خطة ترامب.. كيف تعيد تشكيل الإقليم من وراء ستار غزة؟ - البطريق نيوز

0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

في مشهد داخل البيت الأبيض، وصف الرئيس الأميركي دونالد ترامب اللحظة بأنها "ربما أعظم أيام التاريخ"، معلنا بحضور رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو -المطلوب لمحكمة الجنايات الدولية لارتكابه جرائم إبادة جماعية في غزة- خطة أميركية إسرائيلية مشتركة لإنهاء الحرب في غزة.

جاء هذا الإعلان بعد 724 يوما من بدء حرب الإبادة الجماعية على قطاع غزة، متضمنا خطة مفصلة من 21 نقطة، وافق عليها نتنياهو علنا، ومؤكدا أنها "ستُحقق جميع أهداف حربنا".

ورغم تسويق الخطة باعتبارها "الصفقة النهائية، إلا أنها تحمل في طياتها إشكاليات جمة، إذ تبدو كمخطط يحمل أهدافا إستراتيجية متعددة الطبقات، لا يقتصر أثره على غزة وحدها، بل يمتد ليشمل المنطقة كلها.

الأهداف الإستراتيجية للخطة

لا تهدف الخطة الأميركية -كما قدمها ترامب- فقط إلى وقف الحرب في غزة وإعادة الرهائن، بل هي رؤية إستراتيجية شاملة لإعادة رسم الخريطة السياسية والأمنية لغزة والمنطقة، مستفيدة من الزخم الناتج عن الحرب والرغبة العربية والإسلامية في إخماد نارها.

فالخطة تعِد بوقف فوري لإطلاق النار بمجرد قبول الطرفين علنا، وإطلاق جميع الرهائن خلال 72 ساعة، وانسحاب إسرائيلي إلى "خطوط متفق عليها" تمهيدا لإتمام عملية التبادل، في مقابل أن تفرِج إسرائيل عن 250 أسيرا محكوما بالمؤبد ونحو 1700 معتقَل من غزة بعد 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023.

ورغم أن هذه الإجراءات تمثل المدخل التنفيذي للخطة، إلا أن جوهرها يرتكز على 3 مسارات رئيسية متوازية:

تفكيك سريع وشامل لقدرات حماس العسكرية عبر إطار "قوة استقرار دولية" ومشاركة عربية وإسلامية. تأسيس حكومة انتقالية يقودها "مجلس السلام" بإشراف دولي وبمشاركة رئيس الوزراء البريطاني السابق توني بلير، تجند وتدرب إدارة فلسطينية تكنوقراطية لا دور فيها لحماس ولا للسلطة الفلسطينة على الأقل على المستوى المتوسط. فتح مسار سياسي نحو تقرير المصير الفلسطيني، يوصف بالموثوق، مع تأكيد عدم ضم غزة أو احتلالها رسميا، وإبقاء "مسؤولية أمنية" إسرائيلية مؤقتة لحين نزع سلاح حماس.

إعلان

ووصف المختص في الشأن الإسرائيلي، محمد القيق، خطة ترامب بأنها تتناقض كليا مع صفقة القرن، التي طرحها في ولايته الأولى، فالخطة الجديدة تفضي إلى تهجير الفلسطينيين وبناء الشرق الأوسط الجديد على موازين الأمن الإستراتيجي لإسرائيل وأميركا، وفق التفسير الإسرائيلي وخطة الضم.

وأضاف بأن هدف الخطة أولاً هو تنفيس وتفريغ مضمون الاعترافات الدولية، للإيحاء بأن هناك أفقا للسلام في المنطقة، وإرضاء وطمأنة الساحة العربية للاستفراد بإيران في مشهد مغاير خصوصا بعد العدوان على الدوحة.

من جهته، حذر المختص في الشأن الإسرائيلي -فراس ياغي- من الإفراط في التفاؤل، فكل بند في الخطة بحاجة لاتفاق، خاصة مواضيع الانسحاب، ونزع السلاح، وإصلاح السلطة وغيرها من البنود الـ21.

وأضاف بأن الخطة تهدف بالأساس لإنقاذ إسرائيل من أزمتها الداخلية والخارجية، بعد ما تعرضت له من نبذ وعقوبات.

كما تهدف -بحسب ياغي- لإنهاء المقاومة المسلحة، بشكل كامل وبإشراف دولي وإقليمي ولمساعدة إسرائيل في تحقيق أهدافها ككل، مع أهداف جدية لهندسة قطاع غزة عقاريا وفقا لمفهوم استثماري تستفيد منه شركات ترامب ومبعوثه ستيف ويتكوف بتمويل عربي وبإدارة صديق شخصي لنتياهو، وهو توني بلير.

" frameborder="0">

عوائق بوجه نتنياهو

بالنسبة لنتنياهو، تحقق "خطة ترامب" -كما قال- أهداف الحرب (استعادة الرهائن، تفكيك قدرات حماس، ومنع عودتها للسلطة)، وتُمثل موافقته العلنية على الخطة مقامرة سياسية كبرى، إذ تحتوي الخطة على مجموعة من العوائق التي يصعب على شركائه في الائتلاف اليميني المتطرف، أمثال سموتريتش وبن غفير، تمريرها، ومنها:

الدولة الفلسطينية:

فالإشارة الصريحة في الخطة إلى إمكانية تهيئة الظروف لـ"مسار موثوق نحو تقرير المصير الفلسطيني وإقامة الدولة"، تتناقض جذريا مع عقيدة اليمين الذي يرفض قيام الدولة الفلسطينية.

وصرح مسؤولون إسرائيليون لوول ستريت جورنال بأن إسرائيل "دفعت" نحو إدخال تغييرات ظهرت في الوثيقة النهائية، ويتعلق التغيير الأبرز، بمسألة الدولة الفلسطينية.

وبحسبهم، يُبقي المقترح الحالي المسألة مفتوحة، ولا يتضمن عبارة "حل الدولتين"، بل يُشير إلى "تطلعات الشعب الفلسطيني" في تقرير المصير، وهذه المسألة تبقى غير مُلزمة.

الضم والاستيطان:

فالخطة تذكر أن إسرائيل لن تحتل غزة أو تضمها، وأنها لن تُجبر أي فلسطيني على المغادرة، مما يقوّض بشكل مباشر الأجندات الخاصة بالضم والاستيطان في قطاع غزة وتهجير سكانه التي يروج لها اليمين المتطرف كـ"نصر مطلق".

وبحسب المحلل في يديعوت أحرنوت، ناداف إيال، فالتنازلات لا قيمة لها من وجهة نظر إسرائيل، لكنها تُبدد أحلام اليمين المتطرف تمامًا.

ويضيف أن السلطة الفلسطينية، بحسب الخطة، تعود بقوة، مع إصلاحات لا أحد يعلم إن كانت ستتحقق، وستتكوّن الإدارات داخل القطاع أيضا من فلسطينيين، سيكونون من فتح والسلطة الفلسطينية، وربما أيضا من حماس، معلقا على ذلك بالقول "كل الوقت المُهدر في تصريحات جوفاء تُقصي السلطة الفلسطينية ضاع سدى".

الإفراج عن أسرى المؤبدات: 

رغم أن إسرائيل أعلنت بالفعل أنها لن تُفرج عن "رموز" مثل مروان البرغوثي، لكن يوجد حوالي 280 سجينا مؤبدا لديها وتنص الخطة على الإفراج عن 250 منهم، مما يثير مخاوف من إطلاق سراح جميعهم تقريبا.

