ردع إسرائيل وتأسيس عقيدة أمنية عربية جديدة - البطريق نيوز

0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

انقر هنا للمشاركة على وسائل التواصل الاجتماعي

share2

ما طبع القمة الإسلامية العربية التي انعقدت بالدوحة 15 سبتمبر/أيلول 2025، ردا على الاعتداء الذي تعرضت له قطر، هو النبرة الحازمة والهادئة في آن، سواء في كلمات رؤساء الوفود، أو البيان الختامي، وهي القمة التي تجعل المنتظم الدولي أمام مسؤولياته، بالنظر لحجم الفرص المهدرة من أجل السلام.

وتتحمل إسرائيل المسؤولية الكاملة في نسفها، مثلما ورد في الكلمة الافتتاحية لأمير دولة قطر سمو الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، منذ المبادرة العربية للسلام 2002، والاتفاقات المبرمة مع دولتين عربيتين لهما حدود مع إسرائيل، مصر (كامب ديفيد 1978) والأردن (وادي عربة 1994)، وتهدد الاتفاقات المبرمة، ومنها اتفاقات أبراهام (2020)، وترهن آفاق السلام في المستقبل.

دقت ساعة الحقيقة، كي تسمى الأشياء بمسمياتها، وحتى لا يتم التستر أو التذرع بأحكام جاهزة ضد من يرفع راية الحق ويدافع عن حقوقه، بتهمة الإرهاب أو معاداة السامية.

ما أقدمت عليه إسرائيل بقصفها الدوحة، لم يكن خطأ تكتيكيا بل إستراتيجيًا، يتهدد السردية الأحادية التي سادت عن "واحة الديمقراطية"، وعن العالم العربي الرافض للسلام، والثقافة العربية المتعطشة للدماء.

انتهكت إسرائيل سيادة دولة، ليس من خلال اختراق حدودها، بل بقصف عاصمتها، في مبانٍ سكنية، وضربت بالقانون الدولي عرض الحائط باستعمال القوة، حيث لا موجب لها، واستهدفت بلدا لا تربطها به حدود، وأودت بحيَوات أشخاص، وقوضت مساعي سلمية في الوساطة.

ولم تعبر إسرائيل لا عن أسف، ولا بدر منها اعتذار، بل توعدت كل الدول التي تؤوي عناصر من "حماس"، بالملاحقة.

ولذلك كان تاريخ 9 سبتمبر/أيلول 2025، تحولا في تاريخ المنطقة، لكنه لن يكون كذلك إلا من خلال حسن تدبير الخطأ الإستراتيجي الذي ارتكبته إسرائيل.

أولا دبلوماسيا، وهو ما أحسنت دولة قطر في القيام به من خلال عقد دورة لمجلس الأمن، وإدانة الاعتداء. وثانيا، عقد قمة عربية إسلامية. وثالثا، تأكيدها على ألا شيء يثنيها عن الاستمرار في عمليات السلام والوساطة.

إعلان

لكن ينبغي أكثر من العمل الدبلوماسي، من خلال رؤية جديدة يفرضها سياق جديد، يقوم على معطيَين لا يمكن التستر عليهما:

أولا، أن إسرائيل ليست راغبة في السلام، لا مع الفلسطينيين، ولا مع دول الجوار. وثانيا، أن المظلة الأميركية ستساير إسرائيل في عربدتها، وستمالئها في تجاوزاتها، أيا كان الحليف.

ولذلك سيكون من القصور في النظر المراهنة، مراهنةً مطلقة على الولايات المتحدة من قِبل حلفائها.

يذكّر اعتداء 9 سبتمبر/أيلول 2025 بتواريخ كانت مفصلية تنهي مرحلة، وتشرَع على أخرى، كما الاعتداء الذي تعرضت له أرامكو في البقيق وخريص بالمملكة العربية السعودية سبتمبر/أيلول 2019، وأثر ذلك على عقيدتها الأمنية، أو قبل ذلك بكثير، حين قصف الطيران الفرنسي ساقية سيدي يوسف في تونس 1958؛ لضرب قواعد مجاهدي جبهة التحرير الجزائرية، وكان أغلب ضحايا القصف تلامذة في مدرسة.

