هل يحل رفع سقف القروض أزمة السكن في لبنان؟ - البطريق نيوز

0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

بيروت – بين طموح الشباب اللبناني للحصول على سكن، وواقع اقتصادي يزداد تعقيدا، رفع مصرف الإسكان سقف القرض السكني من 50 إلى 100 ألف دولار، في محاولة لمجاراة الأسعار المرتفعة بصورة كبيرة في السوق العقاري، والتي تفاقمت بفعل حرب إسرائيل الأخيرة وموجات النزوح الداخلية.

ورغم أهمية القرار، تثير شروط الاستفادة منه جدلا واسعا، وسط تراجع القدرة الشرائية وغياب طبقة وسطى قادرة على تلبية المعايير المطلوبة.

اقرأ أيضا

list of 2 items end of list

ترصد الجزيرة نت خلفيات القرار، ورؤية الجهات الرسمية، وآراء خبراء القطاع، والمطورين العقاريين، في ضوء التحديات التي تفرضها القدرة الشرائية، وشروط القروض، وواقع السوق الذي تغيّرت ملامحه جذريا منذ 2019.

يقول رئيس مجلس الإدارة المدير العام لمصرف الإسكان أنطوان حبيب، للجزيرة نت، إن هذا القرار جاء نتيجة الارتفاع الحاد في أسعار الشقق بفعل الحرب الأخيرة والنزوح وحركة الطلب المتزايدة، موضحا أن "الزيادة تمت بموافقة الصندوق العربي للتنمية الاقتصادية والاجتماعية، وموافقة مجلس الوزراء اللبناني".

ويضيف حبيب أن مصرف الإسكان، رغم كونه جهة متخصصة منذ عام 1977، "لا يمكنه بمفرده حل أزمة السكن في لبنان"، مؤكدا أن "رئاسة الجمهورية والحكومة اللبنانية تعملان على تأمين قروض إسكانية جديدة، مدعومة بفوائد، عبر صناديق عربية وجهات أجنبية".

رفع سقف القرض السكني في لبنان من 50 إلى 100 ألف دولار
اللبنانيون في حاجة إلى 20 ألف قرض عقاري (الجزيرة)

شروط الاستفادة

تشمل القروض الجديدة شراء أو بناء مسكن بسقف 100 ألف دولار، أو ترميم المسكن بسقف 50 ألف دولار، مع إمكانية دمج أنظمة الطاقة الشمسية ومحطات معالجة المياه ضمن القرض، وفق حبيب.

ويؤكد حبيب أن القروض "تُمنح للبنانيين المقيمين أو المغتربين على حد سواء"، مشددا على ضرورة ألا تزيد مساحة العقار على 150 مترا مربعا، وألا يتجاوز عمر البناء 10 سنوات، وأن "يؤمّن طالب القرض تمويلا ذاتيا لا يقل عن 20% من قيمة الضمانة".

إعلان

وعن معايير الدخل، يوضح حبيب أن "الحصول على قرض بقيمة 100 ألف دولار يتطلب أن يتراوح الدخل الصافي للعائلة بين 2500 و5 آلاف دولار شهريا، أما القروض الأصغر فتُمنح لمن يبلغ دخلهم بين ألف و2500 دولار".

ويضيف أن "مدة العمل المطلوبة يجب ألا تقل عن سنتين متتاليتين، مع تقديم مستندات مثل إفادة عمل، أو ميزانيات مدققة، أو كشوفات حساب وغيرها"، لافتا إلى أن "الفائدة على القروض محددة بـ6% سنويا، وتُسدد الأقساط بالدولار النقدي فقط".

ويكشف حبيب أن مصرف الإسكان "خصص قروضا لأصحاب الاحتياجات الخاصة المنتجين، تتيح لهم شراء أو ترميم منازلهم بشروط تراعي وضعهم".

رئيس مجلس الإدارة المدير العام لمصرف الإسكان أنطوان حبيب (الجزيرة)
 أنطوان حبيب: قرار رفع سقف القروض جاء نتيجة الارتفاع الحاد في أسعار الشقق بفعل الحرب الأخيرة (الجزيرة)

المنصة الإلكترونية

ولتعزيز الشفافية وتسهيل الوصول إلى القروض، يؤكد حبيب أن المصرف "أطلق منصة إلكترونية منذ عام 2023 لإجراء المقابلات وتقديم الطلبات أونلاين"، لافتا إلى أن "أكثر من ألفي طلب تم تقديمه عبر المنصة، وقد أُنجز حتى اليوم نحو 230 ملفا كاملا".

ويضيف: "تستغرق الموافقة على الطلب حوالي شهر، وذلك لإجراء الكشف الفني وتحضير العقد واستصدار الأوراق الرسمية اللازمة".

أما بخصوص آلية صرف القرض، فيوضح حبيب أن "المبلغ يُحوّل عادةً إلى البائع أو المطور العقاري عبر حوالة مصرفية إلى "حساب خارجي" (External) في حين تُصرف قروض الترميم والإكساء على دفعات، بحسب مراحل التنفيذ، بعد التحقق من الإنجاز".

تأثير القرار

يؤكد حبيب أن قروض مصرف الإسكان "ستلعب دورا إيجابيا في تحريك السوق العقاري بعد سنوات من الركود بين 2018 و2024″، مضيفا أن "الأسعار تبقى مرتبطة بالعرض والطلب، لا بسياسة المصرف".

وعن دلالات القرار، يقول حبيب إن "مهمة مصرف الإسكان باتت تميل أكثر فأكثر نحو الدور الاجتماعي، خصوصا أن قروضه تقليديا كانت ذات طابع مدعوم وتستهدف ذوي الدخل المحدود والمتوسط".

ويختم حبيب حديثه برسالة موجهة إلى الشباب اللبناني، مؤكدا أن "مصرف الإسكان يحمل رسالة إنسانية تهدف إلى تمكين الشباب من امتلاك منازلهم في وطنهم، سواء من خلال الشراء أو البناء أو الترميم، وبأفضل الشروط الممكنة".

المدير التنفيذي لشركة
محمد أبو سيدو: التحدي الأساسي لا يكمن بالعرض، بل بالقدرة الشرائية المتراجعةوفي الشروط القاسية للقروض (الجزيرة)

أزمة تملك

في المقابل، يقول المدير التنفيذي لشركة "عدنان أبو سيدو وأولاده للبناء" محمد أبو سيدو، للجزيرة نت إن شركته توفر شققا بمساحات تتراوح بين 135 و240 مترا مربعا، لتلبي احتياجات مختلف الشرائح، إلا أن التحدي الأساسي، كما يقول، لا يكمن في العرض، بل في القدرة الشرائية المتراجعة للبنانيين، وفي الشروط القاسية المرتبطة بالقروض السكنية.

ورغم رفع سقف قرض مصرف الإسكان، يعتبر أبو سيدو أن ذلك غير كافٍ في ظل اشتراط دخل شهري يتراوح بين ألفين و5 آلاف دولار للاستفادة من القرض، وهو دخل شبه معدوم في لبنان اليوم.

ويضيف: "قبل أزمة 2019، كانت 80% من مبيعات الشقق تتم عبر قروض الإسكان، مقابل 20% فقط من زبائن مغتربين أو محليين يدفعون نقدا، اليوم انقلبت المعادلة: 80% من المشترين هم مغتربون، بينما لم يعد الموظف العادي قادرا حتى على تقديم طلب القرض، رغم أن الشقق الصغيرة صُممت أساسا لتناسب دخله".

وحسب أبو سيدو، فإن القدرة على سداد الأقساط الشهرية التي تتراوح حاليا بين ألفين و5 آلاف دولار، باتت حكرا على من يعمل في الخارج أو في مهن حرّة ذات دخل مرتفع، ما يعمّق الفجوة الطبقية ويُخرج شرائح واسعة من اللبنانيين من دائرة التملّك.

إعلان

ويقول: "سابقا، كان بمقدور المواطن شراء شقة بـ150 ألف دولار بدفعة أولى قدرها 20 ألفا، ثم تقسيط المتبقي شهريا ريثما يحصل على قرض إسكان لتغطية باقي الكلفة، أما اليوم، فتُطلب دفعة أولى لا تقل عن 25% من السعر، قبل التقديم للقرض، وسط تدقيق صارم في الملفات".

ورغم وصفه لقرار رفع سقف القرض بـ"الخطوة الإيجابية الأولى"، يعتقد أبو سيدو أن الأمر لا يصبح واقعيا إلا مع تحسين الأجور، أو رفع سقف القرض مجددا إلى 150 ألف دولار، وتليين الشروط الحالية.

ويشير أبو سيدو إلى مفارقة أخرى بدأت تتكشف في السوق العقاري، قائلا: "كنا نعتقد أن الشقق الصغيرة ستُباع أولا، لكن الواقع فاجأنا: الشقق الكبيرة تُباع، أما الصغيرة فتبقى، لأن الفئة المستهدفة (الموظفون وأصحاب الدخل المحدود) لم تعد قادرة على الشراء".

قروض مشروطة

ويرى الخبير الاقتصادي والمالي الدكتور عماد عكوش أن قرار مصرف الإسكان خطوة إيجابية لمواكبة تفاقم أزمة السكن، لا سيما بعد تدمير أكثر من 22 ألف وحدة سكنية خلال الحرب الأخيرة، إلا أن هذه الخطوة، برأيه، لا ترقى إلى مستوى الحل الشامل، نظرا للفجوة الكبيرة بين الحاجة السنوية التي تُقدّر بنحو 20 ألف قرض، وبين القدرة التمويلية للمصرف التي لا تتجاوز 1500 قرض سنويا.

ويشير عكوش في حديث للجزيرة نت إلى أن هذه القروض تبقى محدودة الأثر في المناطق ذات الأسعار المرتفعة مثل بيروت، إذ لا تكفي 100 ألف دولار لشراء شقة سكنية، كما أن غياب مشاركة المصارف التجارية في هذا القطاع يُضعف من جدوى الخطة، في ظل أزمة الثقة المستمرة بين هذه المصارف والمودعين، وعجزها عن توفير السيولة المطلوبة أو الالتزام بأي برامج تمويلية.

وحسب عكوش، فإن القروض المطروحة اليوم تمنح بفائدة مرتفعة تبلغ 6% قابلة للزيادة، إلى جانب تكاليف تأمينية قد تضاعف كلفة السداد، بحيث يُسدد قرض بقيمة 50 ألف دولار بما يقارب 100 ألف دولار، وهذا يجعلها أقرب إلى حل ترقيعي (جزئي) في غياب سياسة إسكانية شاملة وإصلاح جذري للقطاع المصرفي.

ويحذر عكوش من مخاطر هذه القروض في ظل استمرار غياب الإصلاح المصرفي، وأبرزها:

تراكم الديون: إذ قد يعجز المقترضون عن السداد مع ارتفاع أسعار الفائدة والتضخم. غياب الحماية القانونية: لا قانون يُلزم المقترضين بالسداد بالدولار، ما يعرض المصرف لخسائر حال انهيار العملة الوطنية. هشاشة التمويل: اعتماد مصرف الإسكان على صناديق عربية يجعل استمرار الإقراض مرهونا بالعلاقات السياسية وليس بخطة مالية مستقرة.

ويلفت إلى أن مصرف الإسكان، ورغم الدعم الخارجي، آخره قرض من الصندوق العربي للإنماء بقيمة 165 مليون دولار، يبقى عاجزا عن تلبية أكثر من بضع مئات من الطلبات، في ظل معايير صارمة.

ويخلص عكوش إلى أن العودة إلى سياسة الإقراض السكني من دون إصلاح المنظومة المالية والمصرفية، أشبه بالمغامرة، وقد تُنتج أزمة جديدة بدل أن تُخفّف من الأزمة القائمة.

0 تعليق