حماس تركي وتوجس كردي.. هل تنسحب أمريكا من سوريا - البطريق الاخباري

عنب بلدي 0 تعليق ارسل طباعة

حرّك فوز الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، بالسباق إلى البيت الأبيض، في 6 من تشرين الثاني الحالي، هواجس تركية لم تهدأ حيال مستقبل مناطق شمال شرقي سوريا، في ظل توجه أمريكي معلن للانسحاب من سوريا والعراق.

وفي أيلول الماضي حددت واشنطن جدولًا زمنيًا لإنهاء المهمة العسكرية للتحالف الدولي لهزيمة تنظيم “الدولة الإسلامية” في سوريا والعراق، وذكر بيان أمريكي- عراقي نقلته وكالة الأنباء العراقية (واع) أن مهمة التحالف في العراق تقرر إنهاؤها خلال مدة لا تتجاوز الـ12 شهرًا المقبلة.

وبعد أيام من فوز ترامب، قالت مصادر دبلوماسية تركية، في 11 من تشرين الثاني، إن أنقرة تلقت رسالة من واشنطن مفادها أنه يجب حل مشكلة انسحاب القوات الأمريكية من سوريا على أساس التعاون، لكن ليس لدى الولايات المتحدة أجندة للانسحاب رسميًا بعد.

وأشارت المصادر التي نقل عنها موقع “BBC Turkce” إلى أن سياسة الولايات المتحدة تجاه سوريا جرت مناقشتها في واشنطن، وعملية الانسحاب قد تتم بين 2025 و2026.

وكان أحدث اجتماع رفيع المستوى بشأن سوريا، بين أنقرة وواشنطن، جرى خلال زيارة نائب وزير الخارجية الأمريكي، جون باس، إلى أنقرة، في أيلول الماضي، والتقى حينها وزير الخارجية التركي، هاكان فيدان، ونائبه نوح يلماز ومسؤولين آخرين.

ومن التقييمات التي جرت في أنقرة أن هذه المراجعة التي بدأتها الإدارة الحالية للوجود الأمريكي في سوريا ستستمر بعد وصول ترامب إلى السلطة، وأن أنقرة وواشنطن يمكن أن تتوصلا إلى اتفاق في إطار مشترك.

المصادر الدبلوماسية أوضحت أن الولايات المتحدة لا يمكنها إنهاء وجودها في المنطقة إلا نتيجة اتفاق شامل مع تركيا، مع التأكيد بأن الحكومة التركية قد تطلب التزامات فيما يتعلق بـ”وحدات حماية الشعب” والجماعات الكردية الأخرى في المنطقة، ومواصلة القتال ضد تنظيم “الدولة الإسلامية”.

تركيا مستعدة

في اليوم نفسه، جددت تركيا على لسان وزير خارجيتها، الدعوة للولايات المتحدة لوقف دعم “وحدات حماية الشعب” (العماد العسكري لـ”قوات سوريا الديمقراطية”) في شمال شرقي سوريا.

وأوضح فيدان أن الاتصالات بشأن هذه القضية زادت، و”الجانب الأمريكي حريص على مزيد من المحادثات والمفاوضات أيضًا”، مع تشديده على وجوب “تطهير سوريا من العناصر الإرهابية حفاظًا على سلامة الأراضي”، ومن أجل “تهيئة مناخ” لعودة السوريين إلى بلادهم بـ”أمان وطواعية”، وفق قوله.

وأبدى الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، استعداد بلاده للوضع الجديد والواقع الحالي الذي سيخلقه الانسحاب الأمريكي من سوريا.

وقال، في 20 من تشرين الثاني، إن منطقة شمال شرقي سوريا “المحتلة” من قبل “حزب العمال الكردستاني” و”حزب الاتحاد الديمقراطي” و”وحدات حماية الشعب” بدعم أمريكي، منطقة مهمة للغاية ليس فقط بالنسبة لتركيا، بل لسوريا أيضًا، معتبرًا أن “تطهير هذه المنطقة” من هذه الجهات، أمر بالغ الأهمية أيضًا بالنسبة لـ”الإدارة السورية”.

