اصطدمت محاولات إيران بالحصول على منفذ بحري على البحر المتوسط بمرونة ديناميكية شركة “CMA CGM” الفرنسية، التي تشكل ما يشبه أخطبوطًا في قطاع النقل البحري، لامست مجساته أبواب السياسة بتسهيل ودعم حكومي فرنسي.
مجسات ملاك الاخطبوط الفرنسي العائدة أصولهم إلى سوريا والحاملين جنسية مزدوجة لبنانية- فرنسية، وصلت إلى أبواب ميناء اللاذقية في سوريا وطرابلس وبيروت في لبنان، عبر علاقاتهم الوثيقة بأربعة رؤساء فرنسيين وبموافقة من قبل قادة أنظمة البلدين.
الشركة الفرنسية حصلت عام 2009، على عقد استثمار محطة الحاويات في ميناء اللاذقية، استمر لمدة عشر سنوات، تم تجديده لمدة خمس سنوات، ضغطت إيران خلال هذه المدة على النظام السوري لتحصيل جزء من ديونها وتضيفه إلى باقة تمددها الاقتصادي والعسكري والإيديولوجي في سوريا.
تأجيل لثلاثة عقود
التجديد للمرة الثانية والذي كان متوقعًا أن يكون لمدة خمس سنوات أيضًا، أجل حلم إيران مرة أخرى، لكن التجديد كان مختلفًا عن التوقعات وذلك بسبب مدته المحددة بـ30 عامًا.
مدير البرنامج السوري في “مرصد الشبكات السياسية والاقتصادية”، والدكتور في الاقتصاد، كرم شعار، أكد تجديد العقد بين الشركة الفرنسية وحكومة النظام في مرفأ اللاذقية لمدة 30 عامًا، وذلك بحسب رد الشركة على الشعار في إيميل تضمن أسئلة حول تجديد العقد.
وذكر لعنب بلدي أن الشركة لم تفصح عن بقية بنود العقد.
ووصف الصحفي المتخصص في الشأن الاقتصادي إياد الجعفري، عملية التجديد بأنها تأخير لحلم إيران بأن يكون “درّة تاج جزئها المتخيّل من طريق الحرير الصيني”.
وأشار الجعفري في مقال له بموقع “المدن”، إلى وجود “فيتو” إسرائيلي على نفوذ إيران في المرفأ بدأ منذ 2019، علمًا أن المرفأ تعرض لقصف إسرائيلي عدة مرات، وفشلت محاولات الرئيس الإيراني السابق، إبراهيم رئيسي، خلال زيارته إلى سوريا عام 2023 في الحصول على المرفأ.
النظام عوض إيران بموافقته على دفع قسم من عائدات الميناء لرد جانب من ديونها، بحسب تسريب وثائق رسمية لمجموعة إيرانية معارضة اخترقت خوادم خاصة بالرئاسة الإيرانية عام 2023.
ما دلالة التمديد.. رد إيراني متوقع
الصحفي إياد الجعفري أوضح لعنب بلدي حول دلالة التمديد لمدة 30 عامًا رغم محاولات السيطرة على الميناء من قبل إيران، بأن ذلك يدل على “تراجع قدرة إيران في الضغط على النظام، واتساع هامش المناورة أمام هذا الأخير، بدفعٍ من التصعيد العسكري الإسرائيلي الراهن”.
ويشكل التصعيد العسكري الإسرائيلي ذريعة قوية للنظام كي يبرر عدم تسليم هذا المرفق الحيوي لطهران، خشية استهدافه إسرائيليًا وإخراجه من الخدمة، وفق الجعفري.
وبالنسبة لرد فعل إيران أو تحركها على مسألة التمديد، قال الجعفري إن طهران “لا تستطيع فعل الكثير في التوقيت الراهن”.
تواجه إيران ضغوطًا كبيرة على نفوذها وأذرعها في المنطقة، وفي سوريا تحديدًا، مع الإشارة إلى أن النظام استطاع قبل خمس سنوات، الإفلات من الضغط الإيراني بهذا الخصوص، بدعم روسي حينها، وبذريعة الاستهداف الإسرائيلي أيضًا.
وأشار الجعفري إلى أن عامل الدعم والذريعة ذاتهما متوافران الآن بصورة أقوى حتى من السابق.
