اختفى والدي في سوريا والرئيس الشرع منحني بصيص أمل - البطريق نيوز

0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

انقر هنا للمشاركة على وسائل التواصل الاجتماعي

share2

منذ بضعة أيام، شهدت مدينة نيويورك لقاء طالما ظُن أنه مستحيل: اجتمع عدد من عائلات الأميركيين المختفين في سوريا، إلى جانب معتقلين سابقين، في لقاء خاص مع الرئيس السوري، مطالبين الحكومة السورية بأن تعطي الأولوية لإنهاء معاناة العائلات -سواء أكانت أميركية، سورية، أو من أي بلد آخر- وأن تسعى لتحقيق العدالة والكشف عن مصير أحبتهم، الذين ينتظرون منذ سنوات طويلة إجابة.

أنا شخصيا، ما زلت أبحث عن الحقيقة: ماذا حدث لوالدي، مجد كم ألماز، بعد أن اعتقلته سلطات نظام الأسد عام 2017؟

منذ تسعة أشهر فقط، كانت سوريا لا تزال تحت حكم نظام الأسد، المسؤول مباشرة عن معاناتنا. في تلك الفترة، رفضت السلطات السورية الدخول في أي حوار مع الحكومة الأميركية أو حتى مع العائلات المتعطشة لأي بصيص من المعلومات.

لذا، كان أمرا باعثا على الأمل أن يقوم الرئيس أحمد الشرع، رغم جدول أعماله المزدحم بلا انقطاع، بتخصيص وقت عاجل لعقد اجتماع إنساني خاص معنا استمر ساعة كاملة.

عشية خطابه أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة، استمع الرئيس الشرع باهتمام بالغ إلى كل منا، حيث شاركنا قصصنا الشخصية، ووجهنا مناشداتنا إلى الحكومة السورية لمساعدتنا -نحن كعائلات أميركية، ومعنا جميع الضحايا- للوصول إلى الحقيقة والعدالة فيما يخص أحبتنا المفقودين.

وقد طمأننا الرئيس الشرع بأن الحكومة السورية لن يهدأ لها بال حتى تكشف مصير المفقودين، وتحاسب المسؤولين عن جرائم نظام الأسد.

لكن، وعلى الرغم من التزام الحكومة السورية الصادق، فإن التعامل مع ملف المختفين في سوريا يعد مهمة شاقة ومعقدة. إذ تنتشر في أرجاء البلاد عشرات المقابر الجماعية التي تضم مئات الآلاف من الرجال والنساء والأطفال وكبار السن، فيما تسعى ملايين العائلات للحصول على معلومات عن مصير أحبتها.

وسيتطلب هذا الجهد الهائل دعما دوليا مستمرا من خبراء فنيين، وحكومات، ومؤسسات عالمية، من أجل نبش المقابر، وإجراء اختبارات الحمض النووي السريعة، والمضي قدما نحو تحقيق العدالة والمحاسبة، وتنفيذ عمليات العدالة الانتقالية الضرورية من أجل الاستقرار والتعافي.

إعلان

بيدَ أن هذا المسار كله يواجه تهديدا كبيرا يتمثل في قانون قيصر، الذي لا يزال مصيره غامضا في الكونغرس الأميركي. فقد تم تمرير "قانون قيصر لحماية المدنيين السوريين" في الأصل؛ بهدف استهداف نظام الأسد، وذلك بعد أن قتل النظام أكثر من نصف مليون شخص.

لكن نظام الأسد لم يعد قائما، ورغم ذلك، فإن البعض في واشنطن لا يزال يصر على إبقاء هذا القانون، ليبقى سيفا مُصْلتا يهدد مستقبل استقرار سوريا، ويقوض أي مشاريع طويلة الأمد فيها.

وإلى أن يتم الإلغاء الكامل وغير المشروط لهذا القانون، فإن المؤسسات الحكومية وغير الحكومية الدولية، والشركات المنتجة للتكنولوجيا والمعدات اللازمة، والخبراء القانونيين، والمنظمات المعنية، جميعها مترددة في بدء عملية طويلة الأمد قد تمتد لعقود، لكنها قد تتوقف فجأة إن لم يلغَ قانون قيصر بشكل نهائي.

وفي اليوم التالي للقاء مع الرئيس السوري، التقيت بسفير الولايات المتحدة الخاص إلى سوريا، توم براك. وعلى مدار أكثر من ثلاثين دقيقة، تحدثنا عن الضرورة العاجلة لتحقيق العدالة، والكشف عن مصير المختفين. وأكد السفير براك أن استمرار قانون قيصر كأداة سياسية يشكل عائقا كبيرا.

كما جدد السفير التزام الإدارة الأميركية بإزالة جميع العقوبات والتصنيفات، بما فيها قانون قيصر، بشكل كامل وغير مشروط.

وقد ألهمني هذا اللقاء للسير نحو الكونغرس الأميركي، لأبرز أن عدم إلغاء هذا القانون لن يتسبب في ضرر للشركات الأميركية فقط، بل سيطيل أيضا معاناة عائلات أميركية مثل عائلتي، وعائلات سورية لا حصر لها، في طريقها نحو العدالة والطمأنينة.

لقد رباني والدي على حب الناس، وعلى أن أكون إنسانة بقلب إنساني، فقد كان في لويزيانا بعد إعصار كاترينا، وفي كوسوفو والبوسنة بعد الإبادة الجماعية، وفي إندونيسيا بعد التسونامي، وفي مخيمات اللاجئين في لبنان، وفي سوريا خلال مجازر الأسد الإبادية.

كان مجد كم ألماز حاضرا دوما في أحلك الأوقات، ليمنح العزاء والسكينة لأولئك الذين أنهكتهم المظالم.

وقد شعرت بروح والدي تلازمني بينما أناضل من أجل العدالة والمحاسبة في سوريا، وشعرت، بعد لقائي مع الرئيس الشرع والسفير توم باراك، بتجدد الأمل في أن يأتي يوم أستطيع فيه، ومعي جدتي التي ترفع الدعاء لوالدي كل يوم، أن أزور قبر بطلي بسلام.. زيارة حقيقية، وأخيرة.

الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.

0 تعليق