"حاولوا شراء صمته، وعندما رفض، قرروا سرقة صوته باتهامه." بهذه الكلمات لخص المحامي هاني عوض الموقف الصادم الذي يواجهه موكله مصطفى سليم. شاب بسيط جاء من صعيد مصر حاملاً حلم العمل الشريف، ليجد نفسه فريسة لعصابة اتجار بالأعضاء البشرية، وعندما قرر استرداد حقه المسلوب، وجد نفسه في لحظة واحدة قد تحول من ضحية إلى متهم محتجز على ذمة التحريات.
بدأت فصول المأساة عندما غادر "مصطفى" محافظة أسيوط متجهاً إلى القاهرة، باحثاً عن فرصة عمل تؤمن له لقمة العيش. ولأنه لا يملك مأوى، كان مسجد السيدة زينب هو ملاذه المؤقت. هناك، استغل أحد أفراد العصابة حاجته وضعفه، واقترب منه عارضاً عليه فرصة عمل وسكناً، فكانت تلك هي الطعنة الأولى في رحلة الخداع.
من فرصة عمل إلى سرقة كلية
لمدة أسبوعين، عاش مصطفى في شقة بمنطقة الناصرية، معزولاً عن العالم الخارجي، بينما كان أفراد العصابة ينسجون شباكهم حوله. أخبروه أن العمل يتطلب إجراء تحاليل طبية، فوافق بحسن نية. بعد ظهور النتائج، تحول الحديث من فرصة عمل إلى "عمل إنساني" سيغير حياته عبر التبرع بكليته مقابل مكافأة مالية، مؤكدين له أنه لن يتعرض لأي أذى صحي أو قانوني. مستغلين جهله بالقراءة والكتابة وظروفه المادية القاسية، تم إكراهه على التوقيع على إيصالات أمانة على بياض، ليجد نفسه بعدها على سرير العمليات في مستشفى بحي الدراسة، يفقد جزءاً من جسده وحلمه.
المواجهة في النيابة
بعد أن أدرك ما حدث، لم يستسلم مصطفى. تقدم ببلاغ رسمي حمل رقم 7592 لسنة 2024 جنح البدرشين، متهماً 7 أشخاص، بينهم سيدتان، بسرقة كليته. تحركت الأجهزة الأمنية بالجيزة بسرعة، وتمكنت مباحث قسم شرطة البدرشين من القبض على 4 من المتهمين. بالأمس، الأربعاء، وأثناء التحقيقات التي استمرت قرابة 8 ساعات أمام نيابة جنوب الجيزة الكلية، حدثت المواجهة. عرض المتهمون على مصطفى التصالح والتنازل عن القضية.
انتقام المتهمين: الضحية في قفص الاتهام
كان رفض مصطفى القاطع للتنازل هو نقطة التحول التي قلبت الطاولة بشكل مأساوي. فلجأ المتهمون إلى حيلة انتقامية، حيث بادروا بتقديم بلاغ ضده، متهمينه بالسب والقذف والتشهير ونشر أخبار كاذبة بهدف "التريند". والمفاجأة كانت بقرار النيابة حجز المتهمين الأربعة، وحجز الضحية مصطفى أيضاً، لمدة 24 ساعة على ذمة تحريات المباحث حول الاتهامات المتبادلة.
يقول المستشار هاني عوض، محامي الشاب: "نحن نثق في نزاهة التحقيقات وقدرتها على كشف الحقيقة". لكن قضية مصطفى تترك في النفس سؤالاً مؤلماً وتطرح فكرة للتأمل: في معركة البحث عن العدالة، كيف يمكن لصوت الضحية أن يُسحق بسهولة، وكيف يمكن أن يتحول صراخه طلباً للنجدة إلى تهمة تسكته؟ قضيته لم تعد مجرد قضية اتجار بالأعضاء، بل أصبحت صراعاً لإثبات الحقيقة في وجه من يملكون القدرة على قلبها.
0 تعليق