كتب محمد الجمل:
واصلت "الأيام" رصد مشاهد جديدة من العدوان الإسرائيلي المتصاعد على القطاع عامة ومدينة غزة على وجه التحديد، خاصة في ظل تكثيف الغارات الجوية، وزيادة النزوح باتجاه الجنوب.
ورصدت "الأيام" مشهداً يوثق تصاعد "الأحزمة النارية"، التي تشنها الطائرات الحربية على أحياء مدينة غزة، ومشهداً آخر تحت عنوان "يأس وإحباط"، ومشهداً ثالثاً يوثق تزايد تشوهات الأجنة في ظل الحرب المستمرة على القطاع.
الأحزمة النارية
لجأ الاحتلال في الأيام الماضية إلى تكثيف استخدام "الأحزمة النارية"، في مدينة غزة، خاصة في مناطق الشيخ رضوان، والنصر، والنفق، والدرج، وحي تل الهوى، التي تقع شمال وشرق وجنوب المدينة.
ووفق مصادر محلية وشهود عيان فإن طائرات الاحتلال تشن "أحزمة نارية"، على مدار الساعة، ما ينشر الخوف والرعب في صفوف المواطنين، وبعض هذه الأحزمة تستهدف مربعات سكنية، كما حدث مؤخراً في مخيم الشاطئ، وحي الدرج، حيث تسبب هذا النوع من الغارات في انهيار عدد كبير من المنازل على رؤوس قاطنيها، ودفن الناس تحت الركام.
وقال المواطن ياسر عابد، إنه نزح من مدينة غزة بسبب الأحزمة النارية، التي أدخلت الرعب في قلوب أفراد عائلته خاصة الأطفال، لا سيما إن كانت قريبة من موقع تواجدهم.
وأشار إلى أنه في السابق كانت طائرات الاحتلال تشن حزاماً نارياً واحداً كل يوم أو كل يومين، أما الآن فيتم تنفيذ أكثر من 10 أحزمة نارية في اليوم الواحد، والأمر أصبح مرعباً ولا يمكن احتماله.
والحزام الناري هو عبارة عن غارات متتابعة تُنفذ بواسطة سرب من الطائرات الحربية التي تسقط حمولتها من القنابل والصواريخ بشكل متزامن في منطقة واحدة، حيث يُسمع دوي انفجارات كبيرة ومتلاحقة لا يفصل بينها سوى ثوانٍ معدودة، وقد بدأ تنفيذ هذا الشكل من الغارات في عدوان الاحتلال على القطاع العام 2021.
بينما قال المواطن إبراهيم حمدان، إن الاحتلال يستخدم الأحزمة النارية بطريقة مقصودة، وهو يُدرك مدى تأثيرها على الناس، لذلك باتت تعتبر وسيلة من وسائل الضغط المستمرة على المواطنين في مدينة غزة، بهدف دفعهم للنزوح، من أجل تفريغ المدينة من السكان.
وأوضح أن جميع سكان مدينة غزة باتوا عرضة للموت بسبب هذه الأحزمة، التي باتت مؤخراً تستهدف مربعات سكنية كاملة ودون سابق إنذار، وهذا الأمر غاية في الخطورة، مشيراً إلى أن المواطنين ينزحون من منطقة إلى أخرى فراراً من الموت والغارات، ولا أحد في مأمن من العدوان غير المسبوق.
وأكد حمدان أن كثافة الغارات وإسقاط مئات القنابل الأميركية من الطائرات على مدينة غزة يومياً، يشيران إلى مدى الدعم الأميركي اللامحدود للاحتلال في تنفيذ حرب الإبادة ضد سكان القطاع.
يأس وإحباط
يتملك اليأس والإحباط الشديدان عموم المواطنين في قطاع غزة، بعد سلسلة من التطورات الأخيرة، التي أبعدت فرص التوصل إلى تفاهمات ولو مؤقتة تفضي إلى وقف إطلاق النار في قطاع غزة.
ووفق مقابلات منفصلة أجرتها "الأيام" مع عدد من المواطنين من سكان قطاع غزة، فقد اتفق غالبيتهم على أن هناك ثلاثة عوامل تؤكد أنه لا يوجد أفق بوقف قريب للعدوان، وأن ما حدث في الأسبوعين الماضيين يؤكد أن العدوان الإسرائيلي على القطاع سيستمر ويتصاعد.
وأشار مواطنون إلى أن أول هذه العوامل ما حدث قبل أسابيع، من إفشال إسرائيلي متعمد للمفاوضات في الدوحة، التي كانت قريبة من التوصل إلى صفقة، ثم رفض إسرائيل المقترح المصري لوقف إطلاق النار الذي قبلته حركة "حماس"، والعامل الثاني محاولة اغتيال وفد "حماس" التفاوضي، وهو يؤكد نوايا إسرائيل بالاستمرار في الحرب وعدم وقفها، والعامل الثالث الموقف الأميركي المساند لإسرائيل، وكان آخر فصوله "فيتو"، ضد مشروع قرار في مجلس الأمن الدولي لوقف إطلاق النار في قطاع غزة.