اقرأ أيضًا: “أسد البحار” يصطاد مرافئ سوريا ولبنان
عين سعادة على مرافئ سوريا ولبنان
شركة “CMA CGM” ظهرت لأول مرة تحت اسم “Compagnie Maritime d’Affrètement” عام 1978، مكونة من أربعة موظفين وسفينة واحدة ومسار شحن واحد فقط بين بيروت واللاذقية وليفورنو ومرسيليا.
الشركة توسعت خلال السنوات اللاحقة واستحوذت على شركات شحن متعددة منها حكومية وأخرى خاصة في مختلف القارات إلى أن أصبحت ثالث عمالقة الشحن البحري عالميًا.
مؤسس الشركة جاك سعادة فرنسي- لبناني، وهو ابن عائلة برجوازية، والده من مدينة اللاذقية الساحلية غربي سوريا وأمه لبنانية، انتقل إلى لبنان عام 1970 بسبب قرارات التأميم في سوريا، وبسبب الحرب الأهلية في لبنان انتقل إلى فرنسا.
توفي جاك سعادة في 24 من حزيران 2018، عن عمر ناهز 81 عامًا، وكان ابنه رودولف قد أصبح رئيسًا تنفيذيًا للشركة عام 2017.
ربطت جاك ورودولف سعادة علاقات مع الساسة في فرنسا، بحسب تحقيق أعده “راديو فرنسا” (radiofrance)، في أيلول الماضي، أبرزهم الرؤساء فرانسوا هولاند وجاك شيراك ونيكولا ساركوزي وإيمانويل ماكرون.
جاك بدأ استثماره باللاذقية بعد مرافقته ساركوزي في زيارته إلى سوريا عام 2008، وابنه رودولف حصل على استثمارات في مرافئ بيروت وطرابلس بعد مرافقته الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون، خلال زيارته إلى لبنان في آب 2020 عقب انفجار مرفأ بيروت.
لم تتجاوز استثمارات العائلة في سوريا بحسب ما هو ظاهر مرفأ اللاذقية، أما في لبنان فإنها تحولت إلى شبه إمبراطورية اقتصادية في قطاعات مختلفة، على رأسها المواني (طرابلس وبيروت).
عقد مرفأ اللاذقية
في شباط في شباط 2009، وقعت “CMA CGM” وشركة “Terminal link” ، وشركة “سوريا القابضة”، لإدارة محطة حاويات مرفأ اللاذقية لمدة عشر سنوات قابلة للتجديد خمس سنوات بموافقة الطرفين.
شركة “Terminal Link”، متخصصة في مجال استثمار المواني وتطويرها وتشغيل محطاتها، موجودة في 16 دولة بأربع قارات، مقرها مرسيليا، ومملوكة لـ”CMA CGM” بنسبة 51%، وشركة “China Merchants Port Holding Company Ltd” وهي حكومية مملوكة للدولة بنسبة 49%، وفق الموقع الرسمي للشركة.
أسست الشركات المستثمرة الثلاث فيما بعد شركة محطة حاويات اللاذقية الدولية (LICT)، كشركة سورية محدودة المسؤولية، لتتولى وتدير وتنفذ عقد إدارة وتشغيل محطة الحاويات، وباشرت عملها بإدارة وتشغيل المحطة في 1 من تشرين الأول 2009.
وتبلغ مساحة المحطة 33.38 هكتار في المرحلة الأولى، وفيها 4 أرصفة و12 مأخذًا للحاويات المبردة، كما تضم 4 روافع للرصيف و5 متحركة و26 حاضنة و17 “ستافة” و55 شوكية و33 قاطرة.
وكانت الحكومة السورية أحدثت شركة مرفأ اللاذقية، وهي قطاع مشترك (خاص وعام)، عام 1950، وفق المرسوم التشريعي رقم 38 القاضي بإحداث واستثمار مرفأ بحري في مدينة اللاذقية مع المنشآت التابعة له.
وأصبحت الشركة تابعة لوزارة النقل اعتبارًا من العام 1974، ثم تحولت إلى عامة (قطاع عام) بموجب القانون 17 لعام 1982.
ويتكون المرفأ من قسمين، الأول”محطة حاويات اللاذقية الدولية” (LICT)، التي تديرها شركة “Terminal Link” حاليًا، والثاني، الشركة العامة لميناء اللاذقية، التي تشرف على الموظفين العموميين واختبارات المختبر والمعدات.
اذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال يحوي معلومات خاطئة أو لديك تفاصيل إضافية أرسل/أرسلي تصحيحًا
0 تعليق