كتب خليل الشيخ:
"تعوّدنا على هذه الحياة بكل معاناتها، وصرنا نكيّف أنفسنا وأطفالنا على ما يمكن أن يكون أصعب من ذلك"، هكذا قال المواطن باسم أبو عواد (45 عاماً)، الذي استيقظ مبكراً من خيمة أقامها على شاطئ بحر "الزوايدة" وسط قطاع غزة، لبدء يوم جديد من حياة النزوح.
وأضاف: "في كل صباح تبدأ ظروف حياة مختلفة بكافة تفاصيلها هنا، ويقوم كل فرد من العائلة بممارسة مهامه على الصعيد الأسري، فيما ينشغل رب الأسرة بفتح بسطته أو ورشته التي تشكل مصدر دخل عائلته".
وأشار "أبو عواد" إلى أنه أقام بسطة لبيع أصناف من المعلبات بهدف التربح ولو ببضعة شواكل قليلة لإعالة أسرته، لافتاً إلى أنه ينزح وأسرته، المكونة من ثمانية أفراد، في خيمة ملاصقة للبسطة على الطريق العام.
لم تعد تلك الطريق تصل بين محافظات وسط وجنوب القطاع فقط، بل تحولت إلى مراكز نزوح وإقامة خيام من جهة، ومحال تجارية وبسطات بيع وورش عمل من جهة أخرى.
توجد على الطريق آلاف بسطات بيع المعلبات ومحتويات المعونات الغذائية، وبسطات أخرى لبيع الخضراوات ومواد التنظيف. وفي مكان قريب انشغل الشاب عادل يونس (26 عاماً) في رصّ صناديق الخضراوات في خيمته كبيرة المساحة.
"وسّعت البسطة وحوّلتها إلى مركز لبيع الخضراوات والفواكه، لا سيما عقب تزايد أعداد النازحين في المنطقة الذين انتقلوا من مدينة غزة إلى هنا"، هكذا برر الشاب يونس توسيع مشروعه التجاري لخدمة النازحين، دون أن يغفل الإشارة إلى أنه أحد هؤلاء النازحين الذين تركوا محل نزوحهم في منطقة جباليا، في أيار الماضي.
يشهد طريق الرشيد، من مفترق "الإقليمي" جنوباً وحتى مفترق النويري شمالاً، ازدحاماً كبيراً وملحوظاً بسبب تزايد الخيام المقامة على جانبي الطريق، وكذلك بسطات البيع وورش العمل.
كما تكثر محال بيع وصناعة الحلويات والخبز، وبسطات بيع الحطب، ومحال شحن الهواتف النقالة وتصليح السيارات والإطارات، ومحال الحلاقة وبيع الملابس والأحذية واحتياجات النازحين من الأخشاب و"الشوادر" والخيام.
وقال أسعد أبو عرار (60 عاماً) الذي راقب حركة النازحين: "النزوح لم يعد ملجأ وحماية من الموت أو القصف، بل هو امتداد للنزوح لأشهر متتالية شارفت على العامين، دفع غالبية أرباب الأسر، إلى جانب إيجاد المأوى الآمن، إلى التهيؤ لإيجاد وسيلة للعمل والعيش.
وأضاف: "الأمر المؤسف هنا الازدحام الشديد الذي يعرقل حركة المركبات ونقل النازحين من شمال القطاع إلى جنوبه وبالعكس، وكذلك مرور المساعدات ومركبات الإسعاف".
على الصعيد ذاته، لم يغب القطاع الصحي عن باقي القطاعات الأخرى، فخيام الصيدليات وعيادات الأطباء لها نصيب على امتداد طريق الرشيد أيضاً.
وقال "أبو خالد" (36 عاماً) النازح من شمال قطاع غزة: "هربنا تحت القصف الذي استهدف بيت لاهيا قبل عدة أشهر وجئنا إلى هنا"، في إشارة إلى أنه نزح إلى شاطئ مخيم النصيرات، قبل الهجوم على مدينة غزة.
وبيّن أنه أقام صيدلية صغيرة يجمع بها ما نقله من صيدليته التي كانت مقامة في بيت لاهيا، وما تيسّر من الأدوية، ليتمكن من إعالة أسرته طوال فترة النزوح.
أما الشاب فهمي أبو علي في الثلاثينيات من عمره، فقد أنشأ معملاً لصناعة الخبز والحلويات وبيعها للنازحين على الطريق، وللجمهور من حوله.
وقال: "ليس أمامنا سوى العمل بما تتيح لنا الظروف، ولن نعتمد على المساعدات التي قد تأتي، فيكفي ما عانيناه من مجاعة"، مشيراً إلى أنه كان متوقفاً عن العمل إبان فترة نقص الدقيق وارتفاع ثمنه بشكل كبير.
0 تعليق