام ترامب بالعودة إلى باغرام أبعادا جيوسياسية وجيوإستراتيجية، فمن خلال عودة الولايات المتحدة إليها، يهدف ترامب إلى أن يُظهر لدول المنطقة، بما فيها الصين وروسيا وإيران، أن الانسحاب الأميركي من أفغانستان لا يعني تراجعا في نفوذ واشنطن العالمي، بل فرصة لإعادة تموضعها وممارسة الضغط.
وما يميز القاعدة أنها تربط مناطق رئيسية داخل الأراضي الأفغانية، إضافة إلى وصولها إلى دول آسيا الوسطى مثل أوزبكستان وتركمانستان وطاجيكستان، وهذا يجعلها نقطة دخول حاسمة للتأثير على المشهد الجيوسياسي الأوسع في وسط وجنوب آسيا.
وتدعم باغرام إستراتيجيات جيو اقتصادية أوسع نطاقا من خلال تأثيرها المحتمل على البنية التحتية وطرق التجارة، مثل مبادرة الحزام والطريق التي تدعمها الصين.

بين الطموح للقيادة والتمسك بالسيادة
وفي سياق البحث عن التموقع وزيادة مساحات النفوذ والسيطرة، يتجلّى بوضوح أن الولايات المتحدة عبر رحيلها عن قاعدة باغرام، خسرت نقطة إستراتيجية مهمة في المنقطة، قد تحاول أن تستعيدها لتساهم في تعزيز مكانتها كدولة عظيمة تسعى للقيادة والهيمنة في جميع أنحاء العالم.
ويروِّج ترامب لقاعدة باغرام باعتبارها ورقة بلاده الرابحة في مواجهة الصين ورمزا لضعف سلفه جو بايدن، في التعامل مع الملف الأفغاني، بالإضافة إلى أن جميع العمليات الأميركية أصبحت مرتبطة عمليّا بمسارات وتصاريح إسلام آباد، لدرجة أن قائد القيادة المركزية الأميركية أكّد في مجلس الشيوخ أن مثل هذه المهام غير ممكنة بدون شريك بري وبدون وصول جوي، كما كشفت الخلافات المتكررة بين طالبان وباكستان حول مرور الطائرات بدون طيار عن هشاشة هذا الاعتماد.
إعلان
ويهدف الرئيس ترامب من وراء طموحه الاستعادة هذه القاعدة الحيوية والمهمة إلى عدة أمور من أهمها:
احتواء إيران: لأن القاعدة تقع على مسافة قريبة من الحدود الإيرانية، مما يمنح الولايات المتحدة قدرة على ردعها. مراقبة الصين وروسيا: إذ موقع باغرام يقع على مقربة من إقليم شينجيانغ الصيني وآسيا الوسطى. زيادة مزية النفوذ الأميركي: لأن وجود القاعدة كان رسالة قوية يكشف هيمنة الولايات المتحدة في قلب آسيا، وانسحابها عكس تراجعا إستراتيجيا لها في المنطقة.وبعد 4 سنوات من حكم حركة طالبان، يعتبر ترامب بغرام ورقة ضغط إستراتيجية في التعامل مع الصين وإيران، وهذا الطرح يعكس توجهات واسعة داخل الحزب الجمهوري بانتقاد "الانسحاب الفوضوي" وتحميل بايدن كلفة الانهيار السريع للحكومة الأفغانية.
من جانبها، تعتبر حركة طالبان أن باغرام خط أحمر ورمز للسيادة الوطنية، ولا تسمح أيديولوجية الحركة ومصالحها الإستراتيجية برجوع القوات الأميركية لأرض أفغانستان بعد عقدين من محاربتها.
كما أن مطالبة ترامب باستعادة قاعدة بغرام والحضور العسكري فيها يتعارض مع نص الاتفاق الذي أبرمته الولايات المتحدة مع طالبان في الدوحة، عام 2019، والذي من خلاله التزمت الولايات المتحدة بسحب جميع القوات العسكرية.
وانطلاقا من هذه المعطيات، يمكن القول إنه من الناحية العملية، قد يكون من شبه المستحيل استعادة القاعدة في ظل سيطرة طالبان الراسخة ومعارضة دول الجوار، لتبقى مطالب ترامب وعزمه على إرجاعها ورقة يتم استثمارها في سياقات الحرب على الإرهاب وتذكير الأميركيين بفوضوية الرحيل عن مواطن نفوذ قواتهم بسبب الإدارة السابقة.
0 تعليق