وكانت الصور التي تم تداولها للأطفال ضحايا القصف، أكبر صفعة تلقتها الماكينة العسكرية الفرنسية، مع التنديد الذي أعقبه في الأمم المتحدة، وهو ما عجل بالفرنسيين لطيّ "إمبراطوريتهم"، أو اعتداء اليابان على بيرل هاربر ديسمبر/أيلول 1941، مما عجل بدخول الولايات المتحدة الحرب العالمية الثانية في المحيط الهادئ.

الاعتداء الذي تعرضت له قطر، ينسف كثيرا من القواعد التي كانت سارية:

تهاوت فكرة التطبيع مقابل حل الدولتين. صرحت إسرائيل بأنها لا تقبل بدولة فلسطينية، ولا تتكتم عن ضم الضفة الغربية وإجلاء سكان غزة، ومن ثمّ يصبح التطبيع، مقابل لا شيء، أو عقد إذعان بلغة الحقوقيين، وإثابة مجانية للجاني، وبالمقابل هو إضعاف للضحية، وطعن فيها. لا تأبه إسرائيل بأي دولة عربية، ولو كانت حليفة للولايات المتحدة. لئن تعارضت ما تراه إسرائيل اعتبارات أمنية، مع مصالح حلفاء الولايات المتحدة في المنطقة، فإن الولايات المتحدة ستغلب مصلحة إسرائيل.. وهو ما عبرت عنه زيارة وزير الخارجية الأميركي مارك روبيو لإسرائيل قبيل انعقاد القمة، ومهما كانت العلاقات التي تربط الولايات المتحدة وحلفاءها من الدول العربية. ليست دول الخليج بعيدة من أوار المعركة ولا محصنة.. كان الاعتقاد السائد أن بؤرة المواجهة مع إسرائيل، هي دول الجوار، سوريا، ولبنان، وطبعا فلسطين، وإيران، قطب الممانعة… لكن من العسير "شراء" هذا الطرح، مع حلم إسرائيل الكبرى، و"الشرق الأوسط الجديد".

بناء على ذلك، تتغير القواعد الناظمة للشرق الأوسط:

على مستوى دولة قطر، إذ من الراجح أن تتغير العقيدة الأمنية، وآليات الدفاع. وعلى مستوى دول الخليج؛ لأن المساس بقطر هو مساس بمجلس التعاون الخليجي، والدول المكونة له، وهو ما سينعكس على دبلوماسية هذه الدول وعقيدتها العسكرية. يمس التغيير دول الشرق الأوسط، وخاصة دولتي الطوق، الأردن ومصر، اللتين ترتبطان بمعاهدتي صلح مع إسرائيل، لكن إسرائيل لم تتورع عن نقض نص الاتفاقيتين وروحهما مع البلدين، مع مواصلة التحرش بلبنان، وسوريا. تأجيج التوتر في شمال أفريقيا، بين المغرب، والجزائر، وداخل كل بلد، من خلال اللعب على الطائفية: سلاح الدمار الشامل الجديد.

إعلان

الأخطر طبعا، مثلما ورد في كلمة أمير دولة قطر، ما وراء الحرب على غزة، والاعتداء على قطر، هو شرق أوسط جديد تحت مظلة إسرائيل، في إطار "إسرائيل كبرى"، أي أننا أبعد ما نكون عن النظرة التي كان يحملها شمعون بيريز في التقاء عالمين وتكاملهما، ولكن في ظل هيمنة قوة عسكرية، تنمط المنطقة سياسيا في دائرة نفوذ إسرائيلية، تكون خاضعة عسكريا لها، وتابعة اقتصاديا، مع الدفع بثقافة ذيلية، تتحلل فيها كل الروابط الثقافية لفائدة الخصوصيات، واللهجات، والهويات، والنزوع الاستهلاكي، والترفيه، عوض الإبداع والفكر.

القمة الأخيرة التي انعقدت، فرصة لهبّة، تحتاج إلى هدوء في العمل وطول نفَس.. والحرب على غزة، ليست حربا على الغزيين أو الفلسطينيين فقط، وهو ما كشفه اعتداء 9 سبتمبر/أيلول 2025، وما أبانت عنه قمة الدوحة الأخيرة.

الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.

0 تعليق