وبيّن المواطن سعيد المصري أن ما يحدث هو خطة إسرائيلية متدحرجة تقود إلى احتلال قطاع غزة بالكامل، وتهجير جزء كبير من سكانه، واحتلال مدينة غزة جزء من هذا المخطط، وإسرائيل ترفض أي مقترحات لوقف الحرب قبل تنفيذ هذا المخطط.
وقال المصري، "كل شيء حولنا يدعو لليأس والإحباط، ولا شيء يمكن أن يعطي سكان القطاع الأمل، فلا يُسمع سوى أصوات الانفجارات، والتصريحات النارية من قادة الاحتلال، وقد جرى تغييب وقمع أي صوت يدعو إلى وقف الحرب، بينما تستمر أميركا في دعم إسرائيل، وتشن هجوماً على أي دولة أو جهة تحاول الضغط على إسرائيل من أجل وقف الحرب".
من جهته، قال المواطن محمود عوض، إنه لم يسبق أن شعر بهذا الكم من اليأس والإحباط، ويشعر بأن الحرب ستستمر أشهراً طويلة، وتتعمق، وأن المجازر ستزيد، ولا توجد أي فرصة لوقف قريب للحرب.
ولفت إلى أن أكثر ما يحزنه غياب الصوت العربي الموحد والضاغط لوقف الإبادة الجماعية في غزة، فبعض الأصوات الأوروبية كنت أقوى وأهم من الأصوات العربية والإسلامية، ولولا الصمت وضعف الموقف العربي، لما تجرأت حكومة الاحتلال على استمرار الحرب، وضرب عاصمة عربية في وضح النهار دون تردد أو خوف.
تزايد تشوهات الأجنة
شهدت الأشهر الماضية تزايداً ملحوظاً في ولادات أطفال مشوهين، وقد وصلت بعض التشوهات إلى درجة كبيرة وغير مسبوقة، حيث ولدت طفلة من دون جزء من الرأس، وطفل كان يعاني من تشوهات كبيرة في الوجه، عدا التشوهات المعروفة سابقاً.
ووفق المدير العام لوزارة الصحة في قطاع غزة منير البرش، فإن طفلة صغيرة من عائلة القانوع، وعمرها يومان، واحدة من "الحالات الصادمة لتشوّه الأجنّة في الأرحام".
ونشر البرش على صفحته على منصات التواصل الاجتماعي مقطع فيديو للطفلة، يوثق حالتها وقد ظهرت بشكل مؤلم برأس دون دماغ، حيث تنتهي الجمجمة إلى ما فوق العينين فقط.
وتأتي هذه الحالة في ظل تزايد ملحوظ لظاهرة "تشوّه الأجنة" في قطاع غزة، وفق البرش، الذي رجح أيضاً أنها ترتبط بـ"استخدام الأسلحة التي يجربها الاحتلال في غزة ضد المدنيين والأطفال".
وعلى مدار أشهر الإبادة الجماعية، حذر أطباء وتقارير حقوقية من خطورة تعرض النساء الحوامل في غزة للغازات السامة المنبعثة من القذائف والصواريخ الإسرائيلية خشية على الأجنة من الإصابة بتشوهات.
وسبق أن كشف استشاري أمراض النساء والولادة في جمعية أصدقاء المريض في غزة، صلاح الكحلوت، صورة قاتمة لما آلت إليه صحة النساء الحوامل وأجنتهن في ظل حرب تهاجم الأطفال حتى في بطون أمهاتهم.
ووفق الكحلوت فإن صواريخ الاحتلال لا تكتفي بتمزيق الأجساد فوق الأرض، بل تخترق بصمت أنسجة الجنين، لتُحدث دماراً داخلياً في أحشاء الأمهات.
وقال الكحلوت، شكّل ذلك واقعاً مأساوياً ارتفعت فيه حالات الإجهاض التلقائي، والولادات المبكرة، وتكررت فيه حالات انفجار جيب المياه قبل الأوان، والتشوهات الدماغية والقلبية والكلوية والطرفية، والاستسقاء الدماغي، وتضخم مياه الرحم، وحتى غياب الجمجمة كلياً، ووجود أكياس على العمود الفقري.
وأضاف، "نرى أجنَّة بلا رؤوس، نكتشفها بعد الشهر الرابع، ولا يمكننا الإجهاض بسبب الخطر على حياة الأم، ولأسباب دينية أيضاً، نضطر أن نكمل الحمل حتى نهايته المؤلمة".
وأكد الكحلوت أن هناك عوامل أخرى غير الصواريخ تؤثر على الحوامل والأجنة، منها سوء التغذية الحاد، ونقص الفيتامينات الأساسية مثل حمض الفوليك والحديد، وغياب الأغذية المناسبة للحوامل، وهذا كله أضعف أجساد الأمهات والمواليد على حد سواء، وأسهم في انهيار عملية النمو الطبيعي داخل الأرحام.
0 تعليق