أردوغان دعا النظام السوري لبذل جهد لمحاربة الإرهاب، وقال إن “الحرب الأهلية” في سوريا، جلبت حالة من عدم الاستقرار العميق في الأراضي المجاورة لتركيا، ما جذب “التنظيمات الإرهابية” خارج الحدود “كما يجذب المستنقع الذباب”، على حد وصفه.

عناصر سياسة تركيا

خلال تحديده للأسس التي تقوم عليها سياسة بلاده في الملف السوري، قال وزير الخارجية التركي، إن العناصر الأساسية لسياسة تركيا تجاه سوريا تتمثل في تطهير البلاد من العناصر الإرهابية، كما شدد الوزير التركي على موقف بلاده في محاربة “العمال الكردستاني”، معتبرًا أن تركيا أحبطت الجهود الرامية إلى تنظيم “الإدارة الذاتية” لـ”الانتخابات المحلية” في شمال شرقي سوريا.

وشدد فيدان على عدم السماح بمثل هذه المحاولات في الفترة المقبلة، ومواصلة الحرب ضد ما وصفها بـ”المنظمة الإرهابية الانفصالية” دون تنازلات، وفق قوله.

وكانت “الإدارة الذاتية” بدأت قبل أيام إجراء انتخابات غير معلنة للبلديات في محافظة دير الزور، وفق ما نقلته عنب بلدي عن مصادر محلية مسؤولة تحفظت على عدم ذكر أسمائها.

وجاءت هذه الخطوة بعدما قوبلت محاولات علنية متعددة لإجراء الانتخابات بغضب تركي رسمي رافض لفرض سياسة “أمر واقع” في شمال شرقي سوريا، وصل إلى التلويح المتكرر بعملية عسكرية برية تركية.

تخوّف مبني على تجربة

تولى ترامب الإدارة الأمريكية لأول مرة في 2017، في خضم مرحلة مكثفة من قتال قوات التحالف الدولي الذي تقوده واشنطن ضد “الدولة الإسلامية”، تعاونت فيها وزارة الدفاع الأمريكية (البنتاغون) مع “قوات سوريا الديمقراطية” في سوريا خلال هذه المعركة الطويلة.

وبعدما أعلن ترامب هزيمة “التنظيم” في 2019، أعلن سحب القوات الأمريكية من أجزاء كبيرة من شمالي سوريا، وهي خطوة صبت في خدمة التوسع العسكري التركي على الأرض مقابل انحسار مناطق سيطرة “الإدارة الذاتية”، المظلة المدنية لـ”قوات سوريا الديمقراطية” (قسد).

وترى أنقرة في “قسد” امتدادًا لـ”العمال الكردستاني” المصنف إرهابيًا لديها، وتستهدف مواقع سيطرتها بشكل متكرر، لترد “قسد” باستهداف مناطق شمال غربي سوريا، التي يسيطر عليها “الجيش الوطني السوري” المدعوم تركيًا في ريف حلب.

مبعوثة “مجلس سوريا الديمقراطية” في واشنطن، سينام محمد، قالت لمجلة “News Week” الأمريكية، في 18 من تشرين الثاني الحالي، إن تجربتهم كانت “مؤلمة” مع الرئيس ترامب في ولايته الأولى.

وأضافت، “لا أنكر أننا شعرنا بالإحباط حين قررت واشنطن الانسحاب من سوريا وتركت حلفاءها تحت رحمة التهديدات التركية (..) لكننا ننظر بإيجابية لعودة ترامب، ونأمل ألا تتكرر هذه التجربة مرة أخرى، ونعتقد أن وجهة نظر ترامب حاليًا مختلفة عما كانت عليه”.

“أخرجوهم”

آمال مبعوثة “سوريا الديمقراطية” تتعارض مع ما قاله روبرت كينيدي جونيور، أحد الحلفاء المقربين من ترامب، والذي ذكر في حديث مع شبكة “تاكر كارلسون” الأمريكية، أن ترامب أعرب عن نواياه بشأن سحب قواته من شمال شرقي سوريا، في أثناء رحلة بالطائرة.