Seated at main table, L/R, UAE Foreign Minister Sheikh Abdullah bin Zayed Al Nahyan, Indonesia's President Prabowo Subianto, Qatar's Emir Sheikh Tamim bin Hamad al-Thani, Turkey's President Recep Tayyip Erdogan, US President Donald Trump, Jordan's King Abdullah II, Pakistan's Prime Minister Shehbaz Sharif, and Egypt's Prime Minister Mostafa Madbouly attend a multilateral meeting to discuss the situation in Gaza, on the sidelines of the United Nations General Assembly in New York City on September 23, 2025. (Photo by Brendan SMIALOWSKI / AFP)
ترامب يسوق خطته بأنها تحظى بقبول عربي وإسلامي واسع (الفرنسية)

حرية عمل الجيش الإسرائيلي

تصر إسرائيل على منح جيشها حرية كاملة في التحرك واتخاذ الإجراءات ضد حركة حماس داخل قطاع غزة، مع رفض الانسحاب الكامل من القطاع عقب انتهاء العملية العسكرية -وهو انسحاب مؤجل وفق خطة ترامب إلى فترة تتجاوز العام- ويرتبط بتحقق هدف نزع سلاح المقاومة.

إعلان

وقال وزير الأمن القومي إيتمار بن غفير في اجتماع مجلس الوزراء الإسرائيلي إن "الاتفاق القادم خطير على أمن إسرائيل، ومليء بالثغرات، ولا يحقق أهداف الحرب التي حددناها، وإنه يسحب الجيش الإسرائيلي من السيطرة العملياتية على غزة والمناطق المحتلة، ويترك أمن إسرائيل في أيدي القوات الدولية".

وأضاف "فجأة يتولى طرف ثالث مسؤولية أمننا، ويمنح العفو لقتلة حماس، وهذا ببساطة أمر غير مفهوم، آسف لإفساد احتفالكم.. ماذا عن خطة الهجرة؟ ماذا عن الضم؟ هذه الاتفاقية السيئة تنطوي على إمكانية قيام دولة فلسطينية".

من جانبه، أشار المختص ياغي إلى أن معضلة الخطة تكمن في خشية نتنياهو من انهيار ائتلافه والذهاب لانتخابات مبكرة، الأمر الذي يدفعه للمطالبة بتعويض سياسي، قد يتحقق عبر فتح حرب جديدة أو الحصول على ضمانات داخلية مثل العفو من قضايا الفساد المرفوعة ضده.

ويرى ياغي أن الخطة ستؤدي لانتخابات مبكرة في إسرائيل وستعيد نتنياهو للحكم بدعم أميركي وإقليمي، وستنقذ إسرائيل من العزلة، والفلسطيني سينتظر ما سيعطونه له، وستحقق "تحالفا إسرائيليا عربيا على طريقة ناتو جديد إقليمي".

SOUTHERN ISRAEL, ISRAEL - SEPTEMBER 17: Israeli soldiers stand near military vehicles near the border with the Gaza Strip on September 17, 2025 in Southern Israel, Israel. Israel launched its major ground offensive on Gaza City yesterday conducting heavy air strikes overnight forcing thousands of Palestinians to flee to the centre of the Strip to join the hundreds of thousands who have already fled. (Photo by Amir Levy/Getty Images)
إسرائيل تصر على منح جيشها حرية كاملة في التحرك واتخاذ الإجراءات ضد حركة حماس داخل قطاع غزة (غيتي)

مناورات نتنياهو أمام الضغوط

بحسب المراسل الدبلوماسي للقناة 12، براك رافيد، فإن ضغوط ترامب ترتكز على تجميع 3 رافعات، اصطفاف عربي وإسلامي نادر حول خطوطٍ عامة للخطة، ورأي عام دولي مُنهك يريد وقف الحرب وإعادة الرهائن، وعُزلة إسرائيلية متنامية وخلافات متزايدة مع العواصم الشريكة، تُستخدم كلّها لحصر نتنياهو في زاوية "القبول الآن أو دفع ثمن سياسي باهظ".

وقد قال ترامب ذلك بوضوح في المؤتمر الصحفي "بيبي يفهم أن الوقت قد حان"، ومع ذلك، يُجيد نتنياهو تاريخيا اللعب في مناطق الضباب، التعهّد بالمبدأ وتفكيك التفاصيل وشراء الوقت، وتوسيع "التحفظات التنفيذية" حتى تتحوّل الجداول الزمنية إلى فخ قابل لإعادة التفاوض في كل محطة، بحسب رافيد.

وتوقع المحلل العسكري لصحيفة هارتس، عاموس هرائيل، بأن يستخدم نتنياهو أسلوبه المعتاد عبر إغراق الرؤساء الأميركيين الذين يتناوبون على مشاكله الداخلية، متوقعا -وهو ما يتحقق غالب- مراعاة ومرونة أكبر من جانبهم، وفي الأيام المقبلة، من المرجح أن يحاول نتنياهو بدء مفاوضات مرهقة مع مسؤولي الإدارة بشأن شروط الاتفاقية، وصياغتها النهائية، ومسار تنفيذها.

واعتبر حقيقة أن واضعي الخطة لم يكلفوا أنفسهم عناء وضع جدول زمني ملزم لانسحاب الجيش الإسرائيلي قد يزيد الوضع تعقيدا.

كما سيستغل نتنياهو معارضة فصائل اليمين المتطرف في الائتلاف الحكومي، وينشر تلميحات تهدف للضغط على حماس وإيهام قادتها بأن إسرائيل ستخرق الاتفاق عندما تُتاح لها الفرصة، وهذا تكرر مرارا ما أدى إلى تشدد حماس في شروطها، والذي سوقه نتنياهو بأن حماس ترفض.

وبحسب ياغي، فإن نتنياهو لا يملك سوى خيار التعقيد وشراء الوقت أمام الضغوط الداخلية والخارجية.

Israeli Prime Minister Benjamin Netanyahu, Finance Minister Bezalel Smotrich, Defense Minister Israel Katz and National Security Minister Itamar Ben-Gvir attend a discussion at the plenum in the Knesset, Israel's parliament, in Jerusalem, July 23, 2025. REUTERS/Ronen Zvulun
تخوفات من استغلال نتنياهو معارضة اليمين المتطرف في حكومته لخطة ترامب في إفشالها (رويترز)

بين الولادة الميتة والموافقة المشروطة

يعتقد المحلل السياسي في صحيفة هارتس، جاكي خوري، أن خيارات الفلسطينيين أمام خطة ترامب معقدة لأن الفجوة بين الالتزامات الإسرائيلية والتنفيذ الفعلي عميقة، لذا، حتى الآن، إذا تخلصنا من جميع الشعارات، فلن يتبقى للفلسطينيين، سواء في الضفة الغربية أو غزة، سوى الاختيار بين احتلال ناعم واحتلال عنيف وصارم، على حد قوله.

وعمليا -بحسب جاكي- فإن ما يعرضه ترامب على حماس هو سلّموا الرهائن، وسنرى متى وكيف يمكننا أن نمنحكم أفقا سياسيا، وباستثناء الإطراءات لنفسه وفريقه، والكثير من الكلمات الرنانة لترامب، لا يوجد أي اقتراح لأفق سياسي للفلسطينيين، فهو لا يقدم رؤية ولا حتى بداية لعملية سياسية حقيقية، ولا يتحدى نتنياهو في معارضته للدولة الفلسطينية.

إعلان

واعتبر خوري أن حماس والسلطة الفلسطينية ستُضطران للاختيار بين السيئ والأسوأ، بين وصاية أجنبية أو احتلال بلا إطار واضح.

وبحسب ياغي، فإن الخطة ليست سوى خطة خداع، والمقصود منها الإفراج عن الأسرى وتنفيذ خطة التهجير، داعيا "ألا ننسى أن ترامب نفسه كان أكثر من مرة جزء من خطة التضليل والخداع للعمليات العسكرية الإسرائيلية، وآخرها مقترحه بصفقة شاملة لكي يجتمع قادة حماس في الدوحة ليتم اغتيالهم.

كما حذر الخبير القيق من سيناريو الخديعة والعدوان الجديد، وقال لا يوجد أي خلاف ما بين ترامب ولا نتنياهو، ولم يتغير مخططهم في المنطقة، فما تغير سوى الوسائل والتكتيكات، والهدف واحد وهو إزالة الهوية الفلسطينية وتوسيع إسرائيل.

0 تعليق