ولفت كيندي، إلى تخوف ترامب من تحول الجنود الأمريكيين في شمال شرقي سوريا إلى “وقود للمدافع” في حال حدوث صدام عسكري بين القوات التركية، والقوات المحلية في شمال شرقي سوريا، إذ قال كينيدي إن ترامب أبلغه بوجود 750 ألف جندي في تركيا و250 ألفًا في سوريا، دون تحديد ما إذا كان يقصد قوات النظام أم “قسد”، أم مزيجًا من الاثنين.

وقال ترامب لكينيدي، “إذا واجهوا بعضهم البعض، فإننا سنكون في الوسط، وسنصبح وقودًا للمدافع في حال اندلاع قتال بين الأطراف المتصارعة”، ثم ختم حديثه قائلًا، “أخرجوهم” (في إشارة إلى القوات الأمريكية الموجودة في سوريا).

هذه النوايا الأمريكية تصب في خدمة تطلعات أنقرة المصممة على إنشاء ممر أمني بعمق 30 إلى 40 كيلومترًا على طول حدودها الجنوبية، مع سوريا.

ويوجد في سوريا ما بين 900 إلى ألف جندي أمريكي، في مناطق سيطرة “الإدارة الذاتية” شمال شرقي البلاد، وفي حامية “التنف” الصحراوية على المثلث الحدودي بين سوريا والعراق والأردن، حيث تسيطر عليها قوات “جيش سوريا الحرة” المعارضة للنظام السوري.

“الإدارة الذاتية” تتوقع سياسة “مختلفة” من ترامب

الظروف غير متوفرة

الباحث في العلاقات الدولية محمود علوش، أوضح لعنب بلدي أن تركيا تراهن على عودة الرئيس دونالد ترامب إلى البيت الأبيض، للوصول إلى تفاهم مع الولايات المتحدة يؤدي إلى الانسحاب الأمريكي من سوريا، وهناك تجرية سابقة في 2019، استطاعت أن تعالج جزئيًا هذه المشكلة في العلاقات التركية- الأمريكية، لكن القوات الأمريكية ما تزال موجودة في سوريا.

ومن غير الوضح كيف ستكون سياسة ترامب في التعامل مع ملف الوجود الأمريكي في سوريا، لكن سيكون من المبكر الرهان على أن عودة ترامب ستؤدي إلى معالجة هذا الملف بالكامل.

التوصل لحل في قضية “الوحدات الكردية” يتطلب انخراطًا مكثفًا بين أنقرة وواشنطن، للتوصل لتفاهم حول الانسحاب وآلية إدارة المنطقة بعد الانسحاب، والتعامل مع الحالة الكردية المسلحة في المنطقة، ما يعني أن أي انسحاب لا يمكن أن يحصل إلا في إطار مقاربة أوسع للعلاقة بين تركيا و”وحدات حماية الشعب”، وفق الباحث محمود علوش.

ويرتبط الوجود العسكري الأمريكي في سوريا بديناميكيات هذا الوجود في العراق، ولذا فإذا عزمت الولايات المتحدة الانسحاب فعلًا سيكون هذا ضمن سياسة أوسع للولايات المتحدة في البلدين، وهنا تظهر تعقيدات التعامل مع هذين الملفين أمام واشنطن، أضاف علوش.

وبرأي الباحث، فلا يزال مبكرًا الرهان على الانسحاب الأمريكي من سوريا في المستقبل المنظور، لكن إن حصل فعلًا سيكون ضمن تفاهم تركي- أمريكي على إدارة الوضع في شمال شرقي سوريا ما بعد الانسحاب.

كما أن الظروف التي تعرقل هذا التفاهم أكثر من تلك التي تساعد على إبرامه لأن قضية “الوحدات الكردية” لا تتعلق فقط بالعلاقات التركية- الأمريكية، أو الصراع التركي مع هذه الوحدات، بل هناك أطراف أخرى، كروسيا وإيران والنظام السوري، ما يعني أن الأمر معقد إلى حد كبير.

مستقبل مرتبط بعوامل

ربما تراهن تركيا على إقناع ترامب بمزايا التعاون مع أنقرة في إدارة مرحلة ما بعد الانسحاب الأمريكي المحتمل، لكن الظروف التي يمكن أن تدفع واشنطن لسحب قواتها في المدى المنظور غير متوفرة بعد، رغم رغبة ترامب بالتخلص من المشكلة السورية والانسحاب وتخفيف الانخراط الأمريكي في الشرق الأوسط، وهي رغبة حاضرة لدى ترامب منذ ولايته الأولى في الرئاسة، لكنه رضخ لضغط “البنتاجون” لتجنب الانسحاب من سوريا، بحسب الباحث محمود علوش.

في الولاية الثانية يمتلك ترامب قدرة أكبر على فرض خياراته على “البنتاجون” فيما يتعلق بالانسحاب من سوريا، لكن هناك مصالح أمريكية تدير هذه السياسة، وإذا توافقت هذه المصالح مع فكرة الانسحاب فقد يحصل ذلك، لكن اليوم التالي لما بعد الانسحاب معقد إلى حد كبير ويتطلب تعاون يتجاوز العلاقات التركية الأمريكية.

محمود علوش- باحث في العلاقات الدولية

واعتبر الباحث أن مستقبل شمال شرقي سوريا يتوقف على مجموعة عوامل، منها سياسة ترامب في الملف السوري، والتي لن تنحصر آثارها في مسألة الوجود الأمريكي.

ومن المهم معرفة الاتجاهات التي ستسلكها هذه السياسة فيما يتعلق بالصراع عمومًا والموقف من النظام السوري ومن التطبيع العربي معه ومشروع التطبيع التركي مع النظام، وبالتالي ستؤثر السياسة الأمريكية على الوضع في شمال شرقي سوريا.

متغيرات إقليمية

تأتي هذه التطورات في ظل أخرى مترافقة على امتداد الخريطة السورية بالمجمل، تتجلى باستهدافات إسرائيلية لا تتوقف لمناطق متفرقة ونقاط عسكرية ومواقع لميليشيات عسكرية مدعومة من إيران، في ظل رغبة إسرائيل بقطع شريان الإمدادات من سوريا، عن “حزب الله” الذي يخوض منذ أواخر أيلول الماضي حربًا مفتوحة مع إسرائيل.

كما أن التحركات الأمريكية ومساعي الانسحاب من الرقعة السورية الساخنة لا تنفي وجودًا إيرانيًا يحارب للبقاء، وتمركزًا روسيًا متواصلًا، يعبّر عن نفسه بضربات واستهدافات متكررة لمناطق شمال غربي سوريا، بالشراكة مع قوات النظام، سواء بالغارات الجوية أو القصف المدفعي أو الطائرات المسيرة، والحصيلة قتلى مدنيون وخسائر ومصابين، تحصيهم فرق “الدفاع المدني السوري”.

في غضون ذلك، فالتصريحات التركية المتواصلة التي تنشد “ود” النظام السوري، وتسعى لفتح باب تواصل بغية تدشين مسار سياسي للجانبين، تقابل بتمسك النظام السوري بشرط الانسحاب التركي أولًا، دون أن تغير التحذيرات التركية حول خطر إسرائيلي في الجنوب، لا في الشمال، من موقف دمشق.

في زحمة هذه الأحداث، اتجهت “الإدارة الذاتية” لإجراء انتخابات محلية بـ”هدوء”، لا يشجعها عليها “حليفها الأمريكي” وتغضب تركيا، ويستنكرها النظام السوري الذي تجمعه بـ”الإدارة الذاتية” علاقة معقدة، فالطرفان يشتركان في بعض مناطق السيطرة التي تشكل منطلقًا لهجمات على مناطق سيطرة الفصائل المعارضة، شمال غربي البلاد.

وتعد مدن تل رفعت شمالي حلب، ومنبج وعين عرب شرقها، والجهة الجنوبية لمدينة الباب، أمثلة على تداخل القوات العسكرية، حيث تتشارك قوات النظام و”قسد” الحواجز والنقاط العسكرية المنتشرة على خطوط التماس مع “الجيش الوطني”.

شكرًا لك! تم إرسال توصيتك بنجاح.

حدث خطأ أثناء تقديم توصيتك. يرجى المحاولة مرة أخرى